حركة فتح:خسارة جولة أم سقوط برنامج
حركة فتح:خسارة جولة أم سقوط برنامج؟!
بقلم:سري سمور/جنين-
14/3/2006
في ميدان التنافس الديموقراطي بين الحركات والأحزاب والكتل السياسية
الصغيرة والكبيرة يكون هناك رابح وخاسر في جولة انتخابية وقد تنقلب
المعادلة في الجولة القادمة؛في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا يفوز
مرشح جمهوري ويخسر منافسه الديموقراطي وقد تنقلب الصورة في جولة
لاحقة،وهذا ينسحب على معظم الدول التي يتنافس على قيادتها حزبان رئيسيان.
هل ما حصل في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس هو مثال على هذا؟بعض وسائل
الإعلام وصفت ما حدث بأنه "تسونامي سياسي" ،ومعروف أن تسونامي في أحد
نتائجه قد غيّر خارطة الكرة الأرضية ،فهل تغيرت خارطة السياسة الفلسطينية
فعلا أم أن ما حصل هو خسارة الحزب الحاكم الذي تمثله حركة فتح في الحالة
الفلسطينية لجولة انتخابية في مواجهة المنافس الأكبر وهو حركة حماس ،وقد
تنقلب الصورة في الجولة القادمة؟الآراء متباينة عند الإجابة على هذا
السؤال؛البعض وصف حالة حركة فتح بحالة المصاب "بسكتة دماغية" ،والبعض
–خاصة من مناصري فتح وعناصرها- يرى أن لكل جواد كبوة وأن حركة فتح ستعود
إلى سابق عهدها وستحقق الفوز في الجولة القادمة سواء في الانتخابات
العامة أو المحلية،والبعض يرى أن حركة فتح أصيبت بمرض عضال جعلها بحاجة
من الآن فصاعدا إلى شريك ،لكنها تظل الحركة الأهم والأكبر رغم هذا المرض!
أي الآراء أقرب إلى الحقيقة؟يضطر الفلسطينيون شاءوا أم أبوا إلى النظر
إلى الدولة العبرية وأحوالها على سبيل المقارنة، لأن معظم الحيثيات
السياسية داخل البيت الإسرائيلي سببها الوضع الفلسطيني وبالعكس؛ حزب
العمل الإسرائيلي هو الحزب الذي أقام وأسس دولة إسرائيل،وهو الحزب الذي
خاض حروبها الرئيسية،وهو الحزب الذي وقع زعيمه اتفاق أوسلو مع منظمة
التحرير الفلسطينية ،وهو الحزب الذي انسحب من جنوب لبنان،فهو حزب التأسيس
والحرب والاتفاقيات والانسحابات،وظل حزب العمل في منافسة قوية مع خصمه
السياسي وهو حزب الليكود في كل جولات انتخابات الكنيست،لكن حزب العمل
اضمحل وضعف في السنوات الأخيرة ،وعندما أسس شارون حزب "كاديما" تفوق على
الحزبين الكبيرين حسب استطلاعات الرأي ليكون الحزب الثاني بعد كاديما هو
حزب الليكود يليه حزب العمل،فحزب العمل لم يشطب من الخريطة السياسية
الإسرائيلية ،لكنه انتقل من المرتبة الأولى إلى الثانية ثم الثالثة
ثم.......!! فهل حركة فتح تجسد حزب العمل لدى الجانب الفلسطيني،أم أنها
كالحزب الديموقراطي أو الجمهوري في الولايات المتحدة؟
لا أريد الخوض أكثر في موضوع الأحزاب الإسرائيلية، لكن التدهور الذي شهده
وضع حركة فتح ليس بالحجم الصغير، فحركة فتح في يوم ما كانت تنافس على
نسبة 80 إلى 90% كحد أدنى والآن تنافس من أجل 50% كحد أقصى.
المشكلة في فتح ليست فقط في بنيتها التنظيمية وتورطها أو تورط بعض
قياداتها بشكل كبير في الفساد الموجود في السلطة الفلسطينية،فهذا جزء من
كل،لكن الأهم هو برنامج الحركة الذي لم يعد يتلاءم مع الواقع ويعاني من
التخبط والضبابية،حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) انطلقت بهدف معلن
وهو تحرير فلسطين مطلع عام 1965م ،أي قبل احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة
عام 1967م ،ثم انتقلت الحركة إلى المطالبة بتحرير الأراضي المحتلة عام
1967م ،وتقلص دور البندقية الفتحاوية لصالح المفاوضات والسعي للتوصل على
تسوية مع إسرائيل،وتحول مطلب تحرير الأراضي الفلسطينية عام 1967م من خطوة
تكتيكية مرحلية نحو تحرير كامل التراب الفلسطيني إلى هدف استراتيجي،وتاهت
الحركة في دهاليز "الوظيفية " بعد تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994م
لتطغى الأهداف والغايات الشخصية على المصالح الوطنية أولا والحركية
ثانيا.
لقد عاشت فتح واستمرت رغم أن برنامجها تغير منذ أمد بعيد لأسباب عدة، ومن
أهمها وجود شخص الرئيس ياسر عرفات، فهو الخيط الذي نظم حبيباتها مختلفة
الألوان والأحجام وهو الذي استطاع أن يمارس الزعامة السياسية والقيادة
لتنظيم ثوري في نفس الوقت، ولهذا رأينا "كتائب شهداء الأقصى" في شوارع
غزة وجنين ونابلس ورام الله وغيرها ورأينا قادة من فتح يسعون لحل الكتائب
أو احتوائها دون أن ينالوا مرادهم لأن عرفات لم يكن معنيا بالأمر،عرفات
كان قادرا على توحيد فتح واللعب على تناقضاتها وقيادة هياكلها وسلطتها
التي أنشأتها ،هذا بغض النظر عن أسلوبه وأخطائه،رحيل عرفات كشف المستور
،وأظهر ضمور برنامج فتح للجمهور،ولم تعد الحركة قادرة على الرجوع للخلف
لتتحول إلى حركة سياسية تدعو إلى التسوية مستعينة باعتراف العديد من
الأطراف الدولية بها مع تعنت وصلف إسرائيلي لا يقبل التأويل أو يحتمل
الأوهام والأحلام،ولم يعد باستطاعتها العودة إلى الأدبيات الثورية
القديمة،لأن الكثير من القادة على مختلف المستويات باتوا أصحاب مصالح
ومناصب وامتيازات يصعب عليهم التخلي عنها،فغدا برنامج فتح مشلولا أو لا
وجود له إلا في أحاديث الترف السياسي النظري ،ودخلت فتح وهي بحالتها هذه
في منافسة مع خصم متمرس واضح الاستراتيجية ،محنك في طرحه التكتيكي،متسلحا
بغضب الجماهير الفلسطينية من تراكم السلبيات وتعاظم الأخطاء ،فكان ما
كان!
إصلاح البرنامج لا يبدو مطروحا عند حركة فتح، فهي تتمسك بخريطة الطريق
،وكأنها لم تسمع بلاءات شارون الأربعة عشر عليها،ولا ترى مضي إسرائيل
قدما نحو الحل المنفرد بحجة عدم وجود شريك فلسطيني في عملية التسوية،وهي
لا زالت تراهن على تغير الموقف الأمريكي من إسرائيل ،وهي مراهنة طال
أمدها ،وبانت خسارتها؛هذا من حيث البرنامج،أما من حيث الوضع التنظيمي
والحركي،فحدث ولا حرج؛ففتح ألصقت خسارتها بمن رشحوا أنفسهم كمستقلين
،متناسية أن أسباب الخسارة يتحملها الكبير قبل الصغير،وفتح تصر على قيادة
نفسها بنفس الوجوه مع إجراءات تغيير تبدو ديكورية ،والكل يتحدث عن وجود
الخلل ويسهب بمناقشة مواضيع الفساد ويرى نفسه نقيا دون الحديث بصراحة عن
المفسدين بأسمائهم،والكل يرى أنه مؤهل للقيادة وتولي رئاسة الهياكل
التنظيمية ،إلى آخر قائمة المثالب التي يعرفها كل مواطن فلسطيني.
وفي معرض سعيها لإسقاط حماس،حصرت حركة فتح الأمر بقدرة حماس على توفير
رواتب الموظفين،وهو ما سيضعف موقفها حين تتمكن حماس من دفع الرواتب،وفتح
ترى أن فشل حماس هو نجاح لها وهو أمر غير صحيح لأن الجماهير الفلسطينية
قررت السير للأمام وعدم تكرار تجربة من تمت تجربته سنينا طويلة،فحتى لو
فشلت حكومة حماس المقبلة فهذا لا يعني أن فتح ستعود إلى سابق عهدها كرقم
واحد على الساحة الفلسطينية ،ولن يتحقق ما تتوقعه فتح من خروج الجماهير
إلى الشوارع مطالبين بإسقاط وتنحية حماس التي أحضروها إلى الحكم بطريقة
ديموقراطية وبأغلبية مريحة،لأن هذا لم يحدث في ظل الفساد والفوضى فكيف
يحدث لمجرد إخفاقات تظل في خانة التوقع والاحتمال وهي ستكون ناجمة عن
ضغوط خارجية،علما بأن الشعب الفلسطيني معروف بتحديه وصلابته أمام ضغوط
الإسرائيليين والأمريكيين المتعلقة بتعيين قيادة مكان أخرى،ولو صح ما
يتردد في وسائل الإعلام من كون رفض أو تردد فتح في المشاركة في حكومة
تقودها حماس ناجم عن رغبة قادة فتح في عدم إغضاب الأمريكيين فهذا بلا شك
سيقلل من شعبية الحركة المتدهورة أصلا، ومما يفاقم من صعوبة موقف فتح
،مطالبتها تصريحا أو تلميحا باعتراف حماس بإسرائيل ،فظهرت للناس وكأنها
ناطق بلسان أطراف معادية للشعب الفلسطيني.
استمرار حركة فتح في التصميم على عدم تعديل برنامجها وطرحها السياسي،بل
إصرارها على ضرورة تبني من فازوا بالانتخابات لهذا البرنامج الذي ثبت
ضعفه وخلله، إضافة إلى عدم معالجة الأخطاء وضبط وترميم البنى و الأطر
الحركية والتنظيمية التابعة لها سيدخلها بلا شك في حالة "غيبوبة" ،ولن
يكون من وصفها بأنها باتت كالأحزاب الشيوعية في شرق أوروبا بعيدا عن
الصواب،فهل تعي فتح أن عليها الإسراع بعرض برنامج شفاف وواضح وصريح ،وتكف
عن الاعتماد على عوامل وضغوط خارجية على منافسها؟حتى اللحظة الجواب هو أن
فتح لم تقرأ الوضع بشكل صحيح وأنها متجهة نحو وضع لا تحمد عقباه بالنسبة
لها!
|