إضراب
التشريعي
بقلم:عدلي صادق
لا أظن أن أحداً منّا، يعرف كم تبقى
من الوقت، على فك إضراب "التشريعي" وانتهاء شهر الغياب، الذي بدا من أوله،
شهراً
معسولاً، تخللته سفريات فخمة، لا علاقة بين وزنها المالي (فئة الفيل)
ووزنها
السياسي (فئة الذبابة). وأنا لا أوافق صديقي الذي قال، بأن حال المجلس، مع
الناس،
مثل حاله مع حماته، حين سئل عنها فأجاب: لا أوحشت في غيابها، ولا آنست في
حضورها.
لكن غياب المجلس، ذكرني بتنظير حكومي، في أحد الدول العربية، ألقي الضوء
على فراسة
الزعيم، فقال: عندما هبت الرياح الداخلية على الدولة، في العام 1974 اتخذ
القائد
قراره الحكيم والذكي والشجاع، بالسفر الى الصومال، للاختلاء فيها مع
نفسه!
تعليق اجتماعات المجلس، كان شبيهاً بتهدئة اللعب، في مباراة عسيرة، في
كرة القدم، وسنتأكد من ذلك، من خلال رصد سلوك المجلس، بعد فك الإضراب: هل
تطفو من
جديد، عبارات "لجنة متابعة الإصلاح" التي من بينها الدعوة الى إعادة تشكيل
الحكومة،
وتحريك جميع ملفات الفساد، وضرورة إجراء وقفة حساب مع النفس "لنعيد ترتيب
البيت،
خصوصا في هذه الأيام الصعبة"؟!
* * *
كنا وما زلنا نرى ما يراه
"المجلس"
على المستوى النظري، لإطلاق عملية تغيير لكن هذا المجلس قرر الغياب شهراً،
فترك المشكلة قائمة بين الرئاسة ورئاسة الحكومة، وترك عملية التسجيل
للانتخابات،
بدون انتشار للنواب في دوائرهم الانتخابية، للحث على المشاركة الشعبية،
بصرف النظر
عن الاختيار، وكأن أمر التسجيل، لم يعد يخص معظم أعضاء المجلس، لإدراكهم
بأن
التجديد لهم غير وارد. وبدل الفاعلية المطلوبة، فعل المجلس، الشيء نفسه
الذي ذكرته
لجنة "متابعة الإصلاح" عندما تحدثت عن مجموعنا السلطوي، وهو إدارة الظهر.
ولاحظ
البعض، أن مجموعة الفتحاويين في المجلس، دفعت باتجاه التعليق للأعمال،
لاحتواء عدة
مشكلات، وفتح المجال للكواليس، مثلما جرت العادة، وبذلك تكون المصلحة
الفصائلية قد
غلبت، بدل تكريس التقاليد الديموقراطية لحسم المسائل. لكن مثل هذا المنحى،
يغذي
النزعات المحلية، التي ذهبت الى حد الإعتماد على النفس، وعلى الخروج عن
النظام
العام، للتعبير عن الشكايات، في ظل غياب سلطة تشريعية تحسم، وتستكمل
السياقات التي
تبدأ نظرياً، وتتوقف أمام العثرات، وتحدد أسبابها وأشخاصها، بمحاسبة السلطة
التنفيذية التي يملك المجلس رفع الغطاء عنها!
لم يكن ينقص المجلس التشريعي،
هذا الإضراب، لكي يقنع الناس بعجزه عن أداء مهمته. ولم يكن ينقص السلطة هذا
الإضراب، لإقامة الدليل على أزمتها، ولم يكن ينقص الرئيس عرفات، هذا
الإضراب، لكي
تزداد ذرائع الأمريكيين في الهجوم عليه، ولم يكن ينقص التشريعي هذا
الإضراب، لكي
يدلل المجلس على الفقر العلمي والنظري، في التصدي للملفات المعروضة عليه.
وكان أجدى
بالمجلس التشريعي، أن يُنجز مهمة واحدة، من المهام التي شغلت الرأي العام،
كأن
يهييء مشهد المحاكمة، لجماعة الإسمنت، بدل محاولة تمييع القضية بالغياب،
وكأننا
سننساها أو نتركها، أو كأننا لن ننتقل من الإسمنت الى قضايا أخرى، لكي لا
يستغفلنا
النفر الفاسد الكريه!
* * *
لا شيء يتقدم أو يتحرك الى الأمام.
السكون بات سمة سلوكنا، في بحر عالي الموج، وكأننا ننتظر الآخرين أن
يفصّلوا لنا
مصيرنا. لعلنا نتجه الى طريق إجباري، وهو القيادة الوطنية الموحدة، التي
تبادر الى
انتقاء مجلس استشاري مؤقت، ننطلق منه الى عملية ديموقراطية، تضطر الفصائل
بالتزامن
معها، الى ترتيب أوضاعها، قبل البدء في قشط الدهون السامة من سطح الوسط
المتنفذ في
السلطة. فالتشريعي سيكون أمام اختبار صعب، بعد فك الإضراب. نريد حكومة
فعالة، ونريد
قيادة أغنى تمثيلاً للناس، ونريد قوى سياسية وفصائلية، تعرف ماذا تريد.
دعونا من
الزيارات والسفر (علمنا أن هناك ترتيباً لزيارة وفد كبير الى الصين) طالما
أنكم
تتحملون المسؤولية، فنحن في خضم صعب جداً، ولسنا في لعبة هانئة. ماذا سنقول
للصينيين وغيرهم، إن كانت أوضاعنا على هذا الحال. ننتظركم بعد فك الإضراب
عن
الإنعقاد، وبدء تعليق السفر!
adlisadeq@yahoo.cim |