الا الكرامة..!

بقلم: حمدي فراج*

لم تكن لتهمني هذه القاذورات التي يعجز اللسان الفصيح والقلم السخي عن وصفها، ولا تلك الحفر الممتلئة بالمياه الآسنه والمنتشرة في أكثر من مكان على طول رقعة الاستراحة الريحاوية، والتي تنبعث منها الروائح الكريهة خاصة اذا ما خانتك قدماك ولم تستطع تجنب القفز عنها، وهي بكل تأكيد ليست مياه الأمطار التي بالكاد تنعم بها اريحا في الشتاء، فكيف الحال في عز صيفها، ذباب وبعوض وكافة ما خلق الله من حشرات تعج بها استراحتنا وتتكاثف وتتغذى من تلك الحفر والتي لربما ستتطور الى ما يشبه المجاري في قادم الشهور.

لم يكن ليهمني هذا الاكتظاظ المريع والمحزن والمؤلم لآلاف مؤلفة من البشر من ضمنهم عجائز تجاوزن الستين والسبعين من عمرهن، وأطفال دون سن الرابعة والثالثة وبعضهم في أحضان امهاتهم، يبيتون على هذا المعبر لأكثر من يوم ويومين أو حتى خمسة في انتظار ان يأتي دورهم لاجتيازه. وبدلا من ان يجدوا يد العون والمساعدة، قالت لي احداهن انهن يجدن يدا تتطاول على اجساد بعضهن اثناء نومهن العميق جراء ما واجهنه من تعب وغضب اثناء ساعات النهار اللهابة.

لم يكن ليهمني هذه الوساطات بالجملة ازاء كل مسؤول او نصف مسؤول او ربع مسؤول او قريبه او صديقه فلا يتأخر ابدا ، واذا ما حصل اي تأخير فانه لا يتعدى موعد قدوم الباص التالي او الذي بعده في أسوأ الاحوال، كي يتمكن من تأمين مقعده مع جملة معسولة من الاعتذار وتحميل السلامات لقريبه المسؤول.

ولم يكن ليهمني تفشي ما يشبه ظاهرة البراطيل والرشواى بالدولار او بالدينار واحيانا بالشيكل تدفع لصغار العاملين ثم يتم تقاسمها، ولقد رأيت بأم عيني ان شرطيا تحدث على مسمعي لأحد كبار مسؤولي المعبر عن عتال يتقاضى خمسين شيكلا عن كل مسافر يدخله من باب خلفي للمعبر. العارفون بتفشي هذه الظاهرة من الذين يتكرر وجودهم اليومي هناك كثيرون، ومن ضمنهم السائقون. وعلى كل حال يعرف الريحاويون ان عميداً للشرطة، وعميداً للأمن الوطني اقصيا من هناك قبل بضع سنوات نتيجة لتلقي البراطيل والرشاوى ومشاركتهم في شركات السفر السريع كشركة V.I.P

وما كان ليهمني ان حضور ووجود السلطة الوطنية الفلسطينية عبر أجهزتها هناك من الشرطة الى الأمن الوطني الى المخابرات والامن الوقائي وقوات الـ17 والاستخبارات ... الخ، هو حضور شكلي لا أكثر، رغم انهم يقسمون مهماتهم ويقومون بكافة الخطوات التي تظهرهم وكأنهم سلطة حقيقية كاسرائيل والاردن، فيصعدون الى الباصات ويجمعون جوازات السفر وينادوا على الاسماء ويفرضوا اراءهم على المسافرين بما في ذلك تنزيل الركاب لاستبدالهم بأصحاب الحظوة من عند ما يطلقون عليه (المعبر)، دون ان يقوموا مثلا بختم الجواز لا في في الذهاب ولا في الاياب، وكأن مهمتهم تنحصر في تنظيم المرور، ولكنهم بدلا من تنظيمه، فانهم يفسدونه ويخربونه ويعيقونه. ونعتقد ان بامكان الناس القيام بهذه المهمة –غير الحكومية- وتنظيم انفسهم، احسن بكثير مما تقوم به اجهزة السلطة بالدور الكذّاب الذي تقوم به.

ناهيك عن أن المعبر يدر دخلا يوميا كبيرا من خلال الرسوم التي تصل الى 135 شيكلا عن كل مواطن، وهي الرسوم الأعلى في كل العالم، بما في ذلك المطارات - تتقاضى الاردن خمسة دنانير في مطاراتها- والتي يفترض ان تذهب في تطوير هذه الاستراحة وتخفيف عذاب عابريها.

ان الشيء الوحيد الذي همني ولفت نظري واثار استيائي وانا اعبر هذا المعبر، هو ان اسمه معبر الكرامة، وفي هذه العجالة التمس الى المسؤولين بدءا من الرئيس ومجلس الوزراء ووزير الداخلية الحالي والذي سيأتي من بعده، والتشريعي، ان يغيروا اسم المعبر بما يليق به، أطلقوا عليه اي تسمية تشاؤون، ما عدا الكرامة، ولكم جزيل..

* كاتب صحفي فلسطيني يقيم في مخيم الدهيشة- بيت لحم.

31-08-2004

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع