انتخابات برسم التأجيل ...!!
علي الخليلي
كان من المتوقع قبل عدة أشهر، ألا تجرى الانتخابات التشريعية الفلسطينية في
موعدها الذي سبق أن حدد لها في 17 يوليو/تموز المقبل. وكان هذا التوقع الذي
يزداد إلحاحاً، أسبوعاً بعد أسبوع (مقالات صحافية، ومقابلات مع مسؤولين،
وندوات ومحاضرات.. الخ) يقوم على تحليل سلسلة من الأسباب القانونية
والسياسية والفصائلية التي تحتم التأجيل، حتى وصل قبل بضعة أسابيع فقط، إلى
الحسم تقريباً في هذه المسألة. وكان الرئيس محمود عباس يصر على التخفيف من
هذا التوقع، أو على رفضه مباشرة، والتأكيد من جانبه بالمقابل، على أن هذه
الانتخابات ستجرى في موعدها المحدد. وقد واصل الرئيس عباس موقفه على هذا
الإصرار، حتى اضطر قبل أيام قليلة، إلى القبول بالتأجيل، فأصدر مرسوماً
رئاسياً به، دون تحديد أي موعد جديد.
لماذا كان الرئيس عباس مع الموعد المحدد للانتخابات في حين كانت كل
التوقعات تقول بعكس ذلك؟ ولماذا توافق أخيراً مع التوقعات، فأصبح التأجيل
رسمياً؟ وماذا أفاد (أو لم يفد) الموقف الرئاسي في البداية؟ وكيف له أن
يؤثر الآن على مجرى الأحداث؟ وهل كان هذا الموقف تكتيكياً في الأساس، لينضج
قبول الرأي العام بالتأجيل؟ أم أنه تم بكل أحواله، تحت ضغوط عديدة ومتنوعة
في مصادرها؟
لا تبدو كل هذه الأسئلة والردود عليها، ذات أهمية كبيرة، مقابل السؤال
الأهم، وهو:
متى سوف تجرى الانتخابات التشريعية؟ أو هل ستجرى هذه الانتخابات فعلاً؟
على المدى المنظور، ثمة شكوك في إجرائها وتتأسس هذه الشكوك على حركة
الأحداث وتفاصيل تشعباتها المتوقعة على مدار الأشهر القليلة المقبلة. ففي
منتصف أغسطس/آب المقبل من المفترض أن تنسحب “إسرائيل” (انسحاباً أحادي
الجانب، دون تنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية) من قطاع غزة وأربع
مستوطنات صغيرة ومعزولة في الضفة الغربية، ماذا سيكون في اليوم الذي يلي
هذا الانسحاب...؟!وماذا سيكون أصلاً،في يومالانسحاب نفسه...؟!
هل ستلاحق صواريخ القسام القوات “الإسرائيلية” المنسحبة ...؟! أم أن حماس
والجهاد الإسلامي وكتائب الأقصى ستلتزم بالتهدئة التي لا تبدو في هذه
الأيام إلا مجرد وهم، فالاعتداءات “الإسرائيلية” المكثفة (اغتيالات،
واجتياحات، واعتقالات، وتجريف أراض، وهدم منازل، وتوسيع وتكثيف الاستيطان
والجدار..) لم تتوقف في أي يوم، والمقاومة الفلسطينية في مواجهتها (صواريخ
وعبوات ناسفة وإطلاق رصاص على دوريات...) مستمرة بهذا الشكل أو ذاك، وإن لم
يكن هذا الاستمرار متكاملاً ومتماسكاً على مدار كل يوم .؟!
“إسرائيل” من جانبها (مسؤولون سياسيون وعسكريون وكتاب تعليقات سياسية
وعسكرية) تتحدث منذ الآن عن “انتفاضة ثالثة” سوف تندلع في الضفة الغربية،
فور تنفيذ الانسحاب، ولعلها ترغب بهذه “الانتفاضة” التي تظن أنها ستكون
مثقلة بالفوضى والفلتان الأمني، وبما يضمن لها “لإسرائيل” أن تكرس احتلالها
التام للضفة الغربية، وأن تعمل في الوقت نفسه، على تحويل قطاع غزة إلى سجن
كبير مخنوق بالحصار والخراب من كل جانب.
السلطة الوطنية الفلسطينية بالمقابل تهجس هي الأخرى بهذه الانتفاضة، وفق
رؤية مغايرة بطبيعة الحال، عن رؤية “إسرائيل”، ولعلها تحت ثقل هذا الهاجس
رأت أن تأجيل الانتخابات التشريعية ضروري ومحتوم، لتكون هذه الانتخابات،
بعد الانسحاب “الإسرائيلي”، على الأقل، وليس قبله. إلى أي مدى في التوقيت،
ستكون بعد هذا الانسحاب ليس من الواضح حتى الآن هذا المدى، وهو ما جعل
التأجيل إلى أجل غير مسمى، وفي سياق هذا الأجل غير المسمى، تنبع
الشكوك فيما إذا كانت هذه الانتخابات ستجرى في أي وقت ...؟! أم أنها لن
تجرى أبدا.ً..؟! ويجوز أنها قد تركت لأقدارها في مجرى تطورات الأحداث
اللاحقة.
|