عندما يتخلى الفلسطيني عن فلسطينيته..!!
عادل أبو هاشم/كاتب
وصحفي فلسطيني- الرياض
ذات يوم سـأل ناجي العلي رسام الكاريكاتير الشهير الذي إغتيل في لندن عام
1987م أحد أصدقائه قائلا : هل تعرف بيير صادق ، رسام الكاريكاتور في
صحيفة " العمل " الناطقة باسم حزب الكتائب ، إنه فلسطيني ... وقبل أن
تجحظ عينا صديقه دهشة واستغرابـًا تابع ناجي العلي كلامه : أجل ..أجل ،
بيير صادق شخصيـًا ، المتخصص بشتم الفلسطينيين والتعريض بهم ، فلسطيني
لحمـًا ودمـًا وأسرة ، وهو تحديدًا من قرية البصة ( قضاء عكا ) ، ثم ختم
ناجي العلي مفاجأته متسائلا : ما هو المدهش في الأمر .. عندما يتخلى
المرء عن كونه فلسطينيـًا فيجب أن نتوقع منه كل شيء ..!!
مرة أخرى تعود قضية الاشتباكات المسلحة بين السلطة وحماس، لتعلو صيحات
الاستنكار حول الفلتان الأمني لتصل هذه المرة إلى اتهام المجلس التشريعي
لحكومة أحمد قريع ووزير داخليتها نصر يوسف مسؤولية الفشل في ضبط الوضع
الأمني المتدهور في الأراضي الفلسطينية، والتوصية بإقالة جميع رؤساء
الأجهزة الأمنية ومعاونيهم (حيث أعلن أحد أعضاء المجلس التشريعي بأن قادة
الأجهزة الأمنية عملوا في كل شيء إلا الأمن.!).
مرة أخرى يصبح القاتل والقتيل فلسطينيـًا تحت ذريعة الحفاظ على وقف
إطلاق النار ..!!
شاهدنا ذلك في أحداث غزة المؤسفة في تموز "يوليو" الماضي ، وفي العديد من
القضايا التي لا داعي لذكرها، وكأن هناك إصرار من بعض قادة الأجهزة
الأمنية على تحويل السلطة التي كانت- ولا زالت- حلم الفلسطينيين إلى نظام
قمعي متخلف يصادم أحلام وآمال وتطلعات شعبهم ..!!
لا نريد توزيع قرابين التهم على أحد ، فالقضية أكبر وأخطر وأدق من أن
تفتح فيها المعارك الجانبية ، وحسبنا ما عانيناه في الخمس أعوام الماضية
من حملة تطهير عرقي إسرائيلية لكل ما هو فلسطيني أمام أنظار العالم
المتحضر.!
ففي هذه الأيام التي جسدت دماء شهداء وجرحى إنتفاضة الأقصى المباركة
الوحدة الوطنية الفلسطينية التي تعتبر أعظم سلاح في يد شعبنا المناضل ،
هذه الوحدة التي عمدت بالدم الفلسطيني وقوة الحق الفلسطيني في مواجهة آلة
الحرب والدمار الإسرائيلية ، والحالة النضالية التي تتطلب توظيف جميع
الطاقات من أجل الحفاظ على مكتسبات الانتفاضة المتمثلة في إنهاء الإحتلال
لقطاع غزة، ينزف الدم الفلسطيني مرة أخرى ، ويستمر تساقط الشهداء بالمجان
..!! ولكن هذه المرة بأيدي فلسطينية ..!!
ما هي الأسباب التي تدفع بالفدائي السابق والذي حمل السلاح ليدافع عن
أبناء شعبه وخاض عشرات المعارك طوال عشرات السنين ليتحول إلى بلطجي وقاتل
وجلاد؟!
هل نحن في زمن الضحية الذي يدافع عن دم جلادة ؟! وماذا يفيد الإنسان لو
كسب العالم كله وخسر شعبه ؟!
أين ذهبت أقوال قادة الأجهزة الأمنية مع بداية إنشاء السلطة الفلسطينية:
(( إن الدرس الصباحي اليومي للشرطي ورجل الأمن الفلسطيني قبل أن يباشر
عمله ستكون المحافظة على الإنسان الفلسطيني حتى لا تذهب دماء الشهداء
والجرحى والمعوقين والأسرى ودموع الثكالى والأرامل والأيتام على مدار
أكثر من قرن من الزمان هباءً منثوراً ، وحتى نفشل العقلية الإسرائيلية
التي تخطط لحرب فلسطينية – فلسطينية تطيح بآخر منجزات ومكتسبات الشعب
الفلسطيني )).
إن أسوأ ما يمكن أن تفعله الضحية هو الاقتداء بسلوك جلادها، ومع ذلك فقد
تمنينا أن تقتدي الضحية الفلسطينية بجلادها الإسرائيلي، وكيف استطاع هذا
الجلاد أن يقيم دولته.!
لقد استبشر الفلسطينيون خيراً في الأيام الأولى لإنشاء الأجهزة الأمنية
حيث أكدت السلطة مراراً وتكراراً بأن الهدف من إنشاء هذه الأجهزة ليس
لتكون عصاه على الشعب الفلسطيني وإنما رافعه له ، وأن أحد مهامها حماية
الشعب الفلسطيني وحقوقه من التجاوزات الإسرائيلية .
وللأسف الشديد فإن ممارسات بعض قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية تجاه
أبناء شعبهم من قتل وإعتقال ومطاردات، قد وضعتهم في المسؤولية الأولى
لحالة الفلتان الأمني التي تشهدها الأراضي الفلسطينية.
(في جلسة المجلس التشريعي في 9/6/2005م أعلن وزير الداخلية نصر يوسف بأنه
لم يستطع أن يفعل شيئـًا إلى الآن، لأنه استلم أجهزة أمنية عبارة عن
بلطجية وحارات وعصابات..!!).
وإذا كان مفهومـًا لدينا سلوك مجرم الحرب (شارون) وحكومته الإرهابية الذي
لا يخرج عن دائرة المتوقع من عدو لا يعرف إلا لغة الإجرام والوحشية
والإرهاب، فإنه من غير المفهوم هو سلوك بعض المتنفذين في السلطة
الفلسطينية المتمثل بجملة من القرارات التي تهدف ليس للقضاء على
الانتفاضة المباركة فقط، بل حتى وصل الأمر إلى تجريد الشعب الفلسطيني من
آخر ورقة يقاتل بها، وذلك من خلال مصادرة أسلحة المقاومة تحت شعار
"وحدانية السلطة" والقضاء على الفلتان الأمني، والحفاظ على الأمن والوحدة
الوطنية.!
لا نريد أن ننكأ الجراح ونـتساءل مع الآخرين : لماذا لم نر أي أثر
لمغاوير الأمن الأشاوس في مواجهة الاجتياحات الإسرائيلية اليومية لمدن
قطاع غزة ومخيماته وقراه ، وما يرافق هذه الاجتياحات لأعمال قتل لعائلات
بأكملها ، ونسف بيوت المدنيين على رؤوس ساكنيها ، واختطاف المواطنين من
أسرتهم .؟! ، ولماذا لا تظهر بنادق الأمن الفلسطيني إلا في مواجهة أبناء
شعبهم في حين تخلى المقرات ويلزم الجميع بيوتهم عند الهجوم الإسرائيلي
.؟!
فللأسف الشديد فقد اختلت البوصلة عند بعض قادة هذه الأجهزة ، وكأن هناك
إصرار من بعضهم على التحول إلى "لحديين" ، والدخول في مواجهة شاملة مع
جماهير الشعب الفلسطيني إرضاءً للعدو الإسرائيلي والإدارة الأمريكية التي
تمني نفسها بحرب أهلية فلسطينية ، وظهر ذلك جليـًا من خلال ممارسات بعض
قادة هذه الأجهزة تجاه أبناء شعبهم في السنوات السابقة- حتى في ذروة
الانتفاضة الشعبية المباركة- من إطلاق النار على طلاب الجامعات
والمتظاهرين ، وحملات الاعتقال للمجاهدين والمناضلين ، وما صاحب هذه
الحملات من إذلال ومهانة لقادة العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني ،
ومطاردات لنشطاء وكوادر الانتفاضة وما يتخللها من إطلاق الرصاص على
المارة ، واعتقال أقارب المطلوب لهذه الأجهزة حتى يتم تسليم نفسه ،
وتسليم بعض خلايا المقاومة للعدو الإسرائيلي.
لقد كان هناك إصرارًا من بعض قادة الأجهزة الأمنية على إتباع خطوات
الإحتلال ، وأن تبقى زنازين المعتقلات والسجون التي كانت رمزاً للظلم
والطغيان الإسرائيلي طوال فترة سنوات الاحتلال البغيضة ، تبقي رمزاً
جديداً لظلم الفلسطيني لأخيه الفلسطيني ؟!!
كنا نتمنى من السلطة الفلسطينية أن تقوم بمحاربة العملاء والخونة الذين
استباحوا المحرمات الفلسطينية، وباعوا أنفسهم للشيطان، وشكلوا الطابور
الخامس الذي أحدث ثغرة واسعة في جدار الصمود الذي شكلته انتفاضة الأقصى.!
فإذا كان مفهومـًا عجز أجهزة السلطة الأمنية عن مقاومة طائرات الـ(F
16)
والأباتشي والتصدي لها حينما تغتال المجاهدين والمناضلين، فإنه ليس
مفهومـًا عجزها عن التصدي للطابور الخامس من جيش العملاء الذي يسرح ويمرح
أمام أسماعها وأبصارها دون أن تحرك ساكنـًا، والتي لا تتم عمليات
الاغتيال دون مساعدة منه.!
لقد أكدنا مرارًا أن الخيار ليس بين إطلاق الزناد وإشعال النار فورًا،
وبين الاستسلام أو التـنظير من أجل السلام والاستسلام، ولكن الخيار
الحقيقي هو أن يقتنع الذين ما زالت في يدهم مقاليد الأمور أن الاستسلام
للعدو الصهيوني هو وحده المطروح، وأن الرد على كل ذلك لا يكون إلا بحسم
خيارهم السياسي بالإنحياز إلى جانب شعبهم الفلسطيني.
كلمة أخيرة:
إن الحق والعدل أبقى وأثبت على أرض وطننا ، وأن إصرار البعض من قادة
الأجهزة الأمنية على التحول إلى " لحديين " والدخول في مواجهة شاملة مع
جماهير الشعب الفلسطيني إرضاءً للعدو الإسرائيلي يشكل طعنة لمسيرة نضال
وجهاد الشعب الفلسطيني المتواصل منذ أكثر من قرن ، وخيانة لدماء الشهداء
والجرحى والأسرى الذين سقطوا على درب الحرية والإستقلال أمام حرب الإبادة
والتطهير العرقي الذي يمارسه العدو الإسرائيلي لكل ما هو فلسطيني ، وقد
علمنا التاريخ إنه لا يرحم ..! ولا يتآمر ..! لكنه يسجل المؤامرات ..!
ولتكن آخر كلمات الشهيد كمال ناصر قبل إغتياله نبراسـًا لكل فلسطيني في
المرحلة القادمة : ( أما القيادات فتتغير ، وأما الأشخاص فسيزولون ،
وتبقى القضية أكبر من القيادات والأشخاص ، ولابد أن يذوب الجزء في الكل
وأن يذوب الكل في الثورة قبل أن تـُسقط الثورة كما فعلت في الماضي القريب
الأجزاء التي لا تستحق الحياة ) ..!!