السؤال هل ستبقى فتح أم ستندثر ؟

قراءة في نتائج الدورة الـ (25) للمجلس الثوري لحركة فتح

الاثنين 12 نيسان 2004

بقلم  يوسف الشرقاوي                                                                      

عندما عقدت " فتح " دورة المجلس الثوري الخامسـة والعشرون بعد تأجيل لمدة ثلاث سنوات علما أن هذا المجلس يعتبر حلقة وصل بين المؤتمر العام واللجنة المركزية اعتقد كثيرون أن هذا الاجتماع مفصلي واستثنائي لأنه عقد تحت عناوين طالما كانت مطلباً لكل المخلصين من أبناء الحركة والشعب الفلسطيني .

لكن هذا الاعتقاد سرعان ما تبخر لأن المجلس العتيد بقي أسيراً لا هزوجة " يا جبل ما يهزك ريح " و لم يلامس ولو خجلاً مواقع الفساد وتعثر أداء الحزب الحاكم وانعكاس هذا التعثر على أداء السلطـة وليس مقنعاً على الإطلاق ادعاء البعض وبحجج واهية أن ثلثي أعضاء المؤتمر معتقلين أو مطاردين أو شهداء و سوق الكثير من المبررات غير المقنعه لتبرير عدم وجود حياه نتظيميه سليمه في الحركه , رغم تحديد موعد لعقد المؤتمر الحركي السادس خلال عام من الان. فهذا الموعد كما علمتنا التجربه يمكن ان يتمدد الى ما لا نهايه.

وبدلا من إجراء مراجعة نقدية وصادقة للأداء السياسي والتنظيمي وما آلت إليه ما يسمى بالعملية السلمية ووضعية التقاسم الوظيفي بين الاحتلال والسلطة وإصدار موقف واضح في رفض دور الوكيل الأمني الذي أنيط بالسلطة بموجب اتفاقات أسلو المذلة وصولا للبحث الجدي في إمكانيـة إلغاء وجود تلك السلطة والعودة إلى صيغـة الثورة لإعادة تصويب الوضع وخلق حالة من التطابق بين مضمون الحركة الوطنيـة الفلسطينية وشكلها وجدنا البيان الصادر عن الدورة يكتفي بالعموميات والحلول الوسط هرباً من مواجهـة الاستحاقات الإستراتيجيـة .

ومما يؤكد عدم وجود رغبة في إجراء إصلاح جوهري لأطر الحركة استجابـة لمطلب القاعدة العريضـة من أبنائها أن المجلس الثوري لم يوص باتخاذ قرارات بعزل واستبدال من ثبت تورطهم في الفساد و الممارسات غير الثوريـة الأخرى من الحركة مما أبقى القديم على قدمه .

وبعيداً عن المغالاة والأحكام المسبقة فإن المشهد الذي رأيناه كان صورة طبق الأصل عما حدث في أحزاب وتنظيمات سياسيـة تحللت وتفككت واندثرت وغابت عن الساحـة السياسيـة ،وليس تلك الاحزاب والتنظيمات التي استوعبت المستجدات والمتغيرات السياسية وجددت نفسها وقيادتها لتبقى حيـة وقائدة .

وعود على بدء فإن الوضع الفلسطيني لم يعد يحتمل تقزيم العمل التنظيمي والنضالي إلى مجرد مهرجانات خطابيـة واحتفاليـة والاستعاضـة عن مطلب الإصلاح الجدي والحقيقي القائم على قاعدة التغيير والتجديد في الوجوه والسياسات ومحاربـة الفساد وتوسيع دائرة المشاركـة في صنع السياسات بتوزيع جوائز ترضيـة تتمثل بإعطاء عضوية المجلس الثوري لأشخاص معظمهم لم يثبتوا وجودهم حتى لساعة واحدة في خنادق المقاومة والكفاح .

إن الواقع الفلسطيني الصعب وتنامي الوعي الشعبي واستشراء ظاهرة المافيات وممارسات الزعرنة من قبل جهات وأشخاص منضوين تحت لواء الحركة والسلطة أو محسوبين عليها بات يهدد فعلا لا قولا وجود الحركة ولذلك فإن الضحك على الناس من خلال أحاديث لا قيمة لها عن التصحيح والتطوير والتجديد واعتماد الديمقراطيـة لم يعد ينطلي حتى على شبل فتحاوي واحد .

إن التغيير بحاجة إلى استبدال القيادات التي شاخت وترهلت والإدراك الواعي بان الادعاء بوجود سلطة فلسطينية ذات سيادة يشكل وجودها مقدمة لقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس ، ليس سوى مجرد وهم لا يوجد ما يدعمه مطلقاً على أرض الواقع ، وبعد ذلك الاعلان صراحة ، موت السلطة والعودة إلى الجذور بممارسة نضالية تعيد إلى فتح نضارتها الأولى .

ومن هنا فان ما جرى في المجلس الثوري وما صدر عنه من قرارات لم يرتقيا إلى الحد الأدنى من مطالب القاعدة الجماهيرية للحركة وأبقى القديم على قدمه حتى لو جرى الحديث عن تجديد وتطوير وتصحيح للمسيرة .

ولا اعتقد بأنني أبتعد عن جوهر الموضوع إن قلت بأن المجلس الثوري انعقد لغاية أخرى هدفها يتجاوز كل ما هو معلن إلى الاستجابة لمطلب أمريكي إسرائيلي بتشذيب الحركة وتخليصها من ماضيها وما تبقى لها من حاضر نضالي عبر حل كتائب شهداء الأقصى الذراع العسكري للحركة وإعادة تاهيل عناصرها بتوظيفهم في أطر ومؤسسات يتلقى العاملون فيها رواتبهم بالدولارات النتنة .

ولكن هل تتحقق لأصحاب مخطط تدمير الحركة وتحويلها إلى حزب سياسي "أنجيوزي" بالكامل ما أرادوا ؟ قراءة البيان الختامي الصادر عن أعمال الدورة ومراقبة ما تم يشيران بوضوح إلى أن أصحاب ذلك المخطط فشلوا في تحقيق هدفهم ليس بسبب وجود اتجاه جذري مقاوم داخل المجلس الثوري ولكن بسبب وجود تناقضات جوهريـة بين جناحين متصارعين في الحركة احدهما فاسد ولكنه غير مقبول أمريكياً وآخر فاسد ولكنه مقبول أمريكياً .

بمعنى آخر فقد انتهت الدورة وبقيت على رأس الحركة قيادة تحكم بالفساد والإفساد وتعميم الفوضى وكلمة سرها فرق تسد كوسيلة لبقائها متسلطة على رقاب الناس ومتحكمة في مصير شعب عملاق كان تاريخياً أكبر من كل قياداته . ومع الاحترام الشديد للأصوات المخلصة والصادقة وهي الأغلبية المغيبة عن صناعة القرار في فتح والساحة الفلسطينية فإنه لم يعد مقبولاً ولا لائقا بقاء قيادات فاسدة وفاشلة وضالعـة في صفقات سياسية واقتصادية مشبوهة مع العدو على رأس الحركـة .

فالمطلوب هو قول لا كبيرة وعريضة لكل أولئك, ورفع المطالبة بالإصلاح السياسي والتنظيمي كمطلب يومي لكل أبناء الحركـة المخلصين من دون الخشيـة حتى وللحظة واحدة من التهمة الجاهزة التي ستوجه لهم بأنهم يقفون في نفس الخندق مع أمريكا وإسرائيل اللتان تطالبان بإصلاح القيادة وعزل هذا المسئول أو ذاك كشرط للتعامل مع السلطة الفلسطينية .

فالعدو يطالب بالإصلاح لتحويل الحركة إلى حزب سياسي متأسرل ومتأمرك نهجا وممارسـة ، أما المخلصين فيطلبون بالإصلاح كضرورة لاضطلاع فتح بدورها المقاوم والثوري .

يوسف الشرقاوي
عميد في السلطة الفلسطينية

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع