إن تنصروا شارون يسحقكم، ويزلزل أقدامكم!!

د. فايز صلاح أبو شمالة

            تتحدث الصحف العبرية عن مملكة شارون، وتصف الرجل بما حقق لبني إسرائيل، وكأنه أعطي تاجاً من الولاء، رغم ما يحشد ضده المستوطنون من رأي عام مؤيد للاستفتاء، فقد استطاع كما قالت صحيفة هآرتس أن يحدث تغييرات سياسية جوهرية في المنطقة، لاسيما بعد مشاركته في قمة شرم الشيخ، وتحقيقه لوقف إطلاق النار الذي ظل مصراً عليه كشرط لبدء التفاوض مع الفلسطينيين، بل ذهب الشاعر الذي رفض تأدية الخدمة العسكرية الإسرائيلية، (إتسحاق لاءور) إلى القول: إن التقاط الصور مع شارون، أمسى غاية ما يتمناه شركاء شارون في الحكومة من أعضاء حزب العمل، لقد بدأت نشوة الفوز تدغدغ قلب شارون وهو يحقق أخيراً ما عجز غيره من رؤساء وزراء إسرائيل عن تحقيقه، وفي ذلك يتبجح شارون، ويؤكد لمحدثيه من اليهود، ولنظرائه في دول العالم، ولمن يلتقي بهم، أن العرب لا تفهم إلا لغة القوة، أعطيناهم فاستغلوا ذلك لقتل الإسرائيليين، ضغطنا عليهم فاستجابوا لنا صاغرين.

            حتى الآن لم يجد شارون من يقول له: لا، باستثناء المقاومة الفلسطينية التي قالتها قذائف تتساقط على المستوطنات، رغم السيطرة البرية والبحرية والجوية التامة لشارون على كل جرام أكسجين يدخل رئة الشعب الفلسطيني، لا، كلمة المقاومة المدوية التي أحرجت شارون في الفترة الأخيرة، وتركته في حيرة من أمره، وأملت عليه اتخاذ قرار الانسحاب من غزة، وإخلاء المستوطنات، دون التنسيق مع أي طرف فلسطيني، رغم ما سعى إليه واجتهد لتوفير هذا الطرف المشارك له في الانسحاب، ليلقي عليه مسئولية الأمن من بعده.

            الآن يتوفر لشارون شريكان؛ الشريك الفلسطيني من داخل حدود قطاع غزة، والشريك المصري من خارج الحدود، ومن داخلها بالتدريب والإشراف، والتوجيه، وهذا أقصى ما حلم به شارون وهو يعد خطة الفصل عن قطاع غزة، وهذا ما يسعى مع طاقم وزرائه إلى توظيفه لما يخدم مصلحة إسرائيل، ومصلحة شارون الحزبية، فعل سبيل المثال، لقد سعت وزيرة التعليم الإسرائيلية (ليمور ليفنات) إلى تسويق خطة الفصل على حزب شاس الديني، وراحت تنظر للفكرة من منطلق توفر الشريك الفلسطيني، ورأت في ذلك إنجازاً إسرائيلياً جديراً بالتقدير، بل على ضوء توفر الشريك ذهب الكاتب الإسرائيلي (مجيد أهارون) في صحيفة يديعوت أحرنوت 6/2/2005 إلى حث الحكومة على البحث عن حل وسط يضمن بقاء المستوطنين في قطاع غزة، ويمنحهم حقوق حكم ذاتي كجيب في أراضي الدولة الفلسطينية، مع صلة أمنية بدولة إسرائيل، ويرى أن ذلك يحمي إسرائيل من مواجهة داخلية، إن مثل هذا التفكير الخيالي، ما كان ليظهر على العلن قبل وقف إطلاق النار، وانعقاد قمة شرم الشيخ.

            لقد نجح (الجرافة) الإسرائيلية؛ هكذا يسمونه في إسرائيل، لقد نجح في توفير الشريك العربي لخطة الفصل عن قطاع غزة، والتي بدت في حينه وكأنها هزيمة، وهروب من تحت ضربات المقاومة، ولكنه كعادته، أحدث ثغرة (الدفرسوار) السياسية في الجبهة المقابلة، على غرار ما فعل على الجبهة المصرية سنة 1973، ونجح في تحويل الهزيمة إلى نصر، وضمن لمشروعه الذي طرحه من طرف واحد نجاح التطبيق.

            ويرى المراقبون للتطورات، أن بدء المفاوضات في ظل التهدئة نصر آخر يضاف إلى شارون الذي سعى منذ البداية على عدم التفاوض مع الفلسطينيين تحت ظلال البنادق، ليضمن بذلك أمن الإسرائيليين كما وعدهم، وبالتالي توقف سقوط الخوف على الشوارع، دون أن يفرط حتى هذه اللحظة بأرض إسرائيل الكاملة كما يعتنق ويؤمن.

            لقد مثل اختراق شارون للحصار الذي فرض عليه من المجتمع العربي، وعودة السفراء المصري، والأردني، والتطلع إلى التوسع الدبلوماسي الإسرائيلي في دول عربية إضافية، تاج الفخر الذي سيعلقه اليهود على رأس شارون، لأن ذلك سيعزز لدى المجتمع الإسرائيلي ثقته بالقوة القادرة على فرض ذاتها على الساحة العربية، وهم في ذلك يخلفون ظنون القادة العرب؛ الذين حسبوا أن في العطاء تشجيع لشارون على السير نحو السلام، وفي الكرم تقليم لأظافر القوة، وبالتالي فرض حالة من الهدوء طويل المدى، وتحقيق تعايش أكثر أمناً للمنطقة، لاسيما أن شارون الأقدر على ممارسة الضغط على المستوطنين لإخلاء المستوطنات، ولم يتنبه العرب إلى حقيقة المجتمع الإسرائيلي الذي يزداد تطرفاً كلما شعر أنه فكك من أمامه جبهة المواجهة، وانهارت مقاومة الآخرين، لذلك سيندفع المستوطنون إلى المزيد من التمسك بمواقفهم، وإلى المزيد من التطرف العقائدي القائم على صحة العقيدة اليهودية التي ضمنت لهم هذه الأرض، وتحقق لهم الأمن والسلامة، فجاء انضمام الحاخام اليهودي (ألي شيف) إلى المؤيدين للاستفتاء الشعبي قبل إخلاء المستوطنات، جاء بمثابة الطعنة اليهودية النجلاء لفكرة الفصل، لاسيما أن أغلبية أعضاء مركز حزب الليكود، وعددهم 700 عضواً حتى الآن، قد وقعوا على عريضة تنتظر شارون لدى عودته من مؤتمر شرم الشيخ، تطالبه بإجراء الاستفتاء الشعبي على خطة الفصل، فهل يسقط المتطرفون الأشد، وعل رأسهم (عوزي لينداو) أستاذهم الطاعن في السن شارون؟.

            لقد أظهر القادة العرب حباً منقطع النظير في السلام، ورغبة جامحة في توفير الهدوء، ووقف إطلاق النار، ولكن هذه الرغبة لم تكن في زمانها المناسب، ولا مع الشخص المناسب، بل على العكس من ذلك، ستدفع الإسرائيليين إلى مزيد من التطرف، وبالتالي ستحضن إلى مواجهة جديدة قريبة،  وكان الأجدر بالقادة العرب أن يؤجلوا مبادرتهم لوقف إطلاق النار عدة أشهر حاسمة في تاريخ إسرائيل الحزبي والسياسي، عدة أشهر كانت كفيلة بإسقاط شارون، وإظهاره بالعاجز عن تحقيق السلام والأمن للإسرائيليين، وبالتالي تعزيز قوة أولئك اليهود الذين يبحثون عن السلام والسلامة مع العرب، ولكن بهذه الطريقة السريعة من تحقيق الهدوء الآمن، نجح شارون في اختراق الحصار، وعزز مكانة التطرف داخل المجتمع الإسرائيلي، وبالتالي أصبحت أمنية قادة حزب العمل هي التقاط الصور مع شاورن كما قال عن ذلك الشاعر اليهودي (إتسحاق لاءور) الذي سجن لرفضه الخدمة العسكرية الإسرائيلية.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع