مصالحة ليست تاريخية ؟؟!!!
تحليل سياسي: عباس ضمن البقاء رئيسا لمنظمة التحرير و القدومي فقد حلفاءه السابقين |
عمان - الوطن - من شاكر الجوهري
جاءت المصالحة الثانية بين الرجلين لتؤكد مجددا أن القدومي و عباس هما وجهان لعملة واحدة..
و من بين فئات هذه العملة "تكتيكية المصالحة"، و بنائها على قاعدة من المصالح المشتركة بين أمين سر اللجنة المركزية لحركة "قتح"، ونائب أمين السر، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير و رئيس السلطة الفلسطينية.
ولأن الثقة لم تكن قائمة يوما بين الرجلين، فإن المصالحة بينهما استدعت إجراء تجربة عملية للنوايا تمثلت في:
أولا: إعادة عباس صلاحيات الدائرة السياسية ووزارة الخارجية للقدومي، و تفويضه بتشكيل و ترؤس الوفد الفلسطيني إلى مؤتمر وزراء خارجية دول عدم الإنحياز الذي إنعقد الأسبوع الماضي في كوالا لامبور.
ثانيا: إعلان القدومي عبر تصريحات صحفية أنه يؤيد المبادرة العربية للسلام، ثم توجيهه انتقادات علنية لاذعة للدكتور محمود الزهار وزير الشؤون الخارجية في حكومة السلطة.
ثالثا: حرص القدومي على عدم إدارة ظهره بشكل كامل لحركة "حماس"، التي كان لعلاقاته الحميمة معها الدور الأساس في قبول عباس إجراء المصالحة الثانية معه.
و قد تجلى ذلك في:
• قصر القدومي انتقاداته على شخص الزهار دون حركة "حماس" أو قادة "حماس" الآخرين.
• تأكيده على أن "حماس" جزء من الحركة الوطنية الفلسطينية.
• حرصه على أن يكون أحد بنود المصالحة مع عباس، توجه الأخير إلى دمشق كي يلتقي مع الأمناء العامين للفصائل القلسطينية ليبحث معهم آلية تنفيذ الشق المتعلق بإعادة بناء و تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية من اتفاق القاهرة (17/3/2005).
البند الأخير من تكتيكات القدومي يمثل في واقع الحال قاسما مشتركا مع عباس، الذي لم يدفعه شيء لقبول مصالحة القدومي أكثر من الشوط البعيد الذي قطعه أمين سر حركة "فتح" على طريق صياغة مشروع برنامج تنظيمي لمنظمة التحرير الفلسطينية، والبدء في صياغة مشروع برنامج سياسي، من شأن الإنتهاء منه إحراج كل من القدومي وعباس معا..ذلك أن هذين المشروعين حين يصاغا من وراء ظهر عباس، فإنهما يشكلان حاجزا يحول دونه وتمرير برنامجه السياسي.. أما القدومي فإنه يجد نفسه في هذه الحالة و قد أصبحت مواقفه الحقيقية والإستراتيجية أسيرة مواقفه التكتيكية التي كان جل ما يريده منها هو الضغط على عباس كي يرد له صلاحياته في حركة "فتح" و منظمة التحرير..وهذا ما حدث.
و خشية من أن يجد القدومي نفسه و قد أصبح أسيرا لتكتيكاته، فإنه امتنع خلال آخر زياراته للعاصمة السورية عن الإلتقاء بالأمناء العامين للفصائل، ما دام قرر مصالحة عباس على حسابهم و حساب فصائلهم.. بل إنه لم يلتق اللجنة التي ظل يصر طوال عامين على ضرورة تشكيلها لصياغة مشروعي البرنامجبن التنظيمي و السياسي لمنظمة التحرير، وهي التي تشكلت برئاسة خالد عبد المجيد أمين عام جبهة النضال الشعبي، و شارك في حضور إجتماعاتها تيسير قبعة نائب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني.
عباس معني بالذهاب إلى دمشق، لأنه معني بشكل خاص، بشطب البند الذي يقرر الفصل بين رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ورئاسة السلطة الفلسطينية من مشروع البرنامج التنظيمي الذي وقع عليه جميع أعضاء اللجنة، التي تشكلت من ممثلين للفصائل الفلسطينية الرئيسة.
إذا كانت تكتكات القدومي مع الفصائل الفلسطينية في دمشق هي ما جعل عباس يوافق في نهاية المطاف على مصالحته، فإن هناك جهودا بذلت يجدر عدم التقليل من أهميتها لإنجاز هذه المصالحة، وهي جهود لقيت دوما ترحيبا و تجاوبا من القدومي يفوق الترحيب الذي كان يبديه عباس احيانا، و لا يبديه في احيان أخرى. و قد بذلت هذه الجهود اساسا من قبل عدد من قادة "فتح" ابرزهم وأنشطهم عزام الأحمد، رئيس كتلة "فتح" في المجلس التشريعي، الذي حضر لقاء المصالحة في تونس، والفريق عمر سليمان مدير المخابرات العامة المصرية، المولج بملف فلسطين.
في شباط / فبراير الماضي، وافق القدومي لدى التقائه سليمان في القاهرة على خارطة الطريق، و المبادرة العربية للسلام، و الهدنة الدائمة مع اسرائيل، شريطة التزام اسرائبل بهذه الهدنة، وبكل مراحل و بنود خارطة الطريق، وهو ما أيده فيه المسؤول المصري، لكن عباس رفض التقاء القدومي ومصالحته قائلا أنه لا يثق به.
و الآن، فقد قبل عباس بالمصالحة تحت وطأة تتالي اجتماعات لجنة عبد المجيد في دمشق، وضرورة توحيد الصف الفتحاوي بمواجهة حركة "حماس". و كذلك، فقد كان الخلاف العلني بين القدومي و الزهار شرطا لازما من شروط إتمام المصالحة..!
و مقابل استعادة القدومي صلاحياته كأمين سر للجنة المركزية لحركة "فتح"، عبر إنعقاد اللجنة بكامل اعضائها في عمان في 25الجاري، وإستعادة صلاحياته كرئيس للدائرة السياسية لمنظمة التحرير، ووزير خارجية دولة فلسطين، وهو ما تكرس في ماليزيا، فإن عباس أضاف شرطا جديدا علىالقدومي يكرس خلافه مع "حماس"، هو موافقة القدومي على إجراء إستفتاء شعبي على وثيقة الوحده الوطنية التي توصل لها الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائلية.
و بذلك، فإن نتائج هذه المصالحة يمكن تلخيصها في:
أولا: توحيد "فتح" في مواجهة "حماس".
ثانيا: زيادة الضغوط السياسية على "حماس".
ثالثا: عزل القدومي عن حلفائه خارج "فتح"، وخاصة في "حماس".
رابعا: تكريس عباس رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير إلى جانب رئاستة للسلطة الفلسطينية.
خامسا: إجماع فتحاوي على البرنامج السياسي لعباس.
والسؤال الذي تطرحه هذه النتائج ثلاث هو:
هل سيجد القدومي حلفاء له إن تفجرت خلافاته مع عباس من جديد..؟
القدومي نفسه يعتقد الآن أن الخلافات لن تتفجر ثانية بينه وبين عباس، لأن مصالحتهما الثانية جاءت مشروطة، وليت مثل المصالحة الأولى التي إقتصرت على تبويس اللحى دون وضع أية شروط.
غير أن المستقبل هو المؤهل لكشف كل مستور
|