هل ستغير منظمة التحرير الفلسطينية من
إستراتيجيتها بعد تصريحات فايسغلاس ؟
د.
علاء أبو عامر
أستاذ العلاقات الدولية – غزة
ربما شعر بعض من يراهنون على
الحل السلمي مع الدولة الصهيونية وفق مبدأ إنشاء دولتين متجاورتين (إسرائيل
)
وفلسطين
بالصدمة من التصريحات التي أدلى بها المحامي دوف فايسغلاس، كبير مستشاري
رئيس الحكومة الإسرائيلي، أريئيل شارون، لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، من
خلال
التقرير الذي نـُشر في عددها الصادر، الأربعاء6/10/ 2004 حيث فسر هذا
الأخير معنى
خطة الانفصال من جانب واحد التي أقترحها شارون بقوله : " .إن مغزى خطة فك
الارتباط
هو تجميد عملية السلام و عندما تجمد عملية السلام، فانك تمنع بذلك إقامة
دولة
فلسطينية. وتمنع مناقشة المسائل الخاصة باللاجئين والحدود والقدس وان هذه
المسائل
تمثل صفقة كاملة تسمى الدولة الفلسطينية ، وان هذه الصفقة بكل ما تحمله من
معنى تم
استبعادها لأجل غير مسمى من جدول أعمالنا ، وتم كل ذلك بمباركة الرئاسة
الأميركية
وتصديق مجلسي الكونغرس». واعترف فايسغلاس إن بين أسباب طرح خطة فك الارتباط
كان
التأييد الواسع لمبادرة جنيف، واتساع ظاهرة.
رفض الخدمة العسكرية ، ولم ينف
فايسغلاس إن الانجاز المركزي لخطة شارون الأحادية يكمن في تجميد العملية
السياسية
«بصورة
شرعية»، وقال إن «هذا ما حدث تماما. إذ إن العملية السياسية تعني إقامة
دولة
فلسطينية مع كل الصلاحيات الأمنية المتعلقة بذلك». وقال إن «بإمكان ارييل
شارون أن
يقول ألان باستقامة انه لدينا هنا خطوة جدية ستؤدي إلى عدم تحرك 190 ألف
مستوطن من
مكانهم، من أصل 240 ألف مستوطن».
إن تصريحات فايسغلاس هذه إنما تعبر عن الواقع
الحقيقي لمواقف دولة الاحتلال من قضايا التسوية السلمية في الشرق الأوسط
فكل ما
يضعونه من خطط هي في واقع الأمر ليست سوى شراك للخداع والمراوغة والدوران
في الحلقة
المفرغة إياها التي تعودنا عليها على مدى السنوات العشر الماضية أي منذ
توقيع اتفاق
أوسلو عام 1993 كل ذلك يؤكد أن برنامج شارون وحكومته اليمينية المتطرفة هي
سياسة
قتل وتدمير وضم للأراضي الفلسطينية وتوسيع للمستوطنات ولا مكان فيها لأي
طرح سلمي
جدي ، إذ أن التكتل الحاكم في (إسرائيل) يتكون من مجموعات عنصرية فاشية
تؤمن بقضايا
ذات طابع تلمودي – توراتي ينكر أي حق للعرب في وطنهم فلسطين فهو وفق
اعتباراتهم
الدينية يسمى زوراً وبهتاناً أرض إسرائيل
.
المصادر الفلسطينية تنفي أن يكون
هناك أي رهان من قبل القائمون على توجيه السياسة الفلسطينية في إمكانية
تحقيق تسوية
سلمية وفق مبادئ أوسلو وخريطة الطريق ( البوشية ) مع حكومة ارييل شارون بل
تنظر هذه
الأوساط إلى خطة شارون " للانسحاب من غزة " بعين الريبة والشك وعلى الرغم
من
التصريحات التي تصدر عن هذا الطرف الفلسطيني أو ذاك بخصوص السعي إلى
استئناف
المفاوضات مع ( إسرائيل ) فإن الهدف من هذه المحاولات الفلسطينية يبقى
العمل على
تعرية سياسة الحكومة الإسرائيلية وتجريدها من الذرائع التي تتحجج بها أمام
العالم
فمن وجهة نظر القيادة الفلسطينية ستبقى حكومة شارون في سدة الحكم حتى العام
2007
وهو ما يعني أن تحريك العملية السلمية بشكل جدي هو أمر غير وارد على
الإطلاق في هذه
الفترة فكل ما سوف نشهده من تحركات سيكون ذو طابع إعلامي فقط ولن يكون له
أي تفعيل
عملي على أرض الواقع .. بعض المحللين السياسيين يتوقعون تغييراً ما في
السياسة
الخارجية الأمريكية تجاه قضايا الشرق الأوسط خصوصاً في حال نجاح المرشح
الديمقراطي
جون كيري في الوصول إلى سدة الحكم في البيت الأبيض حيث يأمل هؤلاء أن يقوم
كيري
بمواصلة نهج الرئيس الديمقراطي السابق بيل كلينتون وإخراج الولايات المتحدة
من
المستنقع العراقي ومنح السياسة الأمريكية بعض المصداقية بعد أن فقدت ماء
الوجه أمام
العالم بسبب أكاذيبها المتواصلة فيما يخص العراق والقضية الفلسطينية ولكن
المطلعون
والمتابعون للتطورات التي حصلت في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر 2001 يشككون في
إمكانية
حصول مثل هذا التحول بل إن معظم التوقعات تقول أنه لن يحصل تغيراً يذكر في
مواقف
الولايات المتحدة في الفترة القادمة و بغض النظر عن الحزب الذي ينتمي له
المرشح ،
فالمتابعة الدقيقة لتصريحات كلا المرشحين ونائبيهما تدل على توافق تام بين
الطرفين
في النظرة إلى إسرائيل وقضايا الصراع في المنطقة وفي حال نجح الرئيس جورج
بوش الابن
فإن المتوقع من إدارته هو مواصلة نفس هذه السياسة الرعناء ذات البعد الديني
وعندها
يصبح هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم أمراً وارداً و أمراً كهذا إن
حصل
سيؤجج الصراع الديني في المنطقة وعبر العالم بين العالمين الإسلامي والغربي
ويجعله
أكثر تعقيداً وغير قابل للسيطرة
.
والسؤال هنا هو ماذا ستفعل القيادة الفلسطينية
في حال استمرت هذه الحالة من الجمود السياسي ؟ وفي حال استمر حصار الرئيس
ياسر
عرفات ؟ واستمرت حالة الفوضى الأمنية في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية
؟واستمر
العدوان الإسرائيلي اليومي على المدن والقرى والمخيمات؟ واستمر التدمير
الممنهج
للبنية التحية الاقتصادية الفلسطينية ..؟
ربما الإجابة الجاهزة دائماً والتي
نسمعها من القيادة ومن الشعب الفلسطيني بكافة فئاته هي أننا " سنستمر في
الصمود
والتصدي ولن نتنازل عن الثوابت الفلسطينية في العودة وتقرير المصير وإقامة
الدولة
المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وسنكافح بكافة الوسائل للوصول إلى هذه
الأهداف
" .
هذا بالتأكيد هو واقع الحال بالنسبة للشعب الفلسطيني فبالرغم من كل الآلام
والمعاناة التي يمر بها أبناء فلسطين فإن روح الجهاد والتضحية تبقى هي
السمة
المميزة لشخصية الإنسان الفلسطيني ، ولكن وحتى لا تذهب هذه التضحيات سدى
يرى البعض
أنه من المفروض على القيادة الفلسطينية أن تعمل على تغيير نهجها السابق
وتحويل
إستراتيجيتها من الدفاع إلى الهجوم ، و هنا لا يدور الحديث عن هجوم عسكري
فقد تكفلت
الفصائل الفلسطينية المسلحة القيام بذلك و قد نجحت في خلق حالة من توازن
الرعب مع
العدو الصهيوني ولكن المطلوب هو هجوم سياسي فلسطيني جديد
.
إذ من المعلوم أن
ارتقاء الموقف السياسي الفلسطيني تجاه التسوية في الشرق الأوسط قد مر بعدة
مراحل
تمثلت المرحلة الأولى بإستراتيجية الكفاح المسلح كطريق حتمي و وحيد لانتزاع
الحقوق
المغتصبة وفي العام 1973 أي بعد حرب تشرين الأول / أكتوبر تحول هذا الموقف
إلى
سياسة البندقية المسيسة صانعة الانتصارات بمعنى استخدام السلاح للوصول إلى
هدف
سياسي مرحلي وهو ما عُبر عنه بمشروع الدولة الديمقراطية العلمانية التي
اقترحها
الرئيس عرفات من على منبر الأمم المتحدة ، تلا ذلك اقتراح نايف حواتمة زعيم
الجبهة
الديمقراطية لتحرير فلسطين القاضي بإقامة دولة فلسطينية ثنائية القومية
وعندما
رُفضت هذه الاقتراحات من قبل (إسرائيل ) والولايات المتحدة طور الفلسطينيين
إستراتيجية جديدة بتشجيع من مصر وسوريا وأطراف عربية ودولية أخرى كان يقف
على رأسها
الاتحاد السوفيتي السابق تمثلت فيما بعد بما سمي ببرنامج النقاط العشرة
والذي عدل
في العام 1979ليأخذ صيغته النهائية في ما بات يعرف بعد ذلك بالبرنامج
السياسي
المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي ينص على إقامة السلطة الوطنية
الفلسطينية
على أي جزء من أرض فلسطين يندحر عنها الاحتلال
.
واليوم يمكننا القول أنه بشكل
أو بأخر فقد اندحر الاحتلال عن بعض من أراضي ال 67 وأنشئت السلطة الوطنية
الفلسطينية التي هي قائمة اليوم بالفعل على جزء صغير من الأرض ومنذ أكثر من
خمس
سنوات وعملية التسوية تراوح مكانها بل أن الصراع الفلسطيني الصهيوني قد
تدهور ودخل
في أطواراً أكثر خطورة من السابق وفي ظل انعدام الأمل في وجود أفق منظور
حيث لا
مجال لتحريك العملية السلمية بسبب تعنت حكومة الاحتلال وتغاضي بل ودعم
ومشاركة
الحكومة الصهيونية في واشنطن للكيان الصهيوني الغاصب في كافة أفعاله
العدوانية ،
يرى البعض أن من واجب القيادة الفلسطينية التعاطي مع حلول أخرى مثل التخلي
عن هدف
إقامة الدولة المستقلة و العمل وفق إستراتيجية جديدة تدعو إقامة دولة واحدة
للشعبين
اليهودي والعربي على أرض فلسطين التاريخية وهو ما يعني فيما لو حصل بنظر
هذا البعض
القضاء على الفكرة الصهيونية حيث سيشهد المشروع الصهيوني في المدى البعيد
اندحارا
شبيهً لما حدث لمملكة القدس الصليبية التي تفتت واندثرت رغم استمرارها مائة
عام
ونيف على أرض فلسطين
.
ولكن من يطرحون هذه الفكرة ربما غاب عن ناظرهم أن الأراضي
المحتلة يوجد فيها الآن سلطة وطنية فلسطينية لها مؤسساتها وأجهزتها ،
والقائمون
عليها لن يسمحوا بحلها وإعادة الاحتلال المباشر ، فكي يتم تحقيق هذه الفكرة
(أي
الدولة المقترحة) لا بد من تزاوج بين إستراتيجية الكفاح المسلح مع
إستراتيجية
الكفاح السلمي أو ما يسمى بالنضال السلبي ( ألا عنف ) على طريقة غاندي
والظروف
الموضوعية الحالية تشير إلى وجود فصل شبه تام من الناحية المؤسساتية فإذا
كان
النضال السلمي سيتوجه نحو مقاطعة السلطة المحتلة ومؤسساتها فإن ذلك غير
ممكن في
الحالة الفلسطينية حيث السلطة هي سلطة فلسطينية وليست سلطة احتلال إذا مهما
تصاعدت
التظاهرات وغيرها من الفعاليات الشعبية الداعية للانصهار في بوتقة الدولة
الواحدة
من خلال النضال تحت شعارات مثل المساواة والعدالة والتمثيل في البرلمان
ومؤسسات
الدولة الإسرائيلية ( كما يفعل فلسطينيو العام 1948) لن يكون بوسع أخوانهم
فعل ذلك
كون أوسلو ونتائجه ستكون لهم بالمرصاد فهم في واد غير ذاك ألواد
.
وعليه فليس في
وسع م . ت . ف تغيير إستراتيجيتها في إقامة دولة فلسطينية مستقلة على
الأراضي
المحتلة في حرب العام1967 نتيجة للظروف سالفة الذكر هذا ناهيك عن أن هذا
الهدف
أصبحت تُجمع عليه كافة الفصائل الفلسطينية بما فيها الإسلامية ( حماس
والجهاد
)
وكذلك
الدول العربية والأوربية و دول العالم أجمع.
في ظل هذا الوضع ربما يكون
من الأجدر بمنظمة التحرير الفلسطينية هو تكتيل صفوفها من خلال عملية إصلاح
ديمقراطية شاملة تطال معظم مؤسساتها وإعادة بناء وتفعيل هذه المؤسسات على
أساس أكثر
متانة من الوحدة الوطنية الفلسطينية والتنسيق ألفصائلي على أعلى المستويات
في كافة
المجالات السياسية والعسكرية والإعلامية ومزاوجة العمل النضالي بكافة
أشكاله مع
العمل الإعلامي والسياسي وكذلك تكريس النضال داخل الأراضي المحتلة عام 1967
بالدرجة
الأولى مع أمكانية نقل المعركة إلى (أرض العدو) عند الضرورة القصوى فقط
.... بناء
على هذا التحليل يتبين لنا أنه لا يوجد أمام الشعب الفلسطيني وقيادته من
خيارات إلا
الصمود والنضال والاستمرار في النضال إلى أن تتهيأ ظروف إقليمية ودولية
مناسبة تكون
فيها القوى الحية في أمتنا العربية قد استعادت وعيها وأصبحت ممسكة بزمام
الأمور في
بلدانها فمن غير جبهة عربية وعالمية مساندة للنضال الوطني الفلسطيني يصبح
من الصعب
تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة وطبعاً كل ذلك
لن يتحقق
إلا بالهزيمة العسكرية والسياسية الشاملة للمخطط العدواني الأمريكي
الصهيوني الحالي
الذي يستهدف كل مقدرات الأمة العربية والإسلامية من المغرب وحتى
إندونيسيا..
|