الدكتور ابراهيم ابراش
لا أدري ما الذي دهى حركة فتح حتى باتت بما هي عليه من وضع لا يسر الصديق
ويُشمت بنا الأعداء والخصوم السياسيين ؟لا ادري ما الذي جعل الخطر على
فتح من( الفتحاويين ) أكثر مما هو من غير الفتحاويين ؟لا ادري لماذا
غابت قيم ومبادئ وصدق الانتماء ودافعية العطاء والتضحية عن كثير من أبناء
فتح ؟ لماذا أصبح الخوف على فتح من غير الفتحاويين من أبناء الشعب
المخلصين أكثر من خوف أبناء فتح على حركتهم ؟لا ادري لماذا لا يتعلم
أبناء فتح من تجاربهم السابقة ويستفيدوا من خصومهم السياسيين ؟لا ادري
لماذا تحول الانتماء لفتح من انتماء لقيم ومبادئ إلى طلب لوظيفة أو سعيا
وراء مال ومنافع ؟لا أدري لماذا تقول غالبية استطلاعات الرأي المحايدة
بان فتح تملك اكبر نسبة من التأييد الشعبي فيما انجازاتها على الأرض ومن
خلال الانتخابات البلدية وغيرها جد متواضعة بل هزيلة ؟ لماذا تتحول
الانتخابات الداخلية (البرايمرز) من نقطة منطلق لتأسيس لحالة ديمقراطية
إلى مزيد من الفرقة والتطاحن بين أبناء فتح ؟ وألف لماذا ولماذا ....
ليس كل ما يُعرف يقال ولكن يجب القول بان هناك مؤامرة على حركة فتح يشارك
بها فتحاويون عن دراية وسبق إصرار أو عن جهل وسوء تدبير ،لأن تدمير حركة
فتح يعني تدمير القوة السياسية المؤهلة لحمل المشروع الوطني الفلسطيني
وقيادة قاطرة التغيير تواكبا مع قاطرة التحرير ،لقد بات واضحا أن حركة
فتح هي المستهدفة وليس أي فصيل آخر، لأنها تمثل الاعتدال والوسطية
والواقعية الوطنية .إلى وقت قريب ونحن نراهن أن يتغلب صوت الحكمة والعقل
عند نخبة فتح على صوت الغوغائية والانتهازية والمصلحية،إلى وقت قريب ونحن
نتمنى أن تتحرك الأغلبية الصامتة والمخلصة ليس دفاعا عن مصالحها بل دفاعا
عن قيم ومبادئ فتح الأصيلة ،ولكن وبعد ما جرى في الانتخابات التمهيدية في
قطاع غزة ،يبدو أن أمور تسير نحو التدهور وإن دخلت فتح الانتخابات
التشريعية في وضعها الحالي فالنتائج لن تكون