لو حلّت السلطة نفسها

 

بقلم: حسين العودات/كاتب سوري

صحيفة البيان الإماراتية 26/8/2006

 

اعتقدت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أن اتفاقية أوسلو ستفتح الطريق للوصول إلى الدولة الفلسطينية المستقلة ولذلك وافق عليها في حينه معظم أعضاء اللجنة، رغم بواطن الغموض التي تضمنتها الاتفاقية وخاصة المتعلقة باللاجئين والمستوطنات والقدس.

 

وانقسمت المنظمات الفلسطينية قسمين مع الاتفاقية وضدها، بل استقال بعض أعضاء اللجنة التنفيذية احتجاجاً على قبول الاتفاقية، لأنهم رأوا فيها من الغموض والضعف والجور ما يكفي لحرمان الشعب الفلسطيني في النهاية من كثير من حقوقه، بينما رأى أنصار الموافقة على الاتفاقية أنها تعترف بسلطة فلسطينية على أرض فلسطينية بالرغم من كونها إدارة ذاتية ليس لها أي حق من حقوق السيادة، وستكون مركز انطلاق لاستمرار النضال لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني المغتصبة وتلملم حال الفلسطينيين الذين كان المئات بل الآلاف منهم يتلجلجون في مطارات العالم لا يدخلهم أحد لبلده ولا يخرجهم منها، وستكون المنطقة (أ) و(ب) حسب فهمهم للاتفاقية موئلاً لمساعدة الفلسطينيين وتدبير شؤونهم في هاتين المنطقتين بدءاً من منحهم جوازات السفر وصولاً إلى إدارة شؤون حياتهم اليومية ومنها التعليم والثقافة والصحة والشؤون الاجتماعية والأمور الاقتصادية والحياتية عامة، وعبروا عن قناعتهم أن وجودهم في الداخل على جزء من أرضهم في إطار اتفاقية معترف بها هو خير من وجودهم في الشتات ولهاثهم وراء حقوقهم دون أن يمتلكوا الشروط الموضوعية لإجبار العدو الإسرائيلي على الاعتراف بها، بعد أن رفضتهم دول الطوق وأصبحوا هم وقواهم العسكرية ومناضلوهم بعيدين آلاف الكيلومترات عن بلادهم.

 

لقد فات أنصار الاتفاقية أمر واحد رئيسي وهو قدرة شعبهم في الداخل الذي أثبت في انتفاضته الأولى التي انطلقت عام 1987 أنه جدير بإلزام العدو الإسرائيلي في نهاية المطاف على إعادة هذه الحقوق وأنه لو لم تقم الانتفاضة لما قبلت الحكومة الإسرائيلية باتفاقية أوسلو وأن هذه الاتفاقية كانت مخرجاً لها، فالانتفاضة من العوامل المهمة الموصلة للتحرير لو آمنت بها اللجنة التنفيذية فعلاً واستمرت بدعمها دون أن تقدمها كبش فداء لاتفاقية أوسلو.

 

على أي حال عادت المنظمة لبعض فلسطين وبالتحديد للمنطقة (أ) وأرضت نفسها بتسمية السلطة (حكومة) وهي ليست كذلك وسمت رؤساء القطاعات (وزراء) وهم ليسوا كذلك وأجرت انتخابات مجالس حكم ذاتي في الواقع لكنها أسمتها انتخابات تشريعية وانتخبت رئيساً ووزراء وأمراء وكان لها شرطتها وأمنها وأصيبت بالمرض العربي التقليدي وهو تشكيل عشرة أجهزة أمنية متضخمة ومتناقضة ومتعددة الولاءات صارت فيما بعد عبئاً على السلطة نفسها، وتولت السلطة أيضاً مهمات تأمين الرواتب للموظفين وتأمين سبل حياة الناس ودفع تكاليف هذه الاحتياجات من المدارس إلى المستشفيات إلى دوائر (الدولة) التي تضخمت بدورها وأكلتها البيروقراطية والفساد، وصار في (الوزارة الواحدة) عشرات المديرين العامين، وناءت السلطة بحمل النفقات المطلوبة ونظراً لضآلة الدخل القومي الفلسطيني ودخل الموازنة وأسعفتها مساعدات الدول المانحة، وما أن توقفت هذه عن تقديم مساعداتها حتى أعلنت السلطة إفلاسها أو ما يشبه الإفلاس.

 

من طرف آخر كان المفروض أن تتسلم السلطة المناطق (آ) و(ب) و(ج) منذ سنوات وأن تصل إلى الحل النهائي، لكن الذي حصل أن "إسرائيل" بتوقيعها اتفاق أوسلو انتهت من هموم الانتفاضة الأولى وتوابعها، ومن أعباء العيش التي يحتاجها ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة وغزة والتي كانت من مسؤوليات الاحتلال حسب اتفاقيات جنيف، وفي الخلاصة أعفت نفسها من كل هذه الهموم وألقت أعباءها على كاهل السلطة الفلسطينية، وما أن اشتعلت الانتفاضة الثانية حتى عاد الاحتلال بكل وحشيته يقتل الناس في كافة المناطق (أ، ب، ج) ويهدم البيوت ويقتلع الشجر ويعتقل المناضلين ويمارس كل رغباته المتوحشة وغرائزه الشاذة، والسلطة لا حول لها ولا طول، وهكذا فكل ما بقي من اتفاقيات أوسلو هو إلقاء العبء على السلطة وبقاء ممارسات الاحتلال كما كانت دون أية مسؤولية قانونية أو أخلاقية، ولم يحصل الشعب الفلسطيني على عنب الشام ولا على بلح اليمن، وكانت الخسارة الأكبر هي عدم إعادة هيكلة منظمة التحرير وتجديد أعضاء مجلسها الوطني ولجنتها التنفيذية والاستغناء عنها عملياً لصالح السلطة التي تنحصر مهماتها في الداخل الفلسطيني وبقي نصف الفلسطينيين في الخارج لا هم هنا ولا هناك، إضافة إلى أن دول العالم تعترف بالمنظمة ولا تعترف بالسلطة لأن صلاحياتها لا تتعدى الإدارة الذاتية.

 

يتسابق زعماء العدو الإسرائيلي من اليمين واليسار على التأكيد في برامجهم الانتخابية وتصريحاتهم وبياناتهم وفي كل ما يصدر عنهم على تذكيرنا برفضهم المطلق لعودة اللاجئين وعودة القدس وتفكيك المستوطنات، ومادامت هذه مرفوضة البتة والجيش الإسرائيلي يعبث بالضفة وغزة كما يريد، والاحتلال لم يعد مسؤولاً عن تدبير شؤون الفلسطينيين الحياتية بموجب اتفاقيات جنيف، فما نفع السلطة الفلسطينية إذن؟

لم تؤد اتفاقية أوسلو إلى إيجاد قاعدة حقيقية يتحرك عليها الفلسطينيون، ولم تكمل "إسرائيل" مسيرة الاتفاقية واستبدلت بها خارطة الطريق التي لم تطبقها أيضاً وألقت أعباء عيش الناس عن ظهرها، وبالتالي لم يستفد الشعب الفلسطيني من اتفاقية أوسلو استفادة جدية، وخرج من اللعبة صفر اليدين.

 

مادام الأمر كذلك فمن الأفضل للسلطة الفلسطينية أن تحل نفسها وأن تعلن أن "إسرائيل" انتهكت اتفاقيات أوسلو وتنصلت من اتفاقيات جنيف وبذلك تعود أعباء عيش الناس على كاهل المحتل، فمن غير المعقول أن تكون "إسرائيل" محتلاً بدون التزامات، وبالتأكيد لن يخسر الشعب الفلسطيني شيئاً إن حصل ذلك، خاصة وأن جيش العدو يختال في كل مكان، والتدمير والتفجير وقلع الأشجار وتعزيز جدار الفصل مازال في تسارع وأعداد الأسرى في ازدياد والحصار يخنق الناس وبوابة رفح تغلق أكثر مما تفتح، فما ضرّ الشعب الفلسطيني لو حل سلطته وألقى الأعباء على العدو وتخلص من قيود اتفاقيات أوسلو وأعاد هذه الأعباء لسلطة الاحتلال خاصة وأن ذلك لن يضر بنضاله بل ربما أطلق يده.

في ضوء ذلك إن تنويه السيد إسماعيل هنية رئيس مجلس (الوزراء) بحل السلطة لا تنقصه الواقعية.

 


 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع