عندما نمتلك الإرادة السياسية
بقلم الأستاذ أ / نور الدين
حسن محمد أبوعاصي
***********************************
ما أجمل أن تنكسر عقيدة
الاستيطان الصهيونية وتتحطم الأيديولوجية القائلة بإسرائيل الكبرى من البحر
إلى النهر على صخرة صمود إرادة شعبنا الفلسطيني ونتيجة حتمية لتلك الإرادة
الجبارة التي لا ولن تضعف أو تلين ما دامت في هذا الشعب الحيوي المعطاء
امرأة فلسطينية تلد .
منذ بداية الصراع العربي
الإسرائيلي كان ولا يزال هذا الصراع بإذن الله حتى النصر والتحرير صراعا
بين إرادتين : إرادة ظالمة متغطرسة يتم فيها قتل الشعب الفلسطيني وذبحه
وتجويعه ومحاولات تذويبه وطمس هويته ومعالم قضيته على مسمع ومرأى من العالم
بأسره والعالم صامت لا يلقي بالا للعدوان وللمذابح التي يتعرض لها شعبنا
الفلسطيني ليثبت هذا العالم من جديد كما أثبت من قبل أن دماء الفلسطيني
رخيص ولا تعنيه وأن تظاهرة بسبب قتل حيوان على الطريق في أوروبا أو أمريكا
أو أستراليا أهم بكثير من دماء أطفال فلسطين وأن عذاب تلك الحيوانات التي
أضحى لها مشروعات ومؤسسات للدفاع عنها أمست أعظم من عذابات أمهات فلسطين .
إرادة القهر والقمع والاحتلال والهدم والمصادرة والقتل والتشريد والتجويع
من جهة وإرادة تملك العزيمة بأعظم معانيها وتجلياتها على النصر والتحرير
والعيش بأمن وسلام .
لم تستطع تلك الإرادة
الظالمة أن تصمد أمام إرادة شعب يصبو نحو الحرية والاستقلال رغم أنها تملك
أعظم ترسانات العلم والتكنولوجيا تسلحا بأسلحة الدمار الشامل .
تماما وكما فشلت أمريكا
فشلا ذريعا في هيمنتها على الشعوب تحت ذرائع وهمية في مكافحة الإرهاب بهدف
السيطرة على مقدرات شعوب العالم العربي والإسلامي ونهب ثرواته وخيراته وكسر
إرادة الأمة المقاومة لمشاريع التجزئة والتفتيت وإخضاع الشعب العربي
والإسلامي لنظام العولمة الجديد وفرض سياسة القطب الواحد و تصفية القضية
الفلسطينية .
فعندما نجح العراق الشقيق
الأبي نجاحا ملفتا بتشكيل مشروعه القومي المعبر عن سيادته وحريته في
انطلاقته العلمية وبإمكانياته الخاصة قبل العدوان عليه تكالب عليه أعداء
البشرية لتقويض هذا الانتصار الباهر للعقل العربي .
إن الإرادة السياسية التي
يتحلى ويعتز بها شعبنا تشكل في مضامينها وعمق معانيها أعظم وأكبر مخزون
استراتيجي في مسيرة نضاله الشاقة والمريرة والتي تفوق بفعالياتها
وتأثيراتها مخزون أسلحة الدمار الشامل فمهما وصلوا في فن التكنولوجيا ومهما
تفننوا في اختراع الموت والدمار لإركاع الشعوب ومحاولات إذلالها فإرادة
الشعوب المضطهدة والمقهورة والتي سلبت منها دول الشر الأمن والاستقلال لا
يمكن أن يتم قهرها مهما كان حجم العدو الذي تقاتله ومهما كانت إمكانياته
البشرية والمالية والتكنولوجية .
إن هذه الإرادة الفلسطينية
والتي بدأت بالخنجر والحجر ثم تطورت إلى أسلحة بدائية بسيطة ومن صنع محلي
هذه الإرادة فاجأت الإسرائيليين بتطوير قدراتها القتالية وأرغمتهم على
تغيير إستراتيجيتهم ورؤيتهم للصراع إرادة أصبحت تملك صواريخا تطورها كل
يوم تضرب بها المستوطنات وتقتل الغاصبين وتنسف الدبابات وتدمرها وتفجر
الأنفاق تحت المواقع والثكنات وهي التي قتلت الجنود الإسرائيليين في
ثكناتهم العسكرية المحصنة وهي التي واجهت سياسة الأرض المحروقة التي
اتبعتها شارون في عدوانه على الشعب الفلسطيني لتفشلها من جديد كما أفشلت من
قبل كافة مخططاته وعلمت الإسرائيليين درسا أن احتلال أرض الفلسطينيين ليس
بالأمر اليسير . فالإرادة الفلسطينية هي التي دشنت وشقت هذا الطريق الصعب
في الجهاد والتحرير . وهي التي سوف ينبثق عنها بإذن الله إستراتيجية جديدة
وموحدة لمواجهة الأهداف والمخاطر الإسرائيلية ولحماية الشعب الفلسطيني من
كل عدوان عليه . وإن هذه الإرادة سوف تواجه مخططات شارون في دعواته أنه ليس
هناك شريك فلسطيني وفي فرض سياسة الأمر الواقع التي تفرضها وتضغط بها
أمريكا .
إن توحيد الإرادة السياسية
أمر حتمي بقدر ما هو ضروري وحيوي لمصلحة النضال الفلسطيني على صعيد نزع
السلاح الفلسطيني التي أثبتت التجارب المريرة في تاريخ نضال شعبنا أن نزع
السلاح فيه مهانة وإذلال للشعب الفلسطيني فيما هو قادم من مؤامرات ومخططات
. كذلك يجب أن تتجلى الإرادة السياسية بوضوح فيما يتعلق بترتيب البيت
الفلسطيني وبتفعيل منظمة التحرير وبتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين
الفلسطينيين أنفسهم وفي معالجة جميع ملفات وقضايا الفساد لنعيد للمواطن
الثقة والأمل . فلإرادة السياسية هي التي تعالج كافة أوضاع الشعب الفلسطيني
من أمن المواطن الغذائي على رغيف الخبز إلى أمنه السياسي على أرض وطنه
مرورا بأوضاع الصحة والتعليم والأمن الاجتماعي والرفاه ودفع كل الإستحقاقت
المطلوبة .
إن الإرادة التي قدمت عشرات
ألوف الشهداء ومئات ألوف الجرحى وقدمت المئات من قادتها قرابينا على مذابح
الحرية وتصدت لكل المؤامرات التي ينسج خيوطها الأعداء المتآمرين ستظل قادرة
على استكمال الطريق الشاق الذي ينتظرها فالتنظيمات ستظل حية بل ستظل قادرة
على التطوير والمناورة والتكتيك
لقد اقتنع الشعب الفلسطيني
وازداد صلابة في تجربة السنوات العشر من عمر السلطة الوطنية الفلسطينية أنه
لا جدوى من أي اتفاقية مع الإسرائيليين وأن الإسرائيليين لا يحترمون اتفاقا
كما صرح بذلك الأخ أبو علاء قريع رئيس الوزراء في مكتب خالد الفاهوم رئيس
المجلس الوطني الفلسطيني مع ممثلين للقوى والفصائل الفلسطينية في زيارته
الأخيرة لدمشق . فقضية الاستيطان الذي ابتلع نصف الضفة الغربية وقضية القدس
الشريف والسور اللا واقي وقضية اللاجئين وقضايا المياه والحدود وغيرها من
القضايا الشائكة لا يمكن حلها إلا من خلال إستراتيجية جديدة تنم عن إرادة
سياسية موحدة تعلو هامات المجتمعين في غرف وكواليس المفاوضات .
لأول مرة في تاريخ صراعنا مع
العدو الإسرائيلي يندحر المشروع الاستيطاني التوسعي عن أرض غزة كما اندحر
من قبل عن أرض لبنان بفعل الإرادة السياسية الموحدة ومساندة السلطة
اللبنانية لها .
لقد صرح شارون قبل حوالي
عامين أنه لا فرق بين مستوطنة نتساريم وتل أبيب وهو اليوم يتراجع أمام
الإرادة السياسية الفلسطينية في مشروعه الاستيطاني الذي بدأت تلك الإرادة
بدك معالمه وأوتاده في قطاع غزة وهو الذي صرّح من قبل في حملته الانتخابية
أنه سوف يقضي على الانتفاضة خلال مائة يوم نراه اليوم يخرج مدحورا من أرض
القطاع الطاهرة المعطرة برائحة دماء الشهداء الزكية وسيخرج بإذن الله من
باقي أرض فلسطين المقدسة مهد الأنبياء ومهبط الديانات .
إن المؤامرة على شعبنا
الفلسطيني كبيرة ومتشابكة الخيوط ومتعددة المداخل وهي ليست محصورة على تراب
الوطن المسلوب فإستراتيجية التسلط و الهيمنة التي تمارسها أمريكا تعتبر
إسرائيل ذراعها الضارب في المنطقة وقاعتها العسكرية الأولى . فإسرائيل وراء
الصراع في السودان وهي وراء ما يحدث الآن في لبنان وما وقع في العراق
لتمزيق العالم العربي إلى كيانات طائفية وعرقية وهي وراء القلائل التي وقعت
سابقا بين اليمن والسعودية وبين الكويت والعراق وبين سوريا والعراق في عصر
صدام حسين وحافظ الأسد وهي وراء الأحداث في الجزائر ولا أقول ذلك من باب
تعليق الأخطاء على شماعة إسرائيل فقد صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي : إن
إسرائيل تستعد لمواجهة الخطر الإيراني بالمحافظة على قدراتنا الجوية وإن
عملية انهيار النظام في إيران ستبدأ من الداخل وخلال عشر سنوات سنكون في
خضم عملية تقود نحو نظام إيراني مؤيد للغرب وإن حزب الله سيختفي بعد عشر
سنوات . انتهى كلامه
وأمريكا هي التي تقدم الغطاء
السياسي والعسكري والمالي لإسرائيل في حربها ضد الأمة العربية سنة 1956
وسنة 1967 وسنة 1973 وفي حروبها السابقة على لبنان وفي هجماتها المتكررة
على الفلسطينيين و في معركة أمريكا ضد إيران سوف يكون الجيش الإسرائيلي هو
الأداة الأساسية فيها كما هو الآن الأداة الأساسية في العراق وقد صرّح
مناحيم بيغن من قبل : إن إسرائيل هي أرخص قاعدة حربية للولايات المتحدة
الأمريكية كما تعهدت الولايات المتحدة الأمريكية ببناء خمسة قواعد عسكرية
أمريكية بين الضفة الغربية وإسرائيل وفي النقب وعلى الحدود اللبنانية من
أكبرها قاعدة نخشونيم بين رام الله واللد على مساحة أرض تعادل نصف مدينة تل
أبيب في منطقة روش هعين وذلك نتيجة اتفاقية أبرمت سنة 1998 في واي ريفر
التي وقعها بنيامين نتنياهو مع المرحوم ياسر عرفات ، وهذا هو الرئيس
الباكستاني برويز مشرف يلبي دعوة المؤتمر اليهودي الأمريكي لشرح سياسته في
17 أيلول ( سبتمبر ) وإسرائيل تشرع الآن ببناء مستوطنة ضخمة في الهند وهي
وراء تسليح وإعداد وإنشاء جيش الرب المسيحي في أفريقيا الذي أباد في جنح
الليل قرى مسلمة بأكملها في أوغدا وكينيا كما أن إسرائيل وراء محاولات
انشقاق القوى المسيحية في اندونيسيا بكامل أقاليمها وتعمل أذرعة الأمن
الإسرائيلية بصمت في بلاد الشيشان ضد المسلمين وقد صرّح قادة إسرائيل مرارا
أن مصلحة إسرائيل الحيوية تكمن وراء التعاون والتقارب الإسرائيلي التركي
كما ساعد جهاز استخباراتها في عملية خطف أوجلان .
الخطر جسيم والتحدي كبير
والمؤامرات ضدنا أشد خطرا ولا بد من توحيد الإرادة الفلسطينية ومن
إستراتيجية جديدة يجتمع عليها كل الأطراف لمواجهة المرحلة القادمة .
إن الأمر جد خطير وليس الأمر
تهويلا ولا فذلكة كلامية فإسرائيل زرعها العالم لتكون خلية سرطانية في جسم
الأمة العربية .
|