الهُجُنُ الفلسطينية شابت، وشاخت، وشاطت

د. فايز صلاح أبو شمالة

            الحياة لا تنتظر من تعثر، ولا تلتفت إلى من خانته الحوافر، ولا ترحم من تقيد بالعجز، الحياة تلبس أبهى حلتها، وتحتضن بكامل زينتها كل فحل يقتحم خدرها بثابت إرادته، والحياة لا تتوانى، ولا تتلفت يميناً ويساراً، الحياة تهرب من رائحة كل من تساقط في المسير، وتعفن في الهجير، الحياة تنظر إلى الأمام دائماً.

            قبل عشرات السنين كان إيقاع الحياة السياسية الفلسطينية تعزفه أصابع يد فتية مفعمة بالأمل، تبصم أحلامها على الغيم، وتترك صداها في الأفاق، كانت الخطوات السياسية بسرعة الهُجُن التي تعودت المطاردة دون كلل، ولها فعل يطغى على عجز اللحظة.

            عشرات السنين شاب فيها شعر قرار القيادة السياسية ونحلت عضلاتها، وتفككت مفاصلها، ونخر الزمن عظمها، واصطكت ركبها، ولم تعد تتنفس من الرئة ذاتها التي كانت تتسع لهواء الأرض، وتزفر التصميم على السماء.

            ذات يوم كان حلم القيادة السياسية ـ بكافة مشاربها، وتياراتها، وأحزابها، وألوانها من البرتقالي وحتى الأزرق ـ كان الحلم كل فلسطين، وعندما شابت صار الحلم دولة ديمقراطية للشعبين اليهودي في إسرائيل والعربي في فلسطين، لكن خطوات الزمن كانت أسرع، والفعل المضاد كان أنظم، فعصفت الريح بتلال الأحلام التي استقرت على دولة مستقلة في قطاع غزة والضفة الغربية، وراحت الهُجُنُ التي شاختْ تُبَرِّرُ، وتحشد الدلائل على الظروف الموضوعية والعوامل الذاتية التي أوصلتنا إلى هذه الحالة، وبعد سنوات شاط الحلم، وتبخر ماؤه على نار التسويات، وإقامة المغتصبات، وتحقيق المكتسبات، فصارت أمنية القيادة حكماً ذاتيا في غزة والضفة الغربية، على أمل أن يمتد ذات يومٍ إلى حدود دولة مستقلة ذات سيادة كاملة.

            اليوم، وبعد سنوات من الضعف، والإفساد، والوهن المتعمد، هزلت الهُجُنُ الفلسطينيةُ، وتكسر المدى تحت خففها، وصارت تكتفي باجترار ماضيها، وتحتفي بالقليل الذي يلقى إليها، لم تعد الهُجُنُ قادرة على السير، ودك خطاها فوق الرمل، لم تعد الهُجُنُ تقوى على الذهاب إلى المروج بنفسها، وتتقوى على انكسارها، صارت الهجن تحتاج إلى من يقودها، ويرشد مسارها، وهي تعبر الفلاة بين حلم مات، وعجز فات، وصار تفكيرها منحصراً في دويلة هزيلة في غزة، ووهمٌ منقوص لحكم ربما يكون شبه ذاتي في شمال الضفة الغربية.

            فمن سيعيد الهُجُنَ إلى الحياة، أو يعيد للهُجُن الحياة، وهل ستسترد عنفوانها؟!

            أو من سيهمز القعدان السائمة لتتحمل المسئولية، وتشيل عبء المرحلة؟

           

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع