حماس واللحظة المواتية للمرور بين فكي الكماشة
بقلم : عابد عبيد الزريعي
كشفت دعوة الرئيس بوتين لقادة حركة حماس لزيارة موسكو خلال الشهر الجاري
، وما ترتب عليها من ردود أفعال ، عن الكيفية التي وضعتها كل من أمريكا
وإسرائيل لمحاصرة الحركة ، بعد فوزها في الانتخابات التشريعية من جهة ،
وعن حالة من عدم التوافق بين الولايات المتحدة ، وبعض الأطراف الدولية من
جهة ثانية ، وهو الأمر الذي يوفر لحركة حماس لحظة مواتية لتفادي ذلك
الحصار .
فقد بنت أمريكيا وإسرائيل موقفهما تجاه الحركة على أساس حشرها بين
سنديان الضغط الاقتصادي ، من خلال التهديد بتوقف المساعدات للشعب
الفلسطيني ، ومن ثم خلق أرضية مناسبة لرأى عام فلسطيني رافض ومتذمر ،
ومطرقة الحصار السياسي على الصعيد الدولي ، بهدف إجبار الحركة على تقديم
تنازلات استراتيجية ، فيما يخص الاعتراف بإسرائيل والتخلي عن السلاح ،
وبالنتيجة انضباطها غير المشروط بالمسار السياسي المحدد سلفا ، وبذلك
يمكن تعريتها من ثوب فضيلتها .
وإذا كان التمسك بالضغط الاقتصادي ، قد اعتراه ـ إلى
حد ما ـ بعض الفتور ، لكونه سلاح ذي حدين ، يمكن أن يؤذي ـ في الحالة
الفلسطينية ـ من يستخدمه أكثر ممن يشهر في وجهه ، إضافة إلى أن حركة حماس
قد أبدت وحتى هذه اللحظة صلابة ملفتة للنظر في تصديها لهذه المسألة أولا
بالتمسك بالموقف الذي يعتبر تجفيف مصادر المساعدات هو عقاب للشعب
الفلسطيني ، وكشف لزيف الديمقراطية الأمريكية ، ومن جهة أخرى التلويح
بوجود مصادر تمويل أخرى ، يمكن الاعتماد عليها في مواجهة الضغوط
الأمريكية .
فان الرغبة في إشهار سيف الحصار السياسي قد تأججت في اللحظة ، التي وجه
فيها الرئيس الروسي دعوته ، فاتحا بذلك كوة في جدار الصد الأمريكي ، يمكن
لحماس أن تعبر من خلالها إلي فضاء الساحة الدولية ، لذلك اعتبرت إسرائيل
تلك الدعوة طعنة روسية في ظهرها ، ولوحت باستدعاء سفيرها للتشاور ، بينما
تجاوزت أمريكيا حدود الأعراف الدبلوماسية وعبرت عن قلقها من الزيارة
وطالبت موسكو بتوضيحات حول خطوتها هذه .
إلا إن موجة التصعيد الأمريكي الإسرائيلي تجاه روسيا ، لم تلبث واتخذت
مسارا مختلفا عما بدأت به ، خاصة بالنسبة للموقف الأمريكي ، الذي قام
خلال زمن قياسي بحركة تراجع تكتيكي ملفتة للنظر ، وذلك بإعادة صياغة
مفرداته بتعبيره ـ بعد موجة التصعيد الأولى ـ عن احترامه لسيادة روسيا ،
وإبداء تفهمه لحقها في ان تستدعي من تشاء كتعبير عن هذه السيادة .
فهل كانت هذه الليونة المفاجئة ، نتيجة للتطمينات التي تلقتها الإدارة
الأمريكية ، بشان المطالب التي سيطرحها الروس على حركة حماس ، وهو أمر لم
ينفه المبعوث الروسي للسلام في الشرق الأوسط ، أم أن وراء الأكمة ما
ورائها من أسباب وعوامل ، دفعت الإدارة الأمريكية إلى الإسراع في اعادة
تحوير موقفها ، متخذة من الحديث حول التطمينات غطاءا لهذا التحوير ؟؟؟
ان العوامل التي حكمت الموقف الأمريكي في البداية ، تمثلت أولا في موقفها
الداعي لمحاصرة الحركة على الصعيد الدولي ، وثانيا في قراءة متأنية
لخلفيات الدعوة الروسية ، التي رأت فيها محاولة روسية لتجسيد الحضور
كلاعب أساسي في السياسة الشرق أوسطية ، بكل مالها من ارث في المنطقة
التي أصبحت الإدارة الأمريكية تعتبرها حكرا لها ، وطريقة للتعبير عن
القدرة على توجيه اللكمات للسياسة الأمريكية ، التي سبق ووجهت إليها
لكمات عديدة في دول الاتحاد السوفييتي السابقة ، و شكلا من أشكال
المقاومة الروسية للهيمنة الأمريكية ، وهو الأمر الذي يمكن استنتاجه من
الصيغة المدوية التي اختارتها موسكو للإعلان عن هذه الدعوة سوءا من حيث
المكان " مدريد " أو الواسطة العلنية ممثلة في وسائل الإعلام ، وقيام
الرئيس الروسي بإعلان الدعوة ، لذلك جاء الموقف الأمريكي حادا وعالي
النبرة تجاه هذه الخطوة .
لكن الموقف الأمريكي في نبرته العالية ، وجد نفسه محكوما بمتغير مفاجئ ـ
ربما لم يكن في الحسبان ـ تمثل في الترحيب الفرنسي بالدعوة الروسية ،
الذي يكشف في جوهرة عن حالة من التململ الفرنسي ، من محاولة الزحف
الأمريكي على مواقع النفوذ الفرنسية ، ومن المفارقات ان يأتي الإعلان
الفرنسي في اللحظة التي كان يتم فيها الإعداد لزيارة الوفد الأمريكي
برئاسة رامسفيلد إلي بلدان المغرب العربي ، ومن جهة أخرى في موقف الأمين
العام للأمم المتحدة المطالب بعدم التسرع في الحكم على حركة حماس ، وهو
موقف يستند في جوهرة على عدم وجود موقف مسبق لدى الأمم المتحدة من
الحركة ، ويمكن التذرع به من قبل عديد الأطراف غير الراغبة في الالتزام
بالموقف الأمريكي .
وفي تقديرنا ان أمريكيا قد قرأت هذا المتغير ، على ضوء إمكانية تأثيره
السلبي على اللحظة السياسية الأكثر أهمية بالنسبة لها ، والمتمثلة في
سعيها لحشد إجماع دولي حول الملف الإيراني ، في وقت يتزايد فيه امتعاض
عديد اللاعبين الدوليين من السياسة الأمريكية ، ويحاول كل طرف ان يعبر عن
امتعاضه بطريقته الخاصة ، لذلك فضلت الانحناء ـ المؤقت ـ والتكيف مع
الموقف الروسي ، بطرقة تبدو وكأنها حصلت على ما كانت تريده ، وفي ذات
الوقت الصمت عما ورد على لسان كوفي عنان وجاك شيراك .
ولذلك راحت الصحافة الإسرائيلية تتحدث بألم عن " تصدع الموقف الدولي من
حماس " بينما راحت الدبلوماسية الإسرائيلية تحاول صياغة إجماع جديد ، حيث
وجدت ضالتها في ألمانيا ، ولكن وعلى ضوء انجذاب ألمانيا ما بعد شرودر
تجاه الولايات المتحدة ، وفي ظل ارباكات العلاقات الفرنسية الألمانية
والفرنسية الأمريكية ، نعتقد ان ذلك الموقف عرضة لمزيد من التصدع ، بما
يوفر لحركة حماس لحظة مواتية للمرور بين فكي كماشة الضغط الاقتصادي
والحصار السياسي . لكن هل يتم الأمر بسلام ؟؟؟؟؟
|