حزب إلى الأمام الشاروني...إعادة إنتاج لأفكار التوسع
ولنهج الهيمنة
محمـد
العبـد اللـه- 25/11/2005
لم يكن قرار شارون بالخروج النهائي من حزب الليكود الذي كان أحد
مؤسسيه في عام 1973 مفاجئاً لأحد، فقد كانت السنوات الأخيرة من عمر تكتل
الليكود، مليئة بالتناقضات السياسية الداخلية، وكان واضحاً أن شارون
يجابه في صفوف حزبه حركة تمرد تتسع حيناً، وتنكمش في أحيان كثيرة، لكن
المؤكد أنها بقيت موجودة، تعبّر عن ذاتها في كل انعطافة وأمام كل استحقاق
داخل حلبة التجاذبات في ساحة العمل السياسي، وهو ماأكدته النائبة في
الكنيست عن الليكود "نوعامي بلومنتال" بقولها تعليقاً على خروجه من
التكتل (شارون لم يكن ينتمي إلينا من زمن بعيد). وقد جاءت تصريحات أحد
خصوم شارون الليكوديين "عوزي لانداو" بعد إعلان الحزب الجديد لتلقي
المزيد من الضوء على أزمة الليكود المتفاقمة أخلاقياً وسياسياً (عندما
يترك شارون حزب الليكود، الفساد يترك الحزب، إنه يوم مهم جداً جداً، إنها
بداية جديدة للحزب). وقد عبرت الأزمة الداخلية عن نفسها طوال السنوات
الأخيرة من خلال الخلافات الحادة التي برزت في العديد من القضايا، نذكر
منها على سبيل المثال لا الحصر: المسائل المتعلقة بالميزانية، خطة
الإنفصال من جانب واحد "الإنسحاب من غزة" .
من المؤكد أن العوامل التي سَرَّعَتْ بعملية الإنشقاق وتشكيل الحزب
الشاروني الجديد (الذي استبدل اسمه من "المسؤولية الوطنية" لـ "إلى
الأمام" لكون الإسم الجديد كما يصفه روني باراون أحد قادة الحزب (اسم مع
زخم ومع رؤيا، اسم فيه قول، اسم مثير للحماسة) يمكن الاستدلال على وجودها
من خلال عامل خارجي هو صعود عمير بيرتس لقيادة حزب العمل وقراره بانسحاب
وزرائه الثمانية من حكومة "الوحدة الوطنية" مما يشير إلى انفراط عقد
الحكومة والذهاب للإنتخابات المبكرة. فقد أدى انتصار بيرتس في حزب العمل
لانعكاسات عديدة داخل الحياة السياسية في الكيان، فاحتمال صعود أحد
اليهود الشرقيين "السفارديم" لسدة الحكومة، وهوالقادم من قيادة
"الهستدروت"، صاحب البرنامج الإجتماعي / الإقتصادي الموجه لتحسين حياة
المهمشين والفقراء، والداعي جماهير الناخبين وفي مقدمتهم الليكوديين إلى
"عقد اجتماعي جديد بقيادة حزب العمل"، يعتبر "جرس الإنذار" بوجه التكتل
اليميني، مما دفع ببيرتس ليطمئن جمهوره بأن توجهاته تتطابق مع أحلامه
التوسعية بالحفاظ على القدس موحدة وعلى الكتل الإستعمارية ورفض عودة
اللاجئين، وعلى استمراره بالحرب على "الإرهاب". وبروز عامل داخلي هو
فقدان شارون الأمل من حسم قيادته للحزب مجدداً عبر الإنتخابات الداخلية،
من خلال مراقبته لحركة خصومه المتمردين داخل الحزب "نتنياهو، لانداو،
شالوم" واطلاعه على التقارير التي يقدمها له أبرز مؤيديه، التي أكدت أن
أية إنتخابات داخلية، عبر آلية عملها وطبيعة المشرفين عليها، لن تضمن
لشارون ومجموعته النجاح المطلوب.
في البيان الذي تلاه بالمؤتمر الصحفي معلناً قيام حزبه الجديد، أراد
شارون أن يقرأ ورقة نعي حزب الليكود "الحياة في الليكود أصبحت لاتطاق،
مضيفاً "أن الليكود في صورته الحالية لايستطيع أن يقود اسرائيل إلى
أهدافها القومية" مندفعاً بسلوك فرضته عليه صدى وارتدادات خطة بيرتس
الإجتماعية /المطلبية بالإعلان عن التزام الحزب الجديد بـ "حل مشكلة
الفقر وجَسْر الهوة الإجتماعية" والتأكيد على "تبني خارطة الطريق
والتزامه بتنفيذها" ولم ينس إعادة إنتاج تهديداته وإملاءاته للسلطة
الفلسطينية "لا بد من أن ينفذ الفلسطينيون ماهو مطلوب منهم، فلن يكون
هناك تقدم من مرحلة إلى أخرى إلا ّ بعد تنفيذ الإلتزامات" وترجمتها
العملية على أرض الواقع، سحب السلاح المقاوم بضرب منظمات المقاومة مما
سيؤدي إلى صراعات داخلية حادة، وهو ماتناضل القوى الوطنية الفلسطينية
لعدم وقوعه.
لقد أدت عملية ولادة حزب جديد بقيادة شارون والعديد من رموز الليكود
"اولمرت، بويم، شطريت" وبتقدم بعض الشخصيات الأكاديمية / السياسية /
العسكرية للإنضمام للحزب "اريئيل رايخمان، أفيشاي برفرمان، آفي ديختر"
وإعلان حاييم رامون أحد أبرز قادة حزب العمل مغادرة حزبه والانضمام للحزب
الجديد ، لتحجيم دور التكتل اليميني القومي "الليكود" وللإسراع في ولادة
تكتل الوسط الذي يأمل قادته، أن يكون في منتصف المسافة بين الليكود وحزب
العمل، وهو مايشير إلى تغيير أحد قطبي العملية الإنتخابية بمركزيها "
ليكود وعمل " عبر دخول الحزب الجديد كقطب بارز ليعيد تشكيل الخارطة
السياسية بمعادلة جديدة طرفاها حزب إلى الأمام وحزب العمل. لقد جاء تحديد
الإنتخابات في الثامن والعشرين من شهر آذار / مارس 2006 ليضع المؤسسات
القيادية ولأكثر من أربعة أشهر قادمة، أمام حالة من الفراغ المركزي، مما
يشير إلى تحكم القادة العسكريين والأمنيين خلالها، بالسياسة العامة
للكيان، خاصة التعامل مع المحيط.
لقد جاءت نتيجة الاستطلاعات الأولية لتعطي للحزب الشاروني الجديد الحجم
الأكبر من عدد الأعضاء في الكنيست 28 – 32 بما يقارب ربع أعضائه، وهو
مايضمن لشارون رئاسة الحكومة الجديدة، الذي سيليه حزب العمل بعدد يتراوح
بين 24 - 26 عضو، بينما لن يحصل الليكود على أربعة عشر عضواً، خاصة وأن
صراعاً حاداً بدأ بين الراغبين في التربع على قمته، بين رباعي الطموح
القيادي (نتنياهو، موفاز، شالوم ولانداو).
في ظل هذه "الانفجارات الكبيرة" التي هزت الساحة السياسية الداخلية،
خروج شارون من الليكود، وصعود بيرتس لقيادة حزب العمل، يتساءل المراقبون
عن أثر/ تأثر الإدارة الأمريكية في كل ذلك. من المؤكد أن إدارة بوش تفضل
العمل مع قوى يمينية وسطية، خارج عقلية التشنج الليكودي "نتنياهو
نموذجاً" ومتجاوزة لتقليد سارت عليه العديد من الإدارات الديمقراطية وحتى
الجمهورية في الإنحياز لحكومات حزب العمل. فالقادم الجديد ليس من القادة
التاريخيين، ذو نزعة "اشتراكية"!! وليس بمقدوره امتلاك أغلبية برلمانية،
بينما شارون بأفكاره وتجربته وتوافقه مع إدارة البيت الأبيض، سيكون حصان
الفوز في سباق "سلام" الشرق الأوسط بالمعايير البوشية.
إن الحراك الحزبي / السياسي الداخلي في كيان العدو سيعيد ترتيب
أولويات المهام المطروحة على الحركة الوطنية الفلسطينية خاصة على أجندة
السلطة، لأن الرهان "المؤجل" على العودة للمفاوضات قبل زلزال شارون
الداخلي، سيجعل من هذه العودة القريبة أمنيات غير قابلة للتحقق في ظل
رحلة البحث عن حكومة جديدة تدير وضع الكيان. بينما تتأكد الآن أهمية
العمل على ضرورة ترتيب أوضاع البيت الداخلي الفلسطيني لكونه الحاسم
بصموده وصلابته على تحويل الأمنيات الوطنية إلى وقائع . |