هناك ناس............... غير فتح وحماس

 

الأحادية أو الثنائية الحزبية هي هذه الزاوية الضيقة التي يحشر الناس أنفسهم فيها, أو التي تحشرهم فيها جماعات العمل السياسي في كل دول العالم.  وهذه الهيمنة المقيتة لحزب أو حزبين علي الحياة السياسية, وتفرعاتها الثقافية والإعلامية ناجحة إلي حد كبير في النظام الديمقراطي المتكامل.

أما في دول ما يسمي بالعالم الثالث, أو دول "العالم التائهة", وهكذا أحب أن أسميه, أو هكذا تجوز عليه التسمية بحكم الواقع السياسي الحالي, والاجتماعي, وطبعاً الاقتصادي الذي فيه من التيه ما لا يسر عدو أو صديق, فيجب أن تلعب البيئة الإنسانية" الكونية" المصاحبة للتحول الديمقراطي دورا كبيراً في تزامنها مع ما تكون عليه حال الديمقراطيات العتيدة وما وصلت إليه من خطوات.

فعلي صعيد التطور الديمقراطي في الشرق, هناك تجارب لا تتفاوت كثيراً من حيث المضمون, لكنها, تتفاوت في بيئة وتزامن البدايات مع ما وصلت إليه التجارب الديمقراطية الغربية الناجحة.

وحين بدأت بعضها مثل لبنان والهند قبل أن تصل الديمقراطية إلي الانتصار والترعرع في هذه الحقبة الآنية من الزمن, نام الآخرون ليصحو علي انتصار الديمقراطية, وتغلغلها إلي العقل الإنساني في الوقت الذي هيمنت عليهم جماعات, وأحزاب أحادية قمعية واستئصالية, جاءت نتيجة تطور غير طبيعي ولم تتعلم من تجارب الآخرين, وفرضت الجمود, والتخلف, والقهر, والخوف ليأتي رد الفعل المناقض تماماً للثقافة السابقة, وتأتي بعدها جماعة أحزب لتقود للاستئصال لكل ما كان قبلها.

وفي الوقت الذي تقود فيه فلسطين, برغم محنتها, دول المنطقة إلي نهوض ديمقراطي حقيقي لا يساويه, ولا يماثله نموذج في دول الجوار,  إذا ما أخذنا في الاعتبار, واقعنا الفلسطيني الذي هو في طور التحول إلي دولة مستقرة, ومستقلة من حيث البناء الثقافي, والسياسي, والاقتصادي للمجتمع الفلسطيني, فإنني لا أفهم هذه الهيمنة الثقافية لفتح, وحماس علي عقول الجمهور إلا من زاوية التقاعس الحادث للأحزاب الأخرى. وأن الخلل هو في الشخوص, والأدوات التي تستخدمها هذه الأحزاب, رغم توفر البيئة المناسبة لنمو التعددية المنافسة في هذا العصر المنفتح تماماً أمام كل العيون والآذان للتمييز والاختيار بطريقة غير مسبوقة.

أنا أفهم هيمنة حزب البعث في سوريا علي ثقافة المجتمع السوري, وكذلك هيمنة الحزب الوطني في مصر علي ثقافة المجتمع المصري, ولكني لا أفهم (من منظور التزامن الديمقراطي مع أرقي ما وصلت إليه الديمقراطية) هيمنة حزب فتح وحماس المطلقة علي ثقافة المجتمع الفلسطيني, مقارنة مع التطور الديمقراطي الحالي لدي الأحزاب غير المهيمنة في دول مثل فرنسا وألمانيا وايطاليا وإسرائيل ولبنان وكل العالم الديمقراطي, وحتى تركيا والهند.

مجتمعنا الفلسطيني, لا يزال غير متفاعل مع كثير من التنوع الثقافي والحزبي المطلوب, الذي يحمي ويقوي النظام الديمقراطي, إلا بقدر مفهوم في تجربة "المبادرة الوطنية" حديثة العهد التي استقبلها الجمهور بارتياح, والتي تحرص علي التعددية الثقافية والسياسية وترفض الاستئصال والاستفراد التي تعطل النظام الديمقراطي.

وهنا أود القول إن هيمنة فتح علي الإعلام والثقافة في الحقبة الماضية, كان من نتائجها بامتياز, هو تنامي الثقافة الدينية وازدهارها حتى بدأت هذه الثقافة أيضاً تمارس دور الهيمنة هي الأخرى علي المجتمع الفلسطيني, تماماً كما حدث في الدول العربية الأخرى رغم الفارق البيئي والتزامن الأحدث والأرقي لحال الديمقراطيات العتيدة.

وهكذا يخرج مجتمعنا من هيمنة إلي أخري متناقضة مع ما قبله, وكرد فعل مساو له أو أكبر منه ومضاد له في الاتجاه, دون أن يكون هناك فرصة أو مجال لعملية توازن حقيقية تشارك فيها ثقافات أو جماعات غير هذه أو تلك.

قد يكون سبب هذا راجع للتقاعس عن المشاركة في عملية التوازن المطلوبة من الاتجاهات الأخرى غير فتح وحماس, أو قد يكون هذا بحكم الثقافات المجاورة والممتدة إلي المجتمع الفلسطيني.

وبات الشارع الفلسطيني يشعر بعدم وجود برامج وثقافات أخري, وهذه نقطة في غاية الأهمية في تطور الديمقراطية الفلسطينية حيث لن يبقي مجال أو أفق لتطوير تعددية حقيقية يقبل بها المجتمع في مراحل التطور الديمقراطي, والذي حتماً سينتج كما رأينا ثقافة مغايرة تماماً ومضادة بالضبط للهيمنة السائدة لفتح أو لحماس. وسنعيد الكرة من جديد وسنبقي محشورين بين ثقافة وضدها مما يعيق بل يجمد الحالة الفلسطينية بين الهيمنة ورد الفعل عليها.

الحياة الطبيعية والبيئية قد زكت التعددية, والناس حديثاً أكدوا علي أهميتها الحيوية لاستمرار التوازن في الحياة حيث لكل مخلوق دوره في عملية التوازن هذه فإذا انتفي دور نوع من الأنواع  سواء كان هذا حيوان, أو نبات, أو حتى أحد العناصر وأبسط الأمثلة علي ذلك  والراسخ في أذهان الناس ما يسمي بثقب الأوزون  لذي يتسبب في ظواهر ومشاكل لا حصر لها للمخلوقات الأخرى وأهمها الإنسان.

وقد حرصت النصوص الدينية جميعها علي بيان فضائل الاختلاف والتنوع لما لها من فوائد تعود علي البشر.

ومؤخراً اكتشف السياسيون قيمة الاختلاف والتعددية السياسية والثقافية والتي هي نتاج التجربة الإنسانية بمجملها التي كرهت التفرد, والديكتاتورية, والهيمنة. وأحبت المشاركة والاختلاف والحرية, وقد أصبحت الصورة واضحة لكل ذي عقل سليم, مدي احتياج الناس "للتعددية السياسية والحزبية". وفي اعتقادي أنها هي كلمة السر في نجاح النظام الديمقراطي بشكل عام.

وهنا أيضاً أقول إن حرية الاختيار أيضاً, تلك الركيزة الهامة في الديمقراطية, ما هي إلا استتبا ع للتعددية, وهي قرينتها الملاصقة لها تماماً, حيث المنطقية في ذلك أنه لا يمكن منح حرية الاختيار حقيقة, إلا بوجود خيارات أخري,و هذه الخيارات الأخرى, هي تلك التعددية أو ما يسمي بالتنوع وحقاً, ما هي فائدة حرية الاختيار في وجود خيار واحد أو اثنين؟ ولذلك تصبح حرية الاختيار ضحك علي الذقون في وجود مرشح واد أو حزب واحد, مثلما يحدث في الدول التائهة التي تحدثنا عنها. وإذا ما خصصنا الحديث من جديد عن فلسطين, نعود إلي ما تقدم من أهمية توجه الشعب الفلسطيني نحو دعم هذا التنوع, أو التعدد السياسي, لكي لا تبقي أحوالنا محكومة بردات الفعل الثقافية والسياسية والتنقل من حزب إلي نقيضه, ليقودنا ذلك من ورطة إلي ورطة دون قدرة للمجتمع والناس علي المشاركة في عمليات التوازن السياسي والثقافي, والتدخل في الوقت المناسب من الخطر.

وسنبقي في مهب الريح نكرر التاريخ نفسه,  تسلمنا الجاهلية العشائرية, والقبلية إلي الثقافة الإسلامية التي سلمتنا إلي الثقافة القومية, وهذه بدورها سلمتنا إلي الثقافة الاشتراكية, وهذه سلمتنا إلي الثقافة الوطنية, وهذه سلمتنا إلي الثقافة الطائفية, والآن هذه الأخيرة تسلمنا إلي الثقافة العشائرية والقبلية من جديد. وهكذا عدنا إلي المربع الأول بعد قرون طويلة من المعاناة والتيه إلي التيه الحقيقي الذي نحن فيه, وكل من سبق وفشل في إقرار حالة التوازن لهذه المنطقة, يعود الآن ليجرب حظه من جديد في صراع عنيف لامتلاك السلطة لفرض رؤيته التي اتسمت بالاستئصال للرأي والثقافات الاخري, لنعيد دورة التسليم البغيضة مثلما جري من الانفراد بالحكم والسلطة والثقافة حتى يتكون رد فعل جديد وليس تطوراً نحو الأفضل والاتزان, فيأتي النقيض ليستأصل كما سبق. .

أنا أتصور غير جازم أن التفكير المنطقي والذي قد يحدث حالة اتزان حقيقية في فلسطين والشرق بشكل عام, هو أن تبقي كل هذه الثقافات, والأحزاب دون استئصال, وكذلك الحفاظ عليها, ممن يأخذ الفرصة لإدارة البلاد, أياً كانت هذه البلاد.

ومطلوب من الجماهير أن تحافظ علي هذا التنوع المفيد لكي لا تعاني من جديد كما القرون السابق وهذا يتأتى بالانخراط في الثقافات والتجمعات السياسية الاخري بعقل مفتوح ومدرك لأهمية ذلك وليس بطريقة عمياء كي نمنع إنتاج التجارب الفاشلة من جديد,  ولكي لا لنبقي ندور بالساقية دون تفكير أو رؤية أو تطوير.

التعددية مطلوبة ومفيدة, ونعم تحتاج إلي جماهير تحميها لكنها تحتاج من أصحابها العمل الجاد والحقيقي لتوصيل نماذجها وفكرها وممارساتها, والأهم في وقتنا الحاضر وكل وقت أن يكون ممثليها أصحاء عير معتلين, شرفاء غير مذمومين, أصلاء غير متسلقين, أعفاء غير مستغلين وأنانيين.

أخلاقهم تعكس ما يطرحونه ويقولونه للناس, وألا يكون الكلام, كلام ملائكة والفعل فعل شياطين.  وعلي هامش الانتخابات التشريعية التي ستكرس التعددية, أمامكم فرصة ذهبية يا غير فتح وحماس أن تفعلوا ما تقولون, وتقدموا الشريف العفيف اللطيف و النظيف للانتخابات التشريعية, وجماهيرنا حتماً ستحافظ علي التنوع والتعددية إذا ما وجدت نماذجكم خالية من الشوائب.

د. طلال الشريف

7/5/2005

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع