هل تشكل حماس مدرسة عالمية ونموذج يحتذى به؟!

 

خالد معالي

 كان أدولف هتلر وفي معرض تحريضه لألمان السوديت (السوديت مقاطعة ألمانية ضمها الحلفاء لدولة تشيكوسلوفاكيا بعد الحرب العالمية الأولى كان يقطنها ثلاثة ملايين من الألمان) عبر الإذاعات الموجهة، يقول لهم: انظروا ماذا يفعل الثوار الفلسطينيون ببريطانيا العظمى!! فقد كان الفلسطينيون في ثورتهم الأولى مثلا ثوريا يحتذى، وقد ضربوا مثلا مدهشا في العناد الوطني عندما خاضوا إضاربا مفتوحا وطويل النفس استغرق مدة ستة أشهر، ولولا تدخل الزعامات العربية لاستمر الفلسطينيون في إضرابهم لأمد أطول.

 وقد أشارت التقارير البريطانية في ثورة 1936 الى أن الثوار الفلسطينيون يسيطرون على حوالي 80% من البلاد، وقد اضطرت بريطانيا العظمي لاستجلاب عشرات الألوف من جنودها في الهند واستراليا لإخماد الثورة التي استمرت لثلاث سنوات متواصلة. وهذا النفس الثوري أعيد إحياؤه في ثورة الفدائيين في العام 1965، ثم أعيد إحياؤه والتأكيد عليه في انتفاضة 1987 التي استمرت لست سنوات متواصلة، ثم في انتفاضة الأقصى التي استمرت لخمس سنوات متواصلة أيضا.

  في الحقيقة أن الشعب الفلسطيني  أصبح مدرسة عالمية في انتاج الظواهر الثورية، فمن إضراب الستة شهور الى انتفاضة الحجر ثم الى تصدير نموذج العمليات الاستشهادية ذو السيولة العالية، وهذا الشعب ضرب مثلا خارقا في القدرة على الصبر والاحتمال بقيادة حركة حماس.

 وهنا تسقط كل الحجج التي كانت تقول أن شعبنا تعب، ويريد أن يعيش حياته، لقد كانت هذه الحجة تتكرر في الثمانينيات في معرض التمهيد للتنازلات السياسية التي كانت تقدم عليها القيادة الرسمية آنذاك. وأذكر في بداية انتفاضة الأقصى قول أحد الاكاديميين المؤيدين لعملية اوسلو متشككا: يا ترى هل هناك إمكانيات لصمود الناس، والى متى يمكن للناس أن تصمد؟؟  فهل فعلا تعب الشعب الفلسطيني أم أن القادة الذين يكررون هذه الحجج هم من تعبوا،وقد أثبتت الحوادث سواء في انتفاضة 1987 أو في انتفاضة الاقصى أن النَفَس النضالي لشعبنا نفس طويل، وأن هذا الشعب كطائر العنقاء الذي ما يظن أنه مات حتى ينتفض من تحت الركام محلقا.

   وحول صبر الفلسطينيين وجلدهم كتب غلوب باشا أحد أهم الشهود الأجانب من العسكريين المستشرقين الذي شاهد مأساة الفلسطينيين عيانا في العام 1948 :" لقد خفي عمق هذه النكبة على العالم بسبب الصبر الشديد والتكيف الصامت الذي صدر عن الضحايا. فقط هؤلاء الذين اختلطوا بهم عن قرب استطاعوا أن يدركوا عمق المآسي التي حلت بالمدنيين في كهوف تلال السامرة أو تحت أشجار زيتونها".

  ولعل آخر انطباع لزعيم عالمي حول صبر الفلسطينيين اللامتناهي هو إشادة الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز قبل أشهر قليلة عندما أصدر تصريحه الشهير حول صبر الفلسطينيين العظيم وإعجابه بهذا الشعب الصبور ، وأصبح نموذج  يقتدى به.

