الإنتخابات: مطالبة فلسطينية معلقة بالهواء

رجب ابو سرية

يتواتر الحديث عن الانتخابات العامة الفلسطينية، في الآونة الأخيرة، ويتسارع لدرجة الاعلان عن تشكيل لجان الناخبين التي بدأت فعلاً في دعوة المواطنين لتسجيل أسمائهم في قوائهما بدءاً من الشهر المقبل. ويكاد الحديث عن الانتخابات هذه يكاد يكون واحداً من القضايا التي يلتقي عندها الفرقاء السياسيون، من حيث التوافق على الدعوة الى عقدها.. الآن.. الآن، وليس غداً.


رغم ذلك فإنه يكاد يجمع الجميع أيضاً على أن هذه الانتخابات لن تعقد، وأن الحديث عنها لا يتجاوز كونه جملة لغوية، أو مطلباً من المطالب العديدة والكثيرة التي طالما نادى وطالب بها الفلسطينيون دونما استجابة، لكن سرّ التوافق الداخلي حول هذه المطالبة الآن، هو أن الإجابة عليها ليست مرهونة بالمستوى التنفيذي الفلسطيني، كما هو حال المطالبات الأخرى، بل ولمزيدٍ من المفارقة التي تساعد على فهم لماذا يجمع الكل على المطالبة بالانتخابات الآن، هو أن المستوى التنفيذي الفلسطيني يكاد يتجاوز في حماسه المفاجئ لها أوساط المعارضة وقوى المجتمع المدني الديمقراطي ذاتها.
والحقيقة أن المطالبة بعقد الانتخابات العامة (الرئاسية والتشريعية) تعتبر على قدر من الوجاهة لأكثر من اعتبار، لعل في مقدمتها بالطبع أنها جاءت قبل حوالي عامين كرد سياسي على الموقف الاسرائيلي الذي تبعه موقف أميركي مماثل، لا يعتبر القيادة الفلسطينية أهلاً للتفاوض، ضارباً بذلك عرض الحائط البديهة الديمقراطية التي تقول بحق الشعب الفلسطيني أن ينتخب قيادته وأن من واجبه على المجتمع الدولي أن يعترف له أولاً بهذا الحق، وثانياً بنتيجة اختياره.


وما زالت القيادة الفلسطينية تمسك على احدى أوراق قوتها في مواجهة التجاهل الأميركي والرفض الاسرائيلي للجلوس على طاولة التفاوض، وهو كونها قيادة منتخبة. وتزيد على ذلك بتحدّي الأميركيين والاسرائيليين باجراء انتخابات جديدة، تحت إشرافٍ دولي، حتى تكون عادلة ونزيهة، ولتكشف من جانب آخر زيف الادعاء الاسرائيلي والاميركي بالدعوة الى دمقرطة المنطقة، وسعيهما الى سلامٍ تقرِّه الشعوب.


ما يزيد من ترجيحنا أن المطالبة الفلسطينية باجراء الانتخابات إنما تدخل ضمن الدائرة السياسية كجملة إعتراضية على السياسة الاسرائيلية الاميركية، في سياق الصراع السياسي حول كيفية معالجة الملف الفلسطيني، هو أن المستوى التنفيذي نفسه، كما هو حال المستوى الشعبي والمعارض يدرك بأن اجراء الانتخابات في المناطق الفلسطينية التي ما زالت محتلة، لا يتم فقط لمجرد اتخاذ القرار في القيادة الفلسطينية، بل هو بحاجة الى دعاية دولية، كما جرى الحال في مطلع العام 96.


بالطبع ما يعزز المطالبة الرسمية باجراء الانتخابات الفلسطينية العامة، هو أنها في الوقت ذاته تمثل مطالبة شعبية وديمقراطية، ذلك أن الانتخابات السابقة جرت في إطار اتفاقات أوسلو، وكإجراء تنفيذي لبعض بنودها، وكانت مرتبطة بالمرحلة الانتقالية التي كان من المفترض والمتفق عليه أن تنتهي في أيار 99 وبذلك فإن استمرار نتائجها أكثر من خمس سنوات أخرى، يضع دائرة تساؤل كبيرة حولها، ويطرح منطق ضرورة إجراء دورة أخرى.
كذلك من شأن عقدها ان يمثل تحقيق بعدٍ ديمقراطي مطلوب، من خلال المراجعة السياسية التي ترافقها، ومن خلال أهمية وضرورة الاحتكام الى الشعب ليقوم بتجديد ممثليه السياسيين، بعد تحقيق المساءلة والمحاسبة على ما تحقق نتيجة منحه الثقة في الدورة السابقة. وأن تعمق وحدة الشعب الداخلية باغلاق العديد من منافذ الشقاق والتباين والاختلاف حول العديد من الموضوعات السياسية والداخلية، ولعل من ضمنها شغل العديد من المقاعد البرلمانية التي شغرت بفعل وفاة أو استقالة أو اعتقال أصحابها.


لكن هذه الرعاية الدولية اللازمة لعقد الانتخابات الفلسطينية، تحتاج الى قرارٍ دولي صريح باجرائها، حيث تمثل هذه الموافقة عقدة المنشار الآن، فيما تمثل المطالبة الفلسطينية باجرائها أداة الضغط على المجتمع الدولي، غير الأميركي على وجه الخصوص، ليقوم بمسؤولياته وواجبه الكوني تجاه هذه المنطقة من العالم.


اما التجاوز الفلسطيني لحدود مجرد المطالبة بعقد الانتخابات الى الدخول في آليات والترتيبات اللازمة لاجرائها، فإنما يخلق جواً ضاغطاً على المجتمع الدولي حتى يضطر في النهاية الى الاجابة على سؤالها الذي ما زال معلقاً في الهواء، منذ مرّ يوم الثالث عشر من أيار 99، تم التحديد حتى آخر ذلك العام، الذي منحته السلطة الفلسطينية للمجتمع الدولي والراعي الاميركي في حينه (الرئيس كلينتون)، حتى ينقذ سقف الجدول الزمني لاتفاقات أوسلو، الذي انفتح بعد ذلك، بعد أن فشلت كامب ديفيد في التوصل الى الحل النهائي.


مع ذلك، وحتى لا يكون كل الحق على الطليان، ومع الإقرار بدرجة التشابك الحاسمة بين الوضع السياسي الفلسطيني ووضعه الداخلي، لا بد من القول إن مطلب الديمقراطية، يمثل ويشكل أولاً وقبل كل شيء مطلباً مجتمعياً وحاجة داخلية فلسطينية صرفة. وهو بذلك يتجاوز كونه جملة تقال في سياق المناكفة السياسية مع العدد الاسرائيلي والخصم الاميركي.


فالسلطة الفلسطينية ومنذ العام 94، لم تقدم على إجراء الانتخابات المحلية، وهي انتخابات ممكنة التحقيق بالقرار الفلسطيني، وكان إجراؤها ينطوي على قدرٍ من الأهمية، لكن السلطة تهربت من اجرائها ربما خوفاً أن تسفر نتائجها عن سلطة محلية معارضة للسلطة المركزية، أو موازية لها بالمعنى الداخلي، كما حدث قبل سنوات في الجزائر، وقد كان هذا خطأ فادحاً لأنه كان يمكن للسلطات المحلية أن تشكل إطاراً واقعياً للمجتمع المحلي واحتياطياً وطنياً للسلطة المركزية، التي تعرضت لاحقاً للتدمير المنهجي الاسرائيلي، وأن يقلل وجودها من حالة الفوضى الحالية.


وحتى أنه الآن يمكن إجراء بعض الانتخابات الديمقراطية الضرورية واللازمة والواجبة في الوقت ذاته، وذلك في حقول ومضامير الاتحادات الشعبية التي لم تعقد انتخاباتها العامة في معظمها الغالب، منذ تشكلت السلطة، كذلك في صفوف الأحزاب والفصائل والتنظيمات، وفي بعض السلطات المحلية التي أكل الدهر وشرب على بعض قيادييها ومسؤوليها، وحتى في بعض الدوائر الانتخابية التي شغرت حتى قبل أيلول العام 2001.


وحتى يكون بمقدورنا أن نقنع الآخرين بجدية خيارنا الديمقراطي، وتوجهنا الحقيقي بالاستناد الى الانتخابات كآلية وتقليد لصياغة تجمعاتنا المحلية، لا بد أن نقنع أنفسنا أولاً بمثل هذا التحوّل، حين نبدأ نرى من حولنا المؤتمرات الانتخابية تنعقد في مقار الاتحادات الشعبية ومراكز الأحزاب والتنظيمات والمجالس البلدية، لتتحول الى تقليد والى مناسبة لاجراء الحوار الوطني المفتوح والشامل في كل حي وقرية ومخيم ومدينة ربما يمكنه أن يدفع بطاقة التجديد والحيوية والاستعداد للعمل في كل أوصال الشعب التي أصابها الملل والخمول، بعد أن استغنت النخب عن مشاركة الجموع في كل المجالات، وذهبت لتحارب طواحين الهواء وحدها.

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع