حكومة حماس 2006
سري سمور
قبل عشر سنوات وتحديدا في شهر آذار/مارس 1996م شنت أجهزة الأمن التابعة
للسلطة
الفلسطينية حملة اعتقالات واسعة في صفوف قيادات وأعضاء وأنصار حركتي حماس
والجهاد
الإسلامي على إثر عمليات داخل الخط الأخضر أسفرت عن مقتل عشرات
الاسرائيلين،وقد
تبنت حماس والجهاد الإسلامي تلك العمليات؛السلطة وعلى لسان رئيسها الراحل
ياسر
عرفات سارعت إلى حل الأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية لا سيما حماس
،وتعرض
العديد من المعتقلين في سجون السلطة للتعذيب والإهانة ،ولم يحاكم إلا
أفراد قليلون
فيما بقي المئات رهن الاعتقال بلا محاكمة لمدد زمنية متفاوتة،واستمر
التضييق على
حماس من قبل السلطة بناء على ضغوط أمريكية وإسرائيلية سنوات طوال،ولم
تحصل السلطة
على "المكافأة الموعودة" لضربها حماس ضربات قاصمة وان لم تكن غير قاضية!
بالتأكيد لم يخطر في بال معظم المراقبين آنذاك أن حركة حماس ستصل بعد عقد
من
الزمن وتحديدا في شهر آذار/مارس 2006م إلى رئاسة الوزراء وإلى حوالي 60%
من مقاعد
المجلس التشريعي،وأن د.محمود الزهار ،وهو أحد الذين اعتقلتهم أجهزة
السلطة وتعرض
للتعذيب عام 1996م ونقل إلى المستشفى في وضع حرج،سيصبح وزيرا
للخارجية!كان هذا أشبه
بالخيال،حيث أن حماس تعرضت للملاحقة والتضييق من قبل أجهزة أمن
السلطة،وتعرضت
لعملية "قطع الرؤوس" من قبل شارون الذي عمد إلى تصفية العديد من قادتها
ورموزها
ومؤسسيها مثل الشيخ احمد ياسين ود.عبد العزيز الرنتيسي ،فبناء على هذه
الحرب
المزدوجة يفترض أن تكون حماس في "خبر كان" لا القوة الأبرز على الساحة
الفلسطينية!
لقد عرضت "حكومة حماس" برنامجها أمام المجلس التشريعي وحازت على
الثقة بأغلبية مريحة، وقد قيل وسيقال الكثير عن هذا البرنامج،إلا أن لدي
ملاحظات أو
علامات فارقة لهذه الحكومة الحمساوية العتيدة أتوقع أنه لم يتم التركيز
عليها
بالشكل المطلوب وهي لا تقل أهمية عما يقال
:
حكومة لاجئين
إسماعيل هنية ،رئيس الوزراء المكلف ،هو لاجئ من قرية الجورة قرب عسقلان
داخل
فلسطين المحتلة عام 1948م ،ولعل هذه سابقة،لا سيما أن هنية لازال يقيم في
مخيم
الشاطئ في قطاع غزة ،وهناك العديد من الوزراء الذين يحملون نفس الصفة (أي
اللجوء من
مناطق 48) مثل وزير الداخلية ووزير الشؤون الاجتماعية ووزير الثقافة
وغيرهم ،حماس
بهذا تجنبت الوقوع فيما وقعت فيه حركة فتح ،فأبناء المخيمات دفعوا ضريبة
الدم ولم
ترفع فتح من شأنهم إلا في حدود ضيقة ،علما أن معظم أبناء الشعب الفلسطيني
هم من فئة
اللاجئين ،وكان خطأ فتح هو سعيها لتقوية بعض العائلات التقليدية غير
المرضي عنها
جماهيريا والتي سبق وأن ارتبطت بالحكم التركي ثم الانتداب البريطاني وما
تلاه وصولا
إلى السلطة الفلسطينية سعيا وراء مصالحها الخاصة،حماس التقطت الإشارة
وكأنها تقول
للاجئين الفلسطينيين :"أنتم قدمتم الدم والتضحية ونحن نريد أن نكافئكم
".
التركيز على الشأن الداخلي
لم يكن صدفة قيام إسرائيل بتحويل حاجز قلنديا إلى "معبر دولي" في يوم عرض
حكومة حماس على المجلس التشريعي،وهو أمر يشير إلى طبيعة النوايا
الإسرائيلية،وملامح
ما تسعى إليه من حلول تتمثل في فرض أمر واقع على الأرض؛برنامج حماس ركز
على الشأن
الداخلي أكثر من الموضوع السياسي لوضوح الصورة كون إسرائيل لا تريد
التفاوض وتسعى
لفرض اجراءات أحادية؛الناس في الضفة والقطاع يعانون من الفقر والبطالة
وانعدام
الأمن الفردي بسبب الفوضى والفلتان الأمني ،ويمكنهم في هذه المرحلة العمل
وفق مبدأ
"استراحة
المحارب" فيما لو دفعت حكومة حماس رواتب الموظفين بانتظام وقطعت دابر
الفساد المستشري في مؤسسات السلطة ،وشعر الناس بنوع من التحسن
الاقتصادي،فإنها تكون
قد أنجزت الجزء الهام من برنامجها في هذه المرحلة؛لا سيما أن الرئيس
محمود عباس
أعلن أن المفاوضات من اختصاصه كرئيس وكذلك من اختصاص دائرة المفاوضات في
منظمة
التحرير ،وهو بهذا أراح حماس من الإجابة عن تساؤلات كثيرا ما تم طرحها.
حكومة أكاديميين مقيمين
ضمت الحكومة الجديدة 13 أستاذا جامعيا من جامعتي النجاح (نابلس) والجامعة
الإسلامية(غزة) حاصلين على مؤهلات علمية وخبرة مشهود لهم فيها،لقد كان في
حكومات
فتح مؤهلين لكن طابع حكومات فتح طغت عليه فئة العائدين من الخارج أو ما
يعرف
"بمجموعة
تونس" وهم أناس لم يعيشوا في فلسطين قبل أوسلو ولا يعرفون شيئا عن أحوال
الناس ،وكان من بينهم وزراء مثيرين للجدل وكانت فتح تكتفي بنقل كل وزير
يكثر انتقاد
سياسته من وزارة إلى وزارة أخرى بدل استبعاده من التشكيلة،وزراء حماس
الذين يدرّسون
في الجامعات يحظون باحترام الكثير من الناس،ناهيك عن كون المجتمع يعرفهم
بسبب
احتكاكهم اليومي والمباشر بالجماهير.
انفتاح على الجميع
لقد كان خطاب رئيس الوزراء الجديد إسماعيل هنية منفتحا على كل القوى
والأطراف
الفلسطينية والعربية والدولية ولم يتردد في الحديث عن استعداده لمحاورة
الأمريكيين
كونهم أحد أطراف اللجنة الرباعية؛هذا يبرهن على أن حماس تتعامل
ببراغماتية فاجأت
خصومها الذين ظنوا أن خطابها سيحمل اللاءات والتشنجات والساخن من
الشعارات ،وحرصا
على عدم اتهام هنية بالتكتيك والمناورة ،ترك الباب مفتوحا لمن يريد
المشاركة في
الحكومة،وضمت حكومته وزيرا مسيحيا ،وتعهد بضمان حرية الأفراد ،وبهذا
تجاوز هنية
الكثير من التقولات والشائعات وأجاب بشكل عملي على العديد من الأسئلة.
هذه ملامح
الحكومة الحمساوية عموما،لكن طريقها ليس مفروشا بالورود ،بل هو طريق مليء
بحقول
الألغام ولا يمكن الحكم على الحكومة قبل مضي مدة زمنية كافية،ثم أنها
حكومة ورثت
مؤسسات مثقلة بالخلل ،وهي مؤسسات طغى عليها الطابع الحزبي (الفتحاوي)
أكثر من
الطابع المهني ،كما أن الأزمة المالية التي تمر بها السلطة والشعب
الفلسطيني
كبيرة،يمكن للإصلاحات الإدارية ووقف هدر المال العام الذي ميز الفترة
الماضية أن
يساهم في حل جزء من الأزمة دون أن يعالجها بشكل كامل ،حيث أن السلطة
تعتمد بشكل
كبير على المعونات الخارجية وتتحكم إسرائيل بمجريات
الحياة والعمل في الضفة وغزة
،وهناك تهديدات بقطع هذه المساعدات أو تقليصها بهدف الضغط على الحكومة
الجديدة في
سبيل الاعتراف بإسرائيل،والأخيرة مصممة على مواصلة سياسة الاغتيالات
والاجتياحات
وحصار الحكومة الجديدة بل ومعاقبة الفلسطينيين على اختيارهم وتصر إسرائيل
على منع
رئيس الوزراء من زيارة الضفة،ومنع وزراء الضفة من زيارة غزة!
إجمالا لقد دخلت القضية الفلسطينية مرحلة جديدة وبالتأكيد لن تعود الأمور
إلى
سابق عهدها بغض النظر عن مدى نجاح الحكومة الجديدة وقدرتها على تحقيق ما
وعدت به أو
جزء منه،وهذه المرحلة يمكن وصفها "بمرحلة حكومة حماس" مثلما كان هناك
"مرحلة عرفات"
أو "مرحلة فتح" ،أما ما ستفرزه هذه المرحلة فمن المبكر التنبؤ به.
|