ظاهرة الفلتان في المؤسسات التعليمية والصحية

بقلم: د. عبد الله أبو العطا *

لم تعد قضية الفلتان الأمني والفوضى تقتصر على الشارع الفلسطيني، ولم يعد يعاني منها المواطن العادي بل تعدت ذلك وتزايدت في الآونة الأخيرة لتشمل وتطال الكثير من المؤسسات والرموز والمراكز التعليمية والصحية كالجامعات والمدارس والمستشفيات. هذه المؤسسات والرموز التعليمية والصحية التي تجسد الوجه الحضاري الأصيل والإنساني الرائع والنبيل في حياة شعبنا الفلسطيني الذي يفاخر بها خلال مسيرة نضاله الطويل والمتواصل، والتي تمثل شواهد حية على عراقة هذا الشعب وقيمه الحضارية ورسالته إلى العالم بأنه شعب أصيل يحب الحياة وله جذره وامتداداته الثقافية والإبداعية العميقة والعظيمة. إن هذه المؤسسات لم تتوانى لحظة واحدة عن تقديم خدماتها وإسهاماتها الجليلة في أحلك الظروف والأوقات التي عاشها ويعيشها شعبنا الفلسطيني المكافح، خاصة خلال انتفاضته الباسلة وما رافقها من ممارسات عدوانية تمثلت في الإجتياحات والاغتيالات ومواصلة بناء جدار الفصل العنصري البغيض.

إن انتقال هذه العدوى إلى هذه المراكز والمؤسسات يمثل التحدي الأكبر لنا جميعاً كسلطة وطنية ومعارضة وفصائل العمل الوطني والإسلامي ومؤسسات القطاع الحكومي والمجتمع المدني، وكمثقفين ومهنيين وأولياء أمور، ويحتم علينا ضرورة التصدي لهذه الظاهرة ومعالجتها قبل استفحالها وقبل فوات الأوان. لقد تكررت في الآونة الأخيرة حوادث الاعتداء على حرمة المراكز التعليمية والصحية وطالت الكثير من الرموز والكوادر العلمية من أكاديميين ومعلمين وأطباء وطواقم طبية داخل أسوار الجامعات والمدارس والمستشفيات وأحياناً تأخذ بعداً عائلياً وعشائرياً أصبح يهدد وحدة النسيج الاجتماعي ويعيق عمل هذه المؤسسات ويؤدي إلى تعليق العمل فيها بل يصل إلى إغلاقها أحياناً لفترات زمنية ليست بالقصيرة. إن هذه الأفعال التي يقوم بها نفرٌ قليل من الشراذم الذين يتحصنون إما بالعائلة أو الفصيل مستغلين حالة الفوضى وانعدام القانون السائدة في مجتمعنا يدفع ثمنها الكثير من طلابنا وأبناء شعبنا الذين هم بحاجة ماسة إلى هذه الخدمات.

وللوقوف عند هذه الظاهرة ودراستها والبحث عن سبل معالجتها والحد منها فانه لابد من الإشارة إلى عدة عوامل تتداخل وتتفاعل معاً في العملية التربوية والتعليمية لتحقيق الأهداف المرجوة منها وتبدأ بدور الأسرة في المتابعة والاهتمام والتربية وتزويد أبنائها بالأنماط السلوكية المختلفة بشكل يتكامل ويتفاعل مع دور ورسالة المدرسة والجامعة، كذلك رسالة الجهات المختصة والمعنية والمقصود هنا رسالة التربية والتعليم ومن خلالها إدارات المدارس والجامعات المختلفة ودورها في توفير البيئة والمناخ التعليمي السليم من حيث المكان والتجهيزات المختلفة التي تلبي احتياجات الطلاب وتناسب حجم المدارس وفصولها ومعلميها مع عدد الطلاب الدارسين فيها وضرورة توفير الصحة المدرسية والإخصائيين الاجتماعيين، هذا عدا عن ضرورة إعادة النظر في المناهج التعليمية في المدارس الأساسية وتناسبها مع قدرات الطلاب ومستوياتهم الذهنية والعقلية، وضرورة التعامل مع المدارس والمناطق بنفس الدرجة من الاهتمام وعدم إتباع معايير مزدوجة من حيث توزيع الكفاءات وحجم التعيينات وجعل بعضها نموذجية وذات خصوصية على حساب الأخرى. كذلك لا بد من إعادة النظر في مسألة الترفيع الآلي الحاصل في المدارس ومسألة الثواب والعقاب حيث أن بعض النظم الغربية الحديثة المتبعة تحمل في طياتها الكثير من السلبيات التي تضعف من شخصية المعلم وتقلل من هيبته أمام الطلاب، كذلك لابد من الاهتمام بأوضاع المعلم وتحسين ظروفه المعيشية والحياتية، لأنه الركيزة الأساسية في العملية التربوية، فلا بد من رفع معنوياته وتحسين صورته أمام الطلاب ليواصل أداء رسالته العظيمة بشكل مبدع وخلاق وان لا يضطر للبحث عن سبل رزق وأعمال أخرى لتحسين أوضاعه المادية لان ذلك سيكون حتماً على حساب الطلاب في المدرسة 

اما في الجانب الآخر فهناك رسالة المجتمع لما يحتويه من شرائح وطبقات اجتماعية متعددة المشارب والثقافات والألوان ودور مؤسسات الفكر والثقافة ودور وسائل الإعلام ومؤسسات التوعية والإرشاد وخطباء المساجد ودور الشرطة وحفظ الأمن والنظام وضرورة خلق حالة وعي وحراك وتفاعل اجتماعي لمواجهة هذا التدهور وهذه الأخطار التي باتت تهدد العملية التربوية التعليمية برمتها. من هنا تبرز الحاجة الملحة لبلورة وابتكار أشكال وأساليب عمل مختلفة لدعم ومناصرة العملية التعليمية من اجل الحفاظ عليها وحمايتها ومن اجل دراسة المشاكل التي تعيق هذه العملية وتشخيصها ووضع الاصبع على الجرح وإيجاد الحلول المناسبة لها قبل وقوعها وذلك من خلال تكثيف اللقاءات مع إدارات المدارس والجامعات والمراكز الصحية لمعرفة طبيعة المشكلات التي يعانون منها وحجمها وكيفية التعاون معهم في التصدي لها وحلها. كذلك من المفيد الاهتمام بتفعيل مجالس الآباء والتأثير عليهم لتحسس مسؤولياتهم تجاه أبناءهم والتعاون مع المدرسة وعقد الندوات واللقاءات الشعبية بحيث تضم قطاعات واسعة من المختصين وأولياء الأمور ورجالات القانون والتربية والتعليم والوجهاء وإشراكهم في معالجة هذه القضايا والوقوف بكل حزم ضد كل من يخالف قوانين المدرسة والجامعات وضد كل مثيري الفتن والنزاعات وضرورة نزع الحصانة والحماية العائلية والتنظيمية عنهم ومنع دخول السلاح الى داخل أسوار المدرسة والجامعة أو المراكز الصحية فلا سلاح داخل المدارس والجامعات سوى الكتاب والدفتر والقلم.

* الكاتب طبيب فلسطيني يقيم في مدينة غزة.

28 تشرين أول 2005

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع