فتح إذ تواصل مطاردتها لحكومة حماس |
ياسر الزعاترة
صحيفة الشرق القطرية 1/5/2006
لم تكن تصريحات رئيس المكتب السياسي خالد مشعل في دمشق هي التي أشعلت
المواجهة بين حركتي فتح وحماس، ذلك أن مواجهة كهذه لم تتوقف منذ فوز
الثانية في الانتخابات التشريعية قبل أكثر من شهرين، وإن لم تصل حد
المظاهرات والحرائق، أما جوهرها فيتمثل في النزاع على الصلاحيات، إضافة
إلى مساعي فتح لإفشال الحكومة وردود حماس عليها.
عندما تتابع إذاعة فلسطين الرسمية والتلفزيون الرسمي، وكذلك حال الصحف
اليومية تستغرب تلك الحملة اليومية المتواصلة على حركة حماس ورئيس
حكومتها ووزرائها، إلى درجة السخرية المفرطة منهم جميعاً، مع العلم أن
مسؤولي هذه المؤسسات جميعاً، فضلاً عن الموظفين هم من عناصر السلطة الذين
على حماس أن تتسوّل هنا وهناك من أجل توفير رواتبهم.
هل يحدث في أية دولة في العالم أن تتحول الحكومة المنتخبة إلى مادة
للسخرية قبل أن تأخذ الحد الأدنى من فرصتها في مواجهة الأزمات التي
تنتظرها؟
ما أشرنا إليه هو الشق الثاني من مشهد المعركة بين سلطة فتح وحكومة حماس
التي تتواصل حلقاتها في الساحة الفلسطينية، وهو شق يتعلق بمساعي الإفشال
اليومية التي تركز في جانب أساسي منها على عنصر التشويه والإثارة
والتسخيف والسخرية من كل سلوكيات الحركة الفائزة في الانتخابات، فما أن
يتفوه وزير أو قائد من حماس بتصريح هنا أو هناك، أو تنقل على لسانه عبارة
ما حتى تبدأ الأجهزة الإعلامية في السلطة بملاحقتها بالتضخيم والتشويه
وصولاً إلى الإيحاء للناس بأنهم إزاء حركة مسكونة بشهوة السلطة وأنها
ستدفع على أعتابها أكثر بكثير مما دفعته حركة فتح، وأن التنازلات ستكون
خبزها اليومي خلال المرحلة المقبلة.
مديرو حملة التشويه المشار إليها لا يشعرون بالطبع بكثير من التناقض
عندما يربطون بين توقف المعونات وبين مواقف حماس، لأن لكل جانب من الحملة
جمهوره المستهدف، ففي حين تتوجه السخرية من حكاية الزعتر والزيت والزيتون
الذي قال إسماعيل هنية بأن الشعب سيعيش عليه إذا كان البديل هو الركوع
إلى عموم الجمهور، تميل حملة التحريض على تأخير الرواتب إلى جحافل ممن
ينتظرونها، وتغيب الروح الوطنية عند كثير منهم أمام واقع الحاجة، ومعها
الأسئلة المتعلقة بمن رهنوا القرار الفلسطيني بالمواقف الإسرائيلية
وبالمعونات الأجنبية، إذ بدلاً من إدانة هؤلاء يصار إلى إلقاء الكرة في
ملعب حماس مع قدر كبير من الكذب عبر ترويج شائعات عن رواتب تدفع فقط
لعناصر الحركة دون سواهم.
عملية تحريض وسخرية وكذب وتشويه تتواصل على نحو يومي من دون أدنى إحساس
بالمسؤولية، ومن دون أدنى ترتيب للأولويات، لأن الأولوية الأولى بالنسبة
للقوم لم تعد سوى النجاح في إسقاط هذه الحكومة بعد النجاح في تشويهها
وإخراجها من اللعبة بقدر قليل من المصداقية، بما يوفر الفرصة للإبقاء على
هامش من الديمقراطية لا يسمح لها بمنافسة الحركة (الأم) على حكم الشعب
الفلسطيني.
في الجانب الأول، وربما الأكثر أهمية، لأنه برأي قادة فتح عنصر أساسي في
لعبة الإفشال، يتواصل إمساك فتح بسلطتها من دون تنازل عن صلاحيات حقيقية
وجوهرية يمكن لحماس أن تقدم من خلالها نماذج في القوة والنزاهة والعطاء.
منذ الأيام الأولى كان الرأي الذي استقر عليه قادة فتح هو منح الحكومة
لحماس مع الإبقاء على السلطة بيدهم، وهذا هو الجانب الأساسي من المعركة
الدائرة، ذلك أن التلفزيون والإذاعة والصحف ليست المؤسسات الوحيدة التي
تسيطر عليها فتح، فهناك إلى جانبها مؤسسة الأمن وعلى رأسها المخابرات
والاستخبارات. وحتى الأجهزة الأمنية الثلاثة التي أبقاها القانون الأساسي
بيد وزير الداخلية لم تمنح له عملياً، إذ أصدر الرئيس الفلسطيني محمود
عباس قراراً بتعيين رشيد أبو شباك مراقباً عاماً للأمن الداخلي، والنتيجة
هي نزع صلاحيات الوزير، وحين قرر هذا الأخير إنشاء كتيبة أمن مشكلة من
عناصر في الأجنحة العسكرية للفصائل بهدف ضبط الانفلات الأمني بادر الرئيس
إلى إلغاء القرار بوصفه عدواناً على صلاحياته، متناسياً أن تعيين أبو
شباك كان عدواناً على صلاحيات الحكومة والوزير، ومتناسياً أن من حق
الحكومة أن تبادر إلى كل ما من شأنه ضبط الوضع الأمني، لاسيما وأن أكثر
المتهمين بإثارة الفوضى هم من عناصر تلك الأجهزة الذين تخصصوا في ترويع
الناس ولا علاقة لهم بمقاومة الاحتلال.
لا تسأل بعد ذلك عن نزع دسم الصلاحيات من كل الوزراء في الحكومة عبر
المديرين العامين والموظفين الذين ينتمون جميعاً إلى فتح ولديهم ذات
التوجه الذي عنوانه إفشال تجربة حماس، ويشار هنا إلى عجز الوزير الحمساوي
عن إحداث أي تغيير في بنية وزارته من دون أن يتعرض إلى تهديدات من يسمون
أنفسهم كتائب الأقصى، وهم في الحقيقة من عناصر الأجهزة الأمنية، مع العلم
أن حماس في الضفة الغربية لا تملك مسلحين يمكن أن يخرجوا إلى الشوارع
شاهري أسلحتهم، ولو علم أن لدى أحدهم بندقية لفرض حظر تجول على مدينة
بكاملها من أجل اعتقاله أو تصفيته.
لعبة لا يمكن إلا أن تفتضح، إذ لا يعقل أن تكون مهمة حماس هي تحرير إرادة
الشعب الفلسطيني من ربقة الاحتلال من خلال مصادر مالية بديلة؛ فقط من أجل
دفع رواتب موظفين لا يحترمون قراراتها، ولا يعقل أن تسكت على كل أشكال
الفساد الماضية والقائمة، وحيث لم تعد إلى خزائن السلطة أية أموال من
التي قيل إنها سرقت منها خلال السنوات الماضية، فيما لا يوجد أي معتقل في
السجون يمكن أن يساومه المعنيون على إعادة شيء منها.
أياً يكن الموقف مما قاله مشعل، فإن الردود العنيفة على مجرد أقوال هي
التي تستحق الإدانة، وعلى أية حال فإن ردود الفعل الفتحاوية كانت ستتبطن
هذا البعد، ومن تظاهروا وخربوا وحرقوا هم أزلام أولئك الذين ينهبون أموال
الشعب الفلسطيني ويسهرون مع الإسرائيليين في ناتانيا وتل أبيب، لأن بضع
عشرات أو حتى مئات من المسلحين أو غير المسلحين لا يعبرون عن نبض الناس،
ولو أرادت حماس الرد بذات الطريقة لأنزلت مئات الآلاف إلى الشوارع، لكنه
الحرص على دماء الناس ومصالحهم.
واقع لا يمكن أن يستمر، فإما أن تكون حماس حكومة حقيقية تمارس صلاحياتها
أو لا تكون، أما لعبة إفشالها وتشويهها في آن معاً فلا يمكن أن تتواصل،
ومن يعتقدون بإمكانية ذلك سيكتشفون أنهم واهمون، ومن الأفضل لهم أن
يختاروا أحد الطريقين ما داموا غير معنيين بمصالحهم الشخصية ولا صلة لهم
بمصالح الشعب الفلسطيني ومسيرة تحرره من الاحتلال.
|