فلسطينيو العراق أمام القتل أو التهجير...
سؤال عن الصمت تجاه الجريمة !
محمـد العبـد اللـه/ كاتب فلسطيني- 28/1/2006
في ظل صمت إعلامي مريب، تتواصل المجازر اليومية ضد اللاجئين
الفلسطينيين المقيمين على أرض العراق منذ أربعينيات القرن المنصرم. فقد
نقلت الأنباء في الأسابيع الأخيرة، معلومات خطيرة عن تصعيد واضح في
عمليات الاعتقال والقتل والارهاب، التي تقوم بها القوى العميلة والحاقدة
على شعب العراق العربي، وعلى أبناء الأمة العربية المتواجدين بين أهلهم
العراقيين. إن حملة المضايقات المنهجية التي يتعرض لها الفلسطينيون، بدأت
مع وصول قوات الغزو الهمجية إلى المدن العراقية ، التي وفرت البيئة
المناسبة لانفلات عصابات القتل المجرمة ، التي لم تفرق في عملياتها
الفاشية الدموية بين أبناء العراق في الفلوجة، سامراء، تلعفر، القائم،
العبيدي، بعقوبة ، الموصل _ فقائمة تعداد الأماكن تطول _ وبين سكان أحياء
البلديات، الحرية ، الشيخ عمر، السلام ، البتاوين، الزعفرانية والغزالية
التي تقطن فيها آلاف الأسر الفلسطينية ، هذه الأسر التي وصل القسم
الأساسي منها للعراق، مع الهزيمة العربية عام 1948.
إن قراءة موضوعية لتاريخ العلاقات بين الشعبين الشقيقين، ستسقط
الأكاذيب التي يستند عليها القتلة _ فالفلسطينيون حسب ادعائهم، حصلوا على
مكاسب عديدة من الحكومة العراقية السابقة، على حساب الشعب العراقي _ لكن
المشاعر القومية التي تمتلك عقول وقلوب العراقيين تجاه أبناء أمتهم، هي
التي احتضنت أبناء شعبنا الفلسطيني. فأبطال الجيش العراقي الذين تواجدوا
على أرض فلسطين، وبشكل محدد في مناطق جنين ونابلس، وقاتلوا ببسالة منقطعة
النظير، العصابات الصهيونية أثناء حرب 1948 ، قد عاشوا مع سكان المدن
والقرى التي قاومت التمدد اليهودي الاستعماري على أرضهم ، بتوحد كامل من
خلال تبادل المعلومات والمساعدات، وتقديم العتاد والمؤن ( من الجيش
العراقي ) للمقاومين في هذه القرى ، خاصة " إجزم ، جبع وعين غزال " إلاّ
أن تفوق قوى العدو، والخيانات الرسمية، قد أدى إلى سقوط المدن والقرى
واحدة تلو الأخرى. بعد مقاومة بطولية استشهد خلالها العشرات، تمكنت
قوات العدو من السيطرة على هذه القرى الثلاث في 21 – 23 تموز / يوليو
1948 بعد احتلالها لمدينة حيفا بثلاثة أشهر. ونظراً لانسحاب سكان هذه
القرى باتجاه مدينة جنين، مكان تواجد الجيش العراقي ، الذي كانت تربطه
بقيادة المقاومين فيها علاقات خاصة، فقد أصدر القصر الملكي في بغداد
أوامره للحكومة العراقية بضرورة تأمين الحماية لهم، واحضار العائلات
الفلسطينية التي لجأت لمنطقة جنين ، بسيارت الجيش العراقي العائد للعراق
، بعد الالتزام العربي باتفاقية الهدنة. ومنذ ذلك الوقت وحتى احتلال
بغداد، عاش الفلسطينيون في وسط مجتمعهم الجديد ، الذي وفر لهم فرصة
المشاركة الكاملة في الحياة السياسية/الاقتصادية /الاجتماعية.
مع دخول قوات الغزو للعراق ، وانتشار عصابات القتل الفاشية المنظمة،
التي دربتها ورعتها قوى التفتيت الوطني والديني، المرتبطة بالتحالف
الصهيو أمريكي، انطلقت غرائز الوحشية الكامنة لدى هذه المجاميع، لتصب نار
حقدها على كل ماهو عربي، ولهذا كان الفلسطينيون الهدف الدائم لهذه
المجازر، المتساوقة والمتناغمة مع المخطط الصهيوني. فقد عملت الأجهزة
الأمنية والعسكرية المنبثقة عن مؤسسات الحكم التي أنشأتها قوات الغزو ،
والمنضوية تحت مسميات متعددة " لواء الذئب، لواء الصقر ولواء الحسين "
وميليشيات قوات غدر، على تنفيذ عدة عمليات اجرامية في العديد من الأحياء
التي يقطنها الفلسطينيون في بغداد ومحيطها. إذ تعرض سكان أكبر هذه
التجمعات " البلديات " لهجمات واقتحامات عديدة، واطلاق نار عشوائي،
استهدف نوافذ البيوت وخزانات المياه _ أخطرها وأكثرها اتساعاً ، تصاعد
منذ ابريل / نيسان العام الفائت _ إضافة لعمليات اعتقالات واسعة ،
واغتيال مباشر رمياً بالرصاص ( الشهيد يوسف ابراهيم القاروط مدير مدرسة
النضال الشعبي ، الشهيد كامل أبو خليل ) أو الموت تحت التعذيب في أقبية
الموت الرهيبة " الشهيد زهير أحمد حسن " الذي أعتقل مع مجموعة من
اللاجئين الفلسطينيين في منطقة " النعيرية " . الأخبار التي تسربت من
العراق مؤخراً حملت معلومات مؤكة عن حملات دموية جديدة ضد الفلسطينيين .
ففي الأسابيع الأخيرة من عام 2005 تم اختطاف مواطن من عائلة " الطبوخي "
صاحب معمل لصناعة أجهزة تسخين الماء في منطقة الباب الشرقي، ويسكن في
منطقة الدورة ، وعثر على جثته في " الطب العدلي " .كما استشهد الشيخ "
أحمد غازي الشقيري" امام وخطيب أحد المساجد في منطقة العامرية، برصاص
قوات الاحتلال الأمريكية أول أيام عيد الأضحى المبارك ، قبل أسبوعين ،
بينما كان في زيارة للأهل ، كما أن شقيقي الشيخ الشهيد مازالا رهن
الاعتقال لدى قوات الغزو منذ أكثر من شهر. كما قامت عناصر من الداخلية في
الرابع عشر من الشهر الحالي باعتقال " سمير جميل " من محل عمله ، المختص
بالمواد الكهربائية والالكترونية في منطقة الباب الشرقي، ومازال مصيره
مجهولاً .في اليوم التالي اختطف " عادل عطية " من محل الحلاقة الذي يعمل
به منذ سنوات، والواقع في حي البلديات، على أيدي مجموعة مسلحة ترتدي
ملابس سوداء ودروعاً مضادة للرصاص ومسلحة بأسلحة خفيفة ومحمولة بسيارت
مدنية " أوبل ودايو " ، بعد أن أوسعته عناصر المجموعة ضرباً، ثم اقتادوه
إلى مكان مجهول ، ولم يعلم أحد بمصيره للآن.
وفي السادس عشر من هذا الشهر ، اختفى الشاب " محمد أحمد الحوراني " مع
سيارته ، ومازال أهله يبحثون عنه للآن .وقد ترافقت مع عمليات الخطف
والقتل ، اجراءات فاشية متعددة، منها : إلصاق منشورات على أبواب المحلات
التجارية التي يمتلكها الفلسطينييون، تتضمن دعوتهم لمغادرة العراق وإلا
ّّ تعرضوا للقتل أو الاعتقال. وبعد عدة أيام، تقتحم المحلات وتنهب
محتوياتها. إضافة لقيام السلطات العراقية بعدم تجديد إقامة اللاجئين
الفلسطينيين ممن انتهت صلاحية وثائقهم لأكثر من شهر واحد، وهذا ماأكدته
في شهر تشرين الثاني 2005 المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ، التي أكدت
تلقيها شكاوي عديدة تتهم " السلطات العراقية بأنها تسيء معاملة
الفلسطينيين، وأنها تمارس عليهم ضغوطاً عديدة لمغادرة البلاد ، وفي أحيان
أخرى يتعرضون لتهديدات شبه رسمية بالقتل أو التعذيب " وهذا ماعبرت عنه
أقلام بعض الحاقدين من " كتبة المارينز " في صحيفة "الصباح " الرسمية في
عددها الصادر في 7 / 6 / 2005 وهي تتناول مستقبل الوجود الفلسطيني
بالعراق ( *عدم معاملة الفلسطيني معاملة العراقي وبالتالي تشديد اجراءات
الاقامة عليه .* تهجير الفلسطينيين من العراق ) وهو مايظهر في فرض
أجواء الرعب المستمرة على العديد من العائلات الفلسطينية، من خلال مداهمة
مناطق سكنها، واطلاق الرصاص داخل بيوت أهل وأقارب المعتقلين لدى أجهزة
الداخلية والمليشيات .
في ظل هذه الاجراءات القمعية الفاشية التي خيمت على الوجود
الفلسطيني في شهر أيار وحزيران من العام الماضي، تحرك الفلسطينيون في
داخل العراق باتجاه بعض القيادات الروحية / السياسية ، بهدف دفعها لتمارس
ضغوطها على القوى المحركة لعمليات الاضطهاد الموجهة ضد اللاجئين
الفلسطينيين في العراق _لقاءات مع السيد مقتدى الصدر، مكتب المرجعية في
النجف _ التي أدانت هذه المجازر، مؤكدة على ضرورة الاسراع لوضع نهاية
لها. لكن نتائج اللقاءات مع _ هيئة علماء المسلمين، مكتب آية الله الحسني
البغدادي وتيارالإمام الخالصي _ كانت ذات دلالة واضحة ، وهو مالخصه الشيخ
حارث الضاري في مؤتمره الصحفي حينها " إن قوات منظمة بدر هي التي تقف
وراء عمليات اضطهاد وتعذيب وقتل اخواننا الفلسطينيين " مطالباً بضرورة "
فضح القوى المحركة لها ، والتصدي الفعال لها " .كما قامت السلطة
الفلسطينية وبعض القوى السياسية بالتحرك نحو العديد من المراكز الروحية
والسياسية المؤثرة ، للطلب اليها لتمارس دورها في وقف المجزرة، ووقف كل
عوامل التحريض والشحن الموجهة ضد الفسطينيين. إن جميع هذه التحركات،
مضافاً إليها النداء / البيان الذي وجهته في تلك الفترة ، عدة شخصيات
سياسية / ثقافية و لجان أهلية ، إلى المنظمات الاقليمية والدولية ، من
أجل حثها على التدخل لوقف الحملات المعادية / اللاإنسانية الهادفة لطرد
الفلسطينيين من العراق، التي أقاموا بها منذ عشرات السنين معززين مكرمين،
لم تحقق النتائج المرجوة. فتجديد عمليات الاعتقال والاختطاف مؤخراً ،
تتطلب من السلطة الفلسطينية " الحكومة الجديدة المُشكلة بعد الانتخابات "
أن تتعامل مع هذه القضية بمنتهى الجدية وبالسرعة القصوى، لأن كل يوم جديد
يحمل من العراق أنباء مرعبة عن وضع شعبنا. ولهذا لابد من مطالبة الهيئات
الدولية "المفوضية العليا لشؤون اللاجئين " بالعمل الفوري، عبر مندوبيها
للاشراف على وضع اللاجئين الفلسطينيين بالعراق ، والعمل على حل كل
مشكلاتهم ، حقهم بالوجود وتمتعهم بالأمان والحياة الكريمة من خلال العمل
على اطلاق سراح كل المعتقلين والمختطفين، ووقف كل الممارسات العدوانية
التي تمارسها مجموعات موتورة بهدف طردهم وتهجيريهم . إن وضع جامعة الدول
العربية أمام مسؤوليتها، في ضمان حق التواجد الفلسطيني / الإنساني في
العراق ـ طالما أن امكانية عودة اللاجئين إلى قراهم الفلسطينية التي
طردوا منها قسراً عام 1948غير متوفرة الآن ـ أصبح مهمة ملحة ، خاصة ، أن
الجامعة أصبحت لاعباً هاماً في قضايا الشأن العراقي الداخلي .
إن حركة سياسية / اعلامية نشطة ، تعمل من أجل كسر حاجز الصمت
المشبوه الذي يغطي عمليات ترويع واختطاف وقتل اللاجئين الفلسطينيين في
العراق ، أصبحت ضرورة وطنية بامتياز . فالجميع " قوى سياسية ، هيئات
أهلية ، منظمات حقوقية " مطالبة اليوم بالعمل لوقف المجزرة ، وتأمين
الحياة الآمنة لعشرات الآلاف من العائلات الفلسطينية.
|