حماس وتحديات ما بعد الفوز في انتخابات التشريعي

بقلم: د.محمد إبراهيم المدهون / كاتب وأكاديمي فلسطيني- غزة

إن الفوز الذي ستحققه حماس في الانتخابات التشريعية المقبلة (يناير 2006م – ذي الحجة 1426هـ) لن يعتبر فوزا لحماس في فلسطين وحدها، ولكنه فوزا للخيار الإسلامي في العالم، خاصة هؤلاء الذين ينتهجون النهج الوسطي في العمل الإسلامي، ويرفع لواءه الإخوان المسلمون في العمل الدعوي أو الاجتماعي أو السياسي. بل قد يتعدى ذلك -إذا أحسنت حماس التعبير عن منهجها وتقديم برنامجها في صورة تتناسب مع طموحات وآمال الشعب الفلسطيني- إلى أن يكون فوزا عاماً بكل مكوناتها، حتى من غير المسلمين، بحيث تعبُر الأمة من هوة الاستبداد والفساد والتخلف إلى أفق الشورى (الديمقراطية الإسلامية) والتنمية العادلة والتقدم العلمي.

 

التقدير الموضوعي لتطورات الأحداث يقودنا إلى توقع فوز كبير لحركة حماس. يكون له انعكاسات واضحة سواء على صعيد المحبين لحماس الناصحين لها، أو أولئك الحانقين عليها المخاصمين لها، فالانفعال والرفض والصراع قد يطفو على السطح وما أرجوه ألا تبالغ حماس في المظاهر الاحتفالية و أن لا تكون العاطفة سيدة الموقف خاصة وإننا في أمس الحاجة إلى الهدوء والتعقل وعدم استفزاز الآخرين والدراسة المتأنية لما سيحدث و الشعور بالمسئولية الثقيلة و إرسال رسائل مطمئنة لأكثر من اتجاه بأن حماس لن تنفرد في الساحة وأنها على استعداد للعمل و التعاون مع الجميع من خلال تجسيد الوحدة الوطنية القائمة على الشراكة السياسية الحقيقية للمساهمة بشكل بناء في الإصلاح والتغيير.

وقبل الحديث عن المستقبل، ينبغي أولا أن نوجد تفسيرا لما سيحدث. فلا بد من الإيمان أن هناك إرادة شعبية واضحة تريد الإصلاح والتغيير عبر صناديق الانتخاب بطريقة سلمية على منهج الإسلام، بفهم الإخوان المسلمين المعتدل. وهذه الإرادة ثبت نضجها في انتخابات مصر وسيثبت في الانتخابات الفلسطينية، فلن يصوت الناس لحماس -كما يزعم البعض- لميول انتقامية أو عقابية لأحد؛ لأنه البدائل كثيرة غير فتح كفلسطين المستقلة والطريق الثالث والبديل ووعد وغيرهم و كان الناس يستطيعون الاختيار من بينها.

هذه الإرادة الشعبية يواجهها غياب إرادة جازمة تستجيب لها من جانب السلطة وفتح، وعلى أقل تقدير فإن هناك ترددا وتذبذبا وخلافا داخل السلطة في التعاطي مع إفرازات مرحلة جديدة.

ماذا يجب أن تفعل حماس؟

وعندما نُسأل: ماذا يجب أن تفعل حماس بعد هذا الفوز ووفق هذه المعطيات، وماذا سيكون دورها في المجلس التشريعي الفلسطيني.

إن حماس يجب أن تكون عند حسن ظن من انتخبوها؛ لأنها من تربة فلسطين وقدمت خيرة قادتها وأبناءها شهداء على طريق الحرية، وحماس بالتأكيد تعرف ما يشغل بال الجماهير الفلسطينية وما يهمهم.

ويمكن أن ألخص ما يجب أن يكون عليه موقف حماس ورؤيتها بعد الفوز بالتشريعي بالتالي:

1.     إعادة الاعتبار للمجلس التشريعي كأعلى سلطة في النظام السياسي

2.     عدم التعويل على التشريعي وحده، بل إن العمل خارجه يعتبر الأهم؛ لأن ذلك هو الذي سيؤدي إلى تفعيل المجلس ليقوم بدوره الحقيقي. لذا فالعمل يجب أن يستمر خارج التشريعي في الشارع والجامعات والنقابات وبشكل موازي ومكمل للعمل التشريعي.

3.     التشريعي خطوة على طريق شاق –يجب أن تكمله حماس- نحو الإصلاح الدستوري والسياسي والأمني والاقتصادي. ويجب أن يُستوعب ما سيحدث بهدوء وتعقُّل وتعاون، مع ضرورة اليقين أن التردد أو التلاعب في قضية الإصلاح والتغيير لا ولن تفيد، وأن البديل عن الإصلاح والتغيير هو فوضى مدمرة تفتح أبواب التدخل الإسرائيلي والأمريكي والأوروبي السافر والفتن الداخلية التي تسعى فتح وحماس وكل القوى الخيرة سد الطرق في وجهها ولو على حساب مكاسب يتصور البعض إمكانية تحقيقها. مع العلم أن السلطة (فتح وحماس والآخرين) بعد الانتخابات يجب أن يتوفر لديها إرادة واضحة وجازمة نحو اكتساب شرعية جديدة مستمدة من الشعب الفلسطيني، مع ضرورة إدراك الجميع بأن الشعب الفلسطيني يبحث عن ضوء في نهاية نفق طال المسير فيه.

4.     العمل على فصل السلطات وخاصة السلطة التنفيذية مما سيخدم روح المحاسبة والتي يمثلها التشريعي. مع ضرورة حرص حماس على تشكيل حكومة من خارج التشريعي (تكنوقراط) ويتفق عليها الجميع وخاصة فتح وحماس كحكومة وحدة وطنية وهذا سيخرج حماس من مأزق الاقتراب من الخطر السياسي في العلاقة المباشرة مع إسرائيل وفي ذات الوقت لن يحرمها القدرة على التأثير على مجريات الأمور ولن تصل الأمور إلى حال الشلل السياسي بأن تكون القوة الأكبر في التشريعي دون أن تشكل الحكومة.

5.     على حماس أن تضع في اعتبارها عبر وجودها القوي في التشريعي مساءلة الرئيس عباس ووزارته التي ستتشكل وإن لم تمثل فيها حماس.

6.     على حماس ألا تطلب شيئا لنفسها، وألا تستجدي من العالم وأمريكيا وأوروبا شرعية الوجود، فقد تجاوزت حماس هذه النقطة من زمن.

7.     على حماس أن تسعى إلى فصل العمل الدعوي عن العمل السياسي مع ضرورة خلق مناخ يتسم بالحرية والانضباط والتعاطي مع إفرازات ما بعد التشريعي.

8.     على حماس أن تعمل مع الآخرين من كل التيارات والاتجاهات، من أجل دفع عجلة التغيير والإصلاح بسرعة أكبر؛ لأن الوضع لا يحتمل التأخير. ويجب ألا تكون حماس أبدا سببا في انهيار أو إفشال العمل الجبهوي الائتلافي. وعلى حماس ألا يعيقها العراقيل التي ستوضع في طريق العمل الجبهوي الائتلافي. ولذلك فإن العمل الجبهوي الائتلافي ينبغي أن يكون عنوان المرحلة القادمة خاصة بين فتح وحماس و يحتاج لكي ينجح ويصبح العمل الجبهوي الائتلافي ناجعا إلى فقه جديد وروح جديدة.

9.     إن دور السلطة التشريعية والقضائية يجب أن يتنامى ويتعاظم داخل البيئة السياسية الفلسطينية في المرحلة القادمة وهذا ما يجب أن تسعى إليه حماس. مع ضرورة الحذر من قوى خارجية متربصة تنتظر الفرص وتبحث عن بديل للأوضاع القائمة لتحافظ على مصالحها في المنطقة ولن تسمح بحالة استقرار فلسطيني يساهم في بناء يهدد إسرائيل ولو في المدى الإستراتيجي غير المنظور قريباً.

10.يجب أن تسعى حماس إلى طمأنة الجميع في الخارج وخاصة أوروبا. وعلى خط موازي على الصعيد الداخلي أن تتحمل حماس المسئولية مع فتح وألا تشعر أحد أنها بديل أو أنها بداية جديدة لمرحلة جديدة سيقف فيها الآخرين على قارعة العمل السياسي.

11.على الصعيد الاقتصادي على حماس أن تعمل مع جميع أطراف العمل الاقتصادي سواء على مستوى الدول المانحة ورجال الأعمال، والمستثمرين في الداخل والخارج، والنخب المثقفة، والنصارى من خلال حوارات متواصلة حول كل القضايا الاقتصادية والمعيشية التي تعزز صمود الشعب الفلسطيني.

12.أن يكون لحماس نشاط قوي في إنهاء الفساد والفوضى بكل صورها من فلتان أمني وفوضى سلاح وفساد أخلاقي ومالي وإداري بل حتى الفساد التعليمي والتربوي الذي يهدد مستقبل أجيال فلسطين.

 

أولويات العمل داخل المجلس التشريعي

أما الأدوار التي تقع على عاتق نواب حماس ومن يتفق معها في الرؤية العامة للإصلاح، فهي تحتاج إلى دعم كل المخلصين من أبناء فلسطين (مسلمين ونصارى). فمطلوب -على سبيل المثال- من العلماء والباحثين أن يقدموا للنواب مشاريع قوانين لطرحها، ودراسات حول قضايا فلسطينية مختلفة، ومطلوب من الجميع تقديم المعلومات التي تساهم في مجال كشف الفساد ومكافحته.

ويمكنني أن ألخص أولويات عمل النواب في الآتي:

1.     العمل على إطلاق الحريات العامة وتحرير المجتمع كله من الفساد والفوضى.

2.     تفعيل عمل الأحزاب وتحرير الجامعات وتنشيط العمل الطلابي والنقابي وتنشيط المجتمع الأهلي والمدني.

3.     محاربة الفساد المالي والإداري، وهذا يقتضي فتح ملفات ضخمة وكبيرة، ويحتاج معاونة كل المخلصين بتقديم المستندات اللازمة لكشف المفسدين، وتقديمهم إلى العدالة.

4.     تخفيف الأعباء عن الشعب بمحاربة الفقر، وعلاج البطالة، وتبني كافة القضايا المعيشية التي يحلم بها المواطن العادي.

 

أولويات العمل خارج المجلس التشريعي

أما أولويات العمل خارج المجلس فستكون في مقدمتها الأجندة المجتمعية، بحيث يتم استنفار طاقة المجتمع لصالح المشروع الإسلامي الواسع، وتحفيز الجهود الذاتية لتنمية محلية مستقلة، وابتكار وسائل جديدة للتواصل مع الشعب، والسعي إلى تأطير كل المحبين الراغبين في العمل مع حماس.

نعم إن هناك فرصا كبيرة ستنتجها الانتخابات القادمة أمام حماس، وأمام غيرهم من التيارات، وعلى الجميع استثمارها وتعظيم نتائجها.كما أن هناك مخاطر كبيرة وصعبة تهدد الوطن كله وتهدد مستقبل الأجيال، وعلى الجميع تلافيها وتجنبها.

ففي مجال الفرص نجد هذا الشعور الإسلامي المتنامي الذي بدأ من الثمانينات وما زالت به قوة دفع كبيرة ستزيدها الانتخابات القادمة وما سيظهر فيها من تأييد لمنهج حماس، ويجب تحويل هذا التأييد إلى طاقة عمل لإخراج الواقع من المأزق ودلك عبر تشجيع المشاركة المجتمعية وليس فقط السياسية. مع ضرورة إرساء قيم العمل والإنتاج والعدل والشورى والمحافظة على الوقت وإتقان العمل، كقيم إسلامية تعكس الالتزام الإسلامي. ويمكن على صعيد آخر تصحيح الفهم للمنهج الإسلامي الذي لا يفصل بين العبادات والمعاملات. مع الحرص على استنفار كافة طاقات الشعب الفلسطيني من العلماء والمفكرين في جو من حرية البحث والتجديد وإحياء الاجتهاد الجماعي لبحث كل الملفات الشائكة التي تتعلق بإدارة المجتمع. وهدا بحاجة إلى مصالحة عامة بين الالتزام الإسلامي القوي الذي يمارسه أبناء الحركة الإسلامية وبين العاطفة الإسلامية الجارفة التي يصعب على أفرادها التحول إلى الالتزام القوي داخل صفوف الحركة. وهذا يحتاج إلى ابتكار وسائل جديدة  للاستيعاب والتأطير في دوائر قريبة من حماس. بمعنى آخر تحتاج حماس بجانب الدعوة النخبوية إلى الانطلاق نحو الأعمال الجماهيرية مع ضرورة إحياء الدعوة العامة، وبجانب التربية والتكوين داخل الحركة إلى ابتكار التربية الجماهيرية للمجاميع العامة. ولعل تجربة العمل الحماسي الجماهيري خلال الانتفاضتين يضيف إلى حماس الكثير.

كما تحتاج حماس إلى مزيد من الابتكار في مجال العمل الفني والإعلامي، من خلال زيادة الاهتمام بالكاسيت وإنتاج المسرحيات الملتزمة والأفلام الهادفة، والغناء الهادف والروايات التي تساهم في التقدم والرقي والحضارة ولا يكفي العمل فقط من خلال إذاعة الأقصى أو تفعيل تلفزيون الأقصى الجديد وإنما في الانتقال خطوة إلى الأمام في الإعلام العام الذي يمثل وجه فلسطين عالمياً ولا يمثل حماس كتيار. 

باختصار حماس تحتاج إلى التعاطي مع المتغيرات الجديدة وإيجاد طرق التفكير العمل المبتكرة والخروج من مرحلة النخبوية إلى الفضاء الواسع. حماس لم تعد حركة معزولة بل إنهم كامتداد للإخوان أصحاب خبرة تاريخية، ومنهجهم يقوم على الإدراك العميق والتحليل الدقيق والتضحية. وطريقة الإخوان في العمل تقتضي التدرج في الإصلاح والتعاون مع الجميع –وحماس كذلك-و سبيل الإخوان في العمل يسعى إلى التغيير الحقيقي القائم على تغيير الشعوب والنفوس قبل تغيير الحكومات والسلاطين تطبيقا للآية الكريمة {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} وهدا الأسلوب بالتأكيد لن يترك فرصة للاصطدام ويجب أن تسعى حماس للتغيير المتدرج البطيء.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع