بين التآمر الخارجي والتواطؤ
الداخلي..!!
مؤمن بسيسو
باحث وكاتب صحفي فلسطيني - غزة
4/12/2006
هل "حكومة حماس" في طريقها إلى السقوط؟ وما مدى
قدرتها على الصمود في وجه الحصار السياسي والاقتصادي والأمني الذي يُضرب
حولها،
فلسطينيا وإسرائيليا وعربيا ودوليا؟
سؤال تثيره أوساط وقطاعات مختلفة هذه الأيام، مشفوعا
بحسن نية حينا، وبسوء نية أحيانا أخرى، لكنه - إجمالا- يستند إلى خلفية
واسعة من
الأماني العراض التي تداعب أحلام البعض، وتبشر بسقوط الحكومة الجديدة عن
قريب!!
لم يعد خافيا أن تآمرا دوليا، بإسناد عربي، وتواطؤ
فلسطيني محلي، يستحث الخطى لإفشال الحكومة الجديدة، ويستهدف تفريغها من
مضمونها،
وحشرها بين أحد خيارين متضادين: الاستسلام أو السقوط.
كلا الخياران مرّ، لكن الاستسلام للضغوط، والرضوخ
أمام الحصار، والتفريط بالحقوق والثوابت، أشد وقعا، وأنكى سبيلا، وأخطر
مستقبلا
ومصيرا، ناهيك عن كونه خيانة للأمانة ولكافة المسئوليات الوطنية.
تبدو إشكالية الغرب، ومن لفّ لفه، واقترن بسياسته،
عربيا وفلسطينيا، أوضح ما تكون في طغيان مظاهر العجرفة والاستكبار،
وإحلال لغة
الإملاء والابتزاز دون أي لغة أخرى، استنادا إلى حسابات مادية مجردة، لا
تضع في
حسبانها أو اعتباراتها خيارا آخر، يقلب كل التوقعات، ويحمل المزاوجة
المطلوبة بين
قوة الحقوق والثوابت وبين مقتضيات السياسة والواقع، ويؤهل الحكومة
الجديدة لعمر
مديد قد يكون أطول من أعمار هؤلاء الآملين، الطامحين، المراهنين، أدعياء
الإفشال
والسقوط!!
دولة الاحتلال، الضلع الأول في مربع الحصار، لن يمر
عليها وقت طويل قبل أن تدرك أن آمالها وإجراءاتها لن تبلغ أهدافها أو
تحقق مبتغاها،
وأن الحكومة الجديدة بما تملكه من أوراق قوة، وخاصة أوراق: الأمن
والاقتصاد
والجماهير، قادرة على التصدي للحصار المضروب، والصمود الجميل في وجه كافة
التحديات.
هل ستصمد "إسرائيل" في وجه تحديات أمنية مستقبلية،
تعيد إليها دُوَار العمليات العسكرية الفلسطينية المختلفة، بشكل أكثر حدة
وعنفا
عمّا سبق في ظل حرية وشرعية العمل المقاوم حاليا؟! وكيف ستواجه إمكانية
الانفصال
الفلسطيني، الاقتصادي والخدماتي التدريجي، واستيراد البضائع من الخارج،
وما يمثله
ذلك من خسائر باهظة على اقتصادها وثيق الصلة والارتباط بالمستهلك
الفلسطيني؟! وكيف
سيكون حالها وشعورها في ظل ثورة الجماهير الفلسطينية المتوقعة في وجهها،
حماية
لخيارها ومشروعها الإصلاحي، والتفافها المطرد حول حركة "حماس" وخياراتها
دون
الآخرين، المتساوقين مع اشتراطاتها، كما تؤشر بذلك كافة التوقعات
المصداقة
والموضوعية؟!
أما الغرب، الضلع الثاني في مربع الحصار، فلن يمر
عليه وقت طويل - أيضا- قبل أن يكتشف خطر رهاناته، وعقم سياساته ومواقفه،
وخطأ
اشتراطاته ومطالبه، على وقع صمود الحكومة الجديدة، وحسن إدارتها للواقع
السياسي
والإداري الفلسطيني.
يمكننا توقع الحرج الذي سيصيب الموقف الغربي، وخاصة
الأوروبي، جراء المرونة العالية التي ستبديها الحكومة الجديدة، وخطابها
السياسي
البراغماتي، واستعداداتها المطلقة لتقدير وتقديم المصلحة الوطنية
الفلسطينية العليا
في سياق الأداء والممارسة في غير تهاون أو تفريط، بموازاة توقعنا - أيضا-
باستئناف
أموال الدعم والمساعدة الأوروبية، حال علوّ سقف المخاطر واحتمالات الفوضى
والانهيار، وتفاقم الوضع الاقتصادي والإنساني الفلسطيني، من خلال قنوات
محددة قد
تكون مؤسسة الرئاسة إحداها، ولو بعد حين.
عربيا، لسنا بحاجة إلى كثير تفصيل لشرح أبعاد
المواقف المتواطئة التي تمارسها بعض الدول العربية،
ودفعها باتجاه إفشال الحكم
الجديد في فلسطين.
ويشكل العنصر الفلسطيني الفئوي المحلي، الضلع الأخير
والأكثر خطورة في مربع الحصار المفروض، فمسيرة التواطؤ
والإفشال ووضع العصيّ في
الدواليب، قد تجلت في أوضح معانيها في الأيام الأخيرة،
وبدت عبارات "المعارضة
الإيجابية" و"التعاون" وغيرها، شعارات زائفة، وكلمات
خادعة، لا تستخدم سوى لأغراض
التدليس والمزايدة الإعلامية والاستهلاك الداخلي.
عوضاً عن الاستنكاف غير المبرر عن المشاركة في حكومة
وحدة وطنية، فإن بعض الهياكل الوزارية الحكومية بدأت
تواجه نوعا من التمرد الذي
يمارسه البعض، ومحاولات التخريب العمد لمشروعات الإصلاح
الإداري القادمة، بموازاة
خلق أجواء من التوتير الأمني المقصود الذي يمتهن إطلاق
الصواريخ بشكل غير مدروس
يرتكز - غالبا- إلى المناكفة وتصفية الحسابات، بعيدا عن
حسابات الربح والخسارة
الوطنية، في ظل حملة إعلامية فئوية، مكثفة ومكشوفة،
تمارسها وسائل إعلام معروفة، ضد
"حماس"
والحكومة الجديدة، وتمتهن بث
الفتن والسموم، ونشر الشائعات والأباطيل، التي
تتقصّد التشويه والتشهير، وخلق أجواء من البلبلة والإرباك
الداخلي.
ما يثير الأسف أن الرئيس أبو مازن قد انتقل - لربما
بشكل غير مباشر- إلى مربع الحصار المضروب، عبر تساوقه مع
حملة الضغوط الدولية
والمحلية، ولعبه على وتر "قضية الصلاحيات" مع الحكومة في
ظل نصوص مطاطة للقانون
الأساسي الفلسطيني، وسيره التدريجي نحو إنشاء "حكومة ظل"
تحت غطاء منظمة التحرير،
بما يعني محاولة تفريغ الحكومة من مضمونها إلى أبعد مدى،
والإضرار بالمشروع
الإصلاحي الذي يرتبط بحاضر ومستقبل الفلسطينيين وقضيتهم
الوطنية.
لعل الأكثر خطورة في وعي الفلسطينيين أن الواقع
الراهن قد وجد على هامشه، وبين أزقته وتعرجاته، من يصدر
حكمه سلفا بفشل الحكومة
الجديدة قبل أن تأخذ فرصتها كاملة في الحكم والإدارة،
وتباشر عملها وتمارس تجربتها
على أرض الواقع، ويزعم نزوع "حماس" والحكومة الجديدة إلى
العمل المنفرد بعيدا عن
مكونات الواقع الفلسطيني وبنيته الفصائلية، وكأنّهم بذلك
يدعون "حماس" والحكومة إلى
التخلي عن خيارها ومشروعها لصالح خياراتهم التي سقطت
ديمقراطيا، والاستجابة للمطالب
والاشتراطات الدولية الظالمة، ويساوون بينها وبين فصائل
هامشية لا تملك من الرصيد
الشعبي والفعل السياسي والتأثير الميداني شيئا!!
فهمنا السياسي والواقعي يمنحنا القدرة على تنبؤ صمود
واستمرار الحكومة الجديدة، دون أن يلغي ذلك شهورا عجاف من
العسرة والصبر وشظف
العيش، والاعتياد على مواجهة المكاره، قبل أن ينبلج
الفجر، ويستبين شعاع الضوء في
نهاية النفق القاتم!
|