الإرادة الوطنية والحوار
البناء
سوسن
البرغوتي
http://www.arabiancreativity.com/sb58.htm
طالما أن الثوابت الوطنية هي القاعدة التي ينطلق منها الشعب الفلسطينـي،
وبهدف تحقيق الإرادة الوطنية في التصدي للمحاولات المشبوهة في تنفيذ تسوية
مهينة تؤدي إلى الانزلاق نحو هاوية الاستعمار يشرذم قضيتنا ويعيدنا إلى
نقطة الصفر، يبقى الحوار الفلسطيني - الفلسطيني موضع اهتمام مختلف التيارات
الفكرية. وبما أن منظمة التحرير الفلسطينية هي المرجعية الدولية
والقانونية، فإن المطالبة بإصلاح كوادرها وتفعيل المظلة الأم، هي إحدى أهم
الرؤى المتمسكة بحق العودة والنضال حتى التحرير.
الحوار
مع منظمة التحرير الفلسطينية، كونها الممثل المعترف به دوليا ولدى عموم
الشعب الفلسطيني، لا يعني الموافقة على الطروحات التي يتقدم بها مسؤولون
رسـميون من كوادر المنظمة، بل إن هدف الحوار أن نتوصل إلى تكاتف علنـي منظم
نرفع من خلاله الصوت للمطالبة بالتمسك بالميثاق الوطنـي الفلسطينـي قبل
التعديل، بغية التوصل إلى إصلاح شامل داخل فعاليات المنظمة، كونها تحمل
المسؤولية في الدفاع عن الحق الفلسطيني وهو بإجماع المخلصين مطلب وطني.
والحوار
البناء يضمن هو توحيد الصفوف بالرغم من اختلاف الاتجاهات الفكرية
والسياسية، لا سيما أن الأوضاع الحالية تفرض المزيد من التبصر في خضم
الممارسات الصهيونية في انتهاك شعائرنا الدينية والمسجد الأقصى. كما ينبغي
أن لا نتغافل عن تداعيات الحرب المستمرة في العراق على أهلنا المقيمين
هناك، حيث يعانون بعضا من أبشع صور المعاملة ويرزحون تحت الحصار الجائر،
ويفتقدون لمن يطالب برفع الظلم عنهم، والذي يتعمدهم على وجه الخصوص كونهم
فلسطينيين غير مستحقين للحقوق المدنية القانونية.
كذلك من العوامل التي تحتم علينا الحرص على الحوار اتفاقيات التهدئة التي
تضر بمسيرة الكفاح الفلسطيني المسلح، وانتخابات عبثية بأمل الاستفادة من
انسحاب اسرائيلي من غزة، وربما كانت أسوأ المخاطر المتربصة بنا هو الأذى
الذي يلحق بقضيتنا أمام الرأي العام العربي والدولي الذي بدأ يعتبر أن
الدويلة المتشرذمة -المستقبلية دائما- هي تعويض لأبناء شعبنا في لجوئهم
وشتاتهم ومعاناتهم وما لحق بهم من ظلم وقهر واغتصاب وطن وحرية وحياة عزيزة
كريمة، واختصار فلسطين بغزة أولاً وأخيراً..
إن
رفض الحوار مع المنظمة برغم ما تمثله من المرجعية، يضر بالوسيلة المتاحة
للأصوات الفلسطينية في الشتات، خاصة وأن القوى الوطنية الحرة متفقة على
مبدأ رفض التعويض والتوطين الذي يلغي الهوية الفلسطينية ويضرب جذورها التي
ترجع إلى كل قرية ومدينة مغتصبة في فلسطين.
ونتيجة الأوضاع المتردية أمنياً واستمرار الثلة الفاسدة في التحكم بالقرار
الفلسطيني السياسي الرسمي عبر تقديم التنازلات المتتالية على حساب القضية،
بدأت الأصوات الوطنية تعلو وتفرض رفض التحالف بناءاً على موبقات وخطوط
حمراء. فإن استطاعت جميع القوى السياسية وفصائل المقاومة أن تفرض ضرورة
وحتمية التغيير، وأن تنقذ رمة الكيان الفلسطيني من الانهيار بعمل حر مستقل
مجرد من الأطماع السلطوية والمناصب، يتعلم الفلسطينيون منه درساً في أهمية
الاجتماع على هدف واحد رغم اختلاف التوجهات والرؤى السياسية. وما دولة
الصهاينة إلا أكبر دليل على هذا النهج في الاختلاف، لكن لا أحد منهم يطالب
بإنهاء الدولة العبرية، وإعادة الحقوق إلى شعب الأرض المغتصبة من البحر إلى
النهر، ومهما اختلفوا يجمعهم الإصرار على بقاء دولة عنصرية عسكرية، لا تملك
حق الوجود على أراضينا.
إن كان الجميع يتمسك بتلك الأسس، وبإعادة بناء صحيح بنبذ الخلافات الفرعية
حول تطبيق المسار السياسي للورقة الوطنية، فما الخلافات إلا شكلية ظاهرية،
لا تطال جوهر ما نسعى له من توحيد الكلمة نحو الإصلاح بترميم البيت
الفلسطيني مما لحقه من خراب نتيجة اتفاقيات أدت إلى تصدع في الجبهتين. أما
الدخول في متاهات التشكيك والاتهامات، فهذا يعيق الحركة الفلسطينية، ويدعو
إلى تعميد الرؤيا السمكية وبإتجاه واحد متشدد. وهذا الانعزال سيجعل من
الغضب بركاناً خامداً، لا يُوتي ثماراً مرجوة على المستوى الشعبي ولا على
مستوى الرأي العام العربي والعالمي.
عندما قاطعت الحركات الوطنية في مصر الاستفتاء على تعديل الدستور، ورفضت
التمديد، نزل الشعب إلى الشارع، ورفع شعارات تدعو لاستنكار قاطع وبصرامة.
ورغم التضحيات البشرية، والعنف والقمع في المعتقلات، بل تزايدت حركات المد
الشعبي للشارع المصري، مما يكفل استمرار تحدي الفساد. أما أن نستمر بإطلاق
الصواريخ الكلامية، فهذا لن يحرك ساكناً، إلا إذا انطلق من منبر مستقل مؤسس
يضمن استمرار رفع الصوت ويمثل معارضة وطنية واسعة.
فلماذا الصمت وقت وقوع الكارثة، والشجب والتنديد بعدها؟!.
عندما
قاطعنا الانتخابات الرئاسية، تُركت الساحة للحرس القديم الجديد يقدم
تنازلات إثر أخرى، واستلم زمام القرار من يفاوض "اسرائيل" للقبول بالفتات،
ولم تتوحد صفوف المقاومة والقوى الشعبية وتقاطع الانتخابات في ظل احتلال.
أقوى
فصيل فلسطيني يتورط بالدخول في انتخابات صورية، لن تغير من الواقع شيئاً
سوى تفكيك البنية التحتية للحركة، وبخنجر مسموم صُوب لصدرها بحجة المشاركة
في صنع القرار، والذي لن تغير حماس أي بند فيه لا يتفق مع الأوامر العليا،
ولكن خوض هذه التجربة اليائسة سيُضعف دعم الشارع العربي والفلسطيني لمقاومة
منحت عهد الوفاء الكثير من الدماء، وهذا ما يرمي له المخطط الصهيو- امريكي.
وكان الأجدر أن تحاور حماس القوى الوطنية المناهضة لخارطة تنزع صبغة
العروبة عن سائر الوطن العربي، أو حتى تتواصل مع الشخصيات الغربية المناهضة
للاحتلال وقمع الشعوب، لا أن تتحاور مع جهات رسمية موفدة من النظام
الامريكي، يسمح باختراقها، وهي أول المستهدفين بالقضاء عليه.
تتضاءل المطالب الفلسطينية بإنجاز تحرير غزة، هذا وإن حصل، كذرة رماد في
العيون، وعلى حساب كامل الأرض الفلسطينية في ظل سلطة أوسلو المهترئة. وبدأ
العد التنازلي لتعبيد "خارطة الطريق" يقسم الوطن العربي بين دول محتلة
وأخرى مختلة، وما زلنا نختلف على كيفية إعلاء الصوت وليس على الهدف، وننهال
باللكمات على من يشاركنا الدرب!.
الضغوطات
مستمرة لإعادة تشكيل دول المواجهة بما يتفق مع مصالح الاحتلال المباشر أو
إدارة شؤون الدولة بمدراء المشروع الامريكي، وما زلنا في أول خطوات تجميع
الخيوط للبدء بإنطلاقة مؤجلة!.
|