نقول كل ذلك حول صبر الفلسطينيين وطول نَفَسهم، لأن هناك من الأعداء وحلفائهم ومن المتواطئين من بني جلدتنا، من يراهن على تراخي الفلسطينيين وانهيار قدرتهم على الصمود. فقد كان من نتائج الحقبة الأوسلوية الماضية إفراز طبقة من المنتفعين الذين ألفوا العيش بعيدا عن هموم الناس البسطاء، وأصبح لهذه الطبقة ثقافة لا تمت بصلة الى هموم الناس العاديين، ثقافة البطر والترف ومحاكاة المتخمين..

 لا نريد هنا أن نسمي ما علاقة فلان أو فلانة بأناس مخيم بلاطة أو مخيم جباليا أو مخيم الدهيشة، مثلا.. ولكن لننقل ما أورده أحد أهم النقاد السوريين المقيم في باريس وهو الكاتب صبحي حديدي في مقال له في جريدة القدس العربي بتاريخ 24-4-2006 يقول حديدي:" ولقد سمعت مؤخرا عن وزير فلسطيني سابق (يحدث كذلك أنه عضو في اللجنة التنفيذية، وزعيم سابق في إحدى المنظمات الفلسطينية اليسارية البارزة، وصاحب نظرية عن السلام جعلته مدللا في تل أبيب يمينها قبل يسارها)، كان هذا يشارك في مؤتمر أوروبي حول الشرق الأوسط، حال سيادته بدت سوريالية تماما في ناظر الآخرين. كان هو الذي يمثل الجهة الأفقر في المؤتمر، يحمل حقيبة من جلد التمساح هي الأغلى ثمنا بالتأكيد، الأمر الذي جعله محط أنظار الجميع، ليس حسدا، كما روى الصديق، بل إشفاقا على شعبه، واشمئزازا منه.."

  إن أمثال هؤلاء الذين تريشوا وعاشوا على عذابات شعبهم وخانوا منطلقاتهم الوطنية، ودغموا المفاهيم والحدود، هم من يشمئزون من ثقافة الزيت والزعتر التي نادى بها رئيس الوزراء الجديد هنية ابن مخيم الشاطئ،أصبحوا نموذج للتهاون والتراجع والذل والركوع يحتذي بهم شذاذ الآفاق.

  ان شعار "الجوع ولا الركوع" هو أحد أهم الشعارات التي أفرزها النضال الوطني الفلسطيني في ساحات السجون عندما كان يخوض الإضرابات طويلة الأمد عن الطعام، إنه ينتسب لثقافة الصمود والمقاومة وثقافة الصبر والثبات على المبدأ ولو كلف ذلك آلاما مبرحة في الجسم والأمعاء. إنه امتداد لثقافة "يا جبل ما يهزك ريح" التي طالما كان يرددها المرحوم أبو عمار عندما تهب من حوله الأنواء والعواصف. أما ثقافة الدعة، واترك الناس تعيش حياتها، والدعوة الى نضال المواطنة على حساب النضال الوطني والقومي، فأي نضال هذا وأي حياة يريدون لنا أن نحياها تحت حراب الاحتلال، وعن أي فردوس يعدوننا ، فقد سبق ووعدونا بسنغافورة الشرق الأوسط عندما وقعوا اتفاقات أوسلو، وها نحن نحصد النتائج المرة!!

  لعل المغزى التاريخي لانتصار حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي، هو أنه آن الأوان ليصعد نمط جديد لسدة القيادة ملتصق بشعبه وهمومه ، ويأخذ مكانته الطبيعية في ان يكون مدرسة للشعوب المقهورة والمظلومة وليقتدى به ويشار له بالبنان، وهذا ما بدأ يحصل بالفعل، وأنه آن الأوان للنخبة التي عبثت طويلا بالقضية المقدسة قضية فلسطين أن تتنحى جانبا، وأن تنظر الى حجم الخراب الذي ألحقته بقضيتها وبشعبها، وآن الأوان ليقول الشعب الذي هو نموذج في مقاومته  فيهم كلمته.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع