محاولة استغلال الأسرى سياسيا ليست جديدة
 

 عوني فرسخ
 تاريخ الماده:- 2006-06-07
 

منذ بداية الصراع، وكنتيجة للخلل الفادح في الإمكانات المادية والقدرات القتالية والعلاقات الإقليمية والدولية لصالح التحالف الاستعماري – الصهيوني، بدا المناضل العربي الفلسطيني صادق الالتزام بالثوابت الوطنية كحامل روحه على راحته. وعلى ذلك احتل الشهداء والمعتقلون مقاما قدسيا في الثقافة الوطنية الفلسطينية. وهذا ما أدركت أهميته، ماضيا وحاضرا، القوى العربية المرتبطة مصلحيا برعاة المشروع الصهيوني فسعت لاستغلاله في تمرير مبادرات التسوية غير المتكافئة. والذي يذكر أن الحكومة البريطانية، بعد أن عجزت عن قمع ثورة فلسطين سنة 1936، كلفت وزير خارجية العراق نوري السعيد التوسط لوقفها. الذي باشر وساطته في لندن مع حاييم وايزمان، مقترحا وقف الهجرة اليهودية مؤقتا، الأمر الذي رفضه الزعيم الصهيوني بحجة أن ذلك يعني مكافأة "الإرهاب" العربي. وعندها توجه نوري للقدس في آب / أغسطس 1936 حيث نزل ضيفا على المندوب السامي البريطاني في بيته، وبدأ وساطته بلقاء موشيه شرتوك، مسؤول الخارجية في الوكالة اليهودية، والذي كان يعتبر "حمامة"، فأعاد تأكيد موقف وايزمان.

وفي 26/8/1936 التقى "اللجنة العربية العليا" ليطالبها بفك الاضراب ووقف الثورة، مقابل توسط الحكومة العراقية لدى بريطانيا لتلبية المطالب العربية المشروعة. وللتأثير في أعضاء اللجنة بدأت سلطة الانتداب العمل بالتعديل العاشر لقانون الطوارىء لسنة 1936، بأن ضاعفت الإجراءات القمعية، خاصة في المعتقلات. وبرغم إجماع أعضاء اللجنة على تقدير مبعوث العراق والملك غازي اشتد الجدل بينهم حول ما ينبغي عمله. فالمفتي وبعض الأعضاء رأوا استمرار الإضراب وتواصل الثورة والعصيان المدني حتى توقف بريطانيا رسميا الهجرة اليهودية، وتعلن استعدادها لمنع بيع الأراضي للصهاينة، والموافقة على تشكيل حكومة مسؤولة أمام مجلس نيابي منتخب. وبالمقابل مال راغب النشاشيبي وغالبية الأعضاء لقبول المبادرة العراقية دون أية شروط.

وللتأثير في موقف المفتي وصحبه توجه نوري للمعتقلين، وطلب اختيار ممثليهم فاختاروا عوني عبدالهادي، الذي سماه بالاسم، ونبيه العظمة. ثم اُخْرِج أولهما  إخراجا مؤقتا للقاء اللجنة العربية العليا، وعاد يحمل وجهتي النظر. وبعد تداول الأمر أيد غالبية المعتقلين موقف الأقلية بزعامة المفتي، وطالبوا بتصعيد الثورة للضغط على بريطانيا، وتركوا للجنة اتخاذ القرار النهائي في ضوء قدرتها على تطوير الإضراب بمشاركة الموظفين والبلديات التي لم تكن قد شاركت بعد. وأوصوا بقبول وساطة ملوك العرب إذا تعذر تطوير الاضراب، وأعلنت حكومات العراق والسعودية واليمن تحمل المسؤولية التي تترتب على عدم وفاء بريطانيا بالمطالب العربية. كما اشترطوا أن تترك حكومة الانتداب ملاحقات التهم الناشئة عن الإضراب والاضطرابات، وإطلاق سراح الموقوفين بسببها، وإلغاء الغرامات المفروضة، والعفو عن المسجونين الذين صدرت بحقهم أحكام بسبب الثورة.

وبعد مفاوضات مستفيضة فيما بين أعضاء اللجنة، وبينهم وبين  نوري السعيد، وتحت ضغط أصحاب البيارات من أعضاء اللجنة واللجان القومية، أصدرت اللجنة بيانا في 30/8/1936 تضمن القبول بالمبادرة العراقية، على أن تعرض نتائج مساعي نوري السعيد على الشعب بواسطة اللجان القومية في مؤتمر عام لأخذ رأيه، على أن يستمر الإضراب الشامل إلى أن تصل المفاوضات إلى "النتيجة المرغوبة التي تحفظ للشعب كيانه وتضمن نيله حقوقه وتحقيق أهدافه ".

ولأن وساطة نوري السعيد لم تؤد الغاية البريطانية المنشودة حاول المندوب السامي واكهوب التعامل معه بصفته الشخصية، وليس باعتباره وزير خارجية العراق. فيما أرسلت الحكومة البريطانية برقية للمندوب السامي برفض وساطة السعيد بصفته الرسمية، إذ تعتبر ذلك تدخلا من حكومة أجنبية ، كما اشترطت القبول المسبق وغير المشروط من قبل العرب باللجنة الملكية التي تقرر اعتمادها لتقصي الحقائق في فلسطين .

وبعد محاولة نوري السعيد بسبعين عاما أعاد الرئيس محمود عباس إنتاجها بتعاطيه، وسائر الملتزمين بنهج أوسلو، مع "وثيقة الأسرى" وكأنها "قميص عثمان"، الذي يستقوون به لاكتساب شعبية جماهيرية تنافس شعبية حماس المؤسسة على الالتزام بالمقاومة والظفر بتأييد الغالبية في الضفة والقطاع المحتلين. ومع أن حماس لم ترفض الوثيقة وإنما تحفظت على البنود التي تنطوي على اعتراف ضمني بإسرائيل وإقرار تنازلات أوسلو، وطالبت بالحوار لتطويرها، إلا أن الرئيس، وبقرار أحادي وغير قانوني، أصر على عرضها لاستفتاء معد له مسبقا، مع علمه الأكيد بأنه بذلك إنما يصعد الصراع الذي فجره عقب فوز حماس بانتخابات المجلس التشريعي.

وحين يدفع الرئيس محمود عباس بالازمة نحو الانفجار بدلا من العمل على تعزيز الوحدة الوطنية، وتفعيل كل اشكال المقاومة لافشال حرب التجويع والتركيع الدولية والاقليمية ضد الشعب المحتلة ارضه والمصادرة حقوقه، فانه يدعو للتساؤل إن كان يستهدف ايجاد مبررات عزل حماس، واستعادة السلطة لاستكمال برنامج اوسلو، وعما إذا كانت محاولة استغلال الأسرى المعاد إنتاجها مؤشرا على أنه ومناصريه يقدمون تناقضهم مع القوى الملتزمة  بالمقاومة خيارا استراتيجيا على تناقض شعب الصمود والعطاء دون حساب مع التحالف الأمريكي- الصهيوني وتوابعه الدولية والإقليمية. ولو أن أحدا من تيار الحرص على المكاسب الذاتية التي تراكمت في سنوات أوسلو العجاف وأصحاب دكاكين الارتزاق بالتمويل الاجنبي درس تجربة شعبه لتبين أولا، الآثار الكارثية التي ترتبت على قبول وساطة نوري السعيد، ولتأكدوا ثانيا من أن الصهاينة لم يميزوا  بين من صنفوا "متطرفين" ومن اعتبروا "واقعيين" إذ استولوا على أملاك الذين رحبوا بمبادرة نوري السعيد حرصا على ما كان لهم من قصور وبيارات وعمارات.

ويتناسى ابو مازن ومناصروه أن ليس في تجارب الاستعمار الاستيطاني تجربة واحدة تم فيها التوصل لتسوية بالتنازلات المتبادلة فيما بين الغزاة وأصحاب الارض الشرعيين. غير أن لا واقعية دعاة التسوية العرب، ماضيا وحاضرا، تتجسد في تنكرهم لطبيعة الصراع وعجزهم عن استيعاب دروس تاريخه الممتد، وتجاهلهم أن التنازلات لا تزيد التحالف المضاد الا تشددا، وأن تصعيد المقاومة، وتعزيز الوحدة الوطنية الملتزمة بالثوابت، ما هو كفيل بالتحرير وفرض تنفيذ  القرارات الدولية، وفي تجربة جنوبي لبنان مع القرار 425 مثال حي.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع