انتخابات الضفة الغربية وغزة

 

د. عبد الستار قاسم 

 

صحيفة الخليج الإماراتية 13/9/2004

 

تعطي وسائل الإعلام من خلال تغطيتها لمسألة تسجيل الناخبين الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة انطباعاً بأن الانتخابات قريبة. هذا انطباع غير دقيق ويحتاج إلى الكثير من التمحيص والتدقيق بخاصة أن التغني بالديمقراطية على شاشات التلفاز لا يكفي لبناء نتائج حول التطورات السياسية الداخلية على الساحة الفلسطينية. هناك لجنة انتخابات مركزية تم تعيينها من قبل رئيس السلطة الفلسطينية أعلنت عن برنامج لتسجيل الناخبين في الضفة الغربية وغزة، ووظفت الطواقم الكافية في مختلف محافظات السلطة الفلسطينية، وأقامت مراكز عديدة للتسجيل، وطلبت من المواطنين التوجه إلى هذه المراكز مصطحبين أوراقهم الثبوتية لتسجيل أسمائهم. لكن هذا لا يعني أن الانتخابات وشيكة.

 

يتم الحديث عن نوعين من الانتخابات: المحلية والسياسية، ولكل منهما لجنتها الخاصة. اللجنة القائمة على تسجيل الناخبين هي السياسية التي ستدير انتخابات رئيس السلطة والمجلس الفلسطيني المعروف خطأ بالمجلس التشريعي. سيكون التسجيل صالحاً لكلا النوعين. لكن المهم أن الحديث عن الانتخابات قد مضت عليه سنوات. بدأت المطالبة بإجراء انتخابات محلية عام 1996 من دون أن يستجيب رئيس السلطة الفلسطينية الذي يخشى فوز الحركة الإسلامية. إنه يكثر من الحديث عن الديمقراطية أمام وسائل الإعلام ويعد بأن الانتخابات آتية قريباً، لكنه يماطل كثيراً ولا يكترث عملياً بالدعوات المتكررة لترسيخ مبادئه النظرية.

 

أما الانتخابات السياسية فقد حلّ موعدها عام 1999. انتهت فترة انتداب رئيس السلطة والمجلس التشريعي ولم تعد هناك شرعية قانونية على الساحة الفلسطينية. جرت مطالبات كثيرة بإجراء الانتخابات، لكن رئيس السلطة مدد لنفسه وللمجلس التشريعي. وإزاء الضغط الأمريكي خلال هذه الانتفاضة، اضطر أن يستجيب شكلياً فأصدر مرسوماً بتشكيل لجنة للانتخابات المركزية. تشجع الأوروبيون لفكرة الديمقراطية الفلسطينية ورصدوا الأموال لتغطية تكاليف إجراء الانتخابات.

 

مرت فترة طويلة من دون أن يظهر احتمال قوي لإجراء الانتخابات، وأصاب الملل أعضاء اللجنة المركزية. ويبدو أن نتيجة ذلك أن شجع الأوروبيون الفلسطينيين على صرف الأموال تحضيراً للانتخابات، وأن اللجنة المركزية دب فيها الحماس لإنجاز شيء ما مما تمخض عن فكرة تسجيل الناخبين.

 

يكرر رئيس السلطة الفلسطينية تأكيده على أن الانتخابات القادمة ستكون ديمقراطية ونزيهة، وستكون مثالاً صارخاً على قدرة الفلسطينيين على مواكبة العصر. لكن هذا التأكيد لم يجد صدى عملياً حتى الآن، وتشير الوقائع إلى أن أغلب الخطوات التي تمت حتى الآن نحو الانتخابات غير ديمقراطية. قام رئيس السلطة الفلسطينية بتشكيل اللجنة المركزية للانتخابات من دون استشارة أي جهة على الساحة الفلسطينية سواء على المستوى الحزبي أو الشخصي. ينص القانون الفلسطيني على أن رئيس السلطة الفلسطينية هو الذي يقوم بتشكيل اللجنة المركزية للانتخابات وإعلان أسماء أعضائها، وهو قانون غير منصف وغير ديمقراطي لأنه يضع قوة بيد شخص قد يقرر خوض الانتخابات. (لو) توفرت نيات حقيقية نحو ترسيخ الديمقراطية، لاستطاع عرفات تنفيذ القانون بصورة ديمقراطية من خلال تشكيل لجنة محايدة أو لجنة من الفصائل الفلسطينية المختلفة لتوصي بأعضاء اللجنة المركزية، ومن ثم يقوم هو بالمصادقة عليها. لقد استأثر بالتشكيل وأعلنه رغم أنف الجميع.

 

أعضاء اللجنة المركزية للانتخابات هم من كبار المثقفين في الضفة الغربية وغزة، ويتمتعون في الغالب بجدل ديمقراطي يؤمن بحرية الإنسان وقدرته على الاختيار. لكنهم جميعاً قبلوا التعيين في العضوية من دون أن يتساءلوا عن مشاركة القوى والأشخاص المعنيين في الانتخابات في تعيينهم. تقدمت أنا شخصياً باحتجاجات رسمية وإعلامية حول التشكيل بصفتي راغباً بالترشح لرئاسة السلطة فيما إذا جرت انتخابات، لكن أحداً لم يكترث.

 

من المفروض أن تكتسب اللجنة المركزية للانتخابات استقلالية بمجرد تشكيلها، لتبعد نفسها عن شبهات التحيز لمصلحة هذا المرشح أو ذاك، لكنها حتى الآن لا تخطو خطوة واحدة إلا بعد التنسيق مع رئيس السلطة الفلسطينية. ولهذا تكاثر الذين ينظرون عن بعد ويتشككون برغبة هذه اللجنة بإجراء انتخابات ديمقراطية حقيقية.

 

تبرز قضية التشكك في نوايا اللجنة بصورة كبيرة في عملية تسجيل الناخبين الجارية حالياً. طلبت اللجنة ممن يحق لهم الانتخاب التوجه إلى مراكز تسجيل الناخبين المنتشرة بكثافة في الضفة الغربية وغزة. واجهت اللجنة احتجاجات على هذا الإجراء من حيث أن الناس غارقون في هموم كثيرة ومن المحتمل أن يكون إقبالهم على التسجيل ضعيفاً. فضلاً عن أن الموسم ليس موسم انتخابات الذي يعطي عادة قوة دافعة للجمهور للمشاركة. طلب المحتجون أن يقوم مندوبو اللجنة بتسجيل أسماء الناخبين في بيوتهم كما حصل في انتخابات عام 1996، أو أن يتم اعتماد السجل المدني مع الأخذ بعين الاعتبار الحالات الخاصة التي لا يشملها السجل.

 

رفضت اللجنة المركزية الاحتجاجات حتى الآن قائلة إنها تقوم بحملة إعلامية واسعة لتشجيع الناس على التسجيل. وتضيف إن السجل المدني غير دقيق وغير صالح، لأن هناك فئات من الشعب الفلسطيني لا تدخل ضمن السجل لأسباب متعددة، علما بأن السجل المدني دقيق لأن الاتفاقيات مع "إسرائيل" تجبر السلطة على تقديم معلومات مدنية دقيقة. أما بالنسبة للمواطنين الذين لا يحملون الهوية الفلسطينية المعترف بها "إسرائيلياً" فيمكن التعامل معهم وفق ترتيب خاص.

 

التشكيك بالإجراء المعلن ينبع من أن السلطة الفلسطينية القائمة حالياً ستطلب من العاملين معها في المؤسسات المختلفة والأجهزة الأمنية التسجيل للانتخابات مما سيعزز فرص عرفات بالفوز في حال جرت انتخابات. تملك السلطة الفلسطينية الوسائل المادية المختلفة لدفع جمهورها نحو التسجيل، بينما لا تملك الجهات الأخرى المعنية بالانتخابات ذات الوسائل. فأين الديمقراطية في مثل هذا الإجراء؟

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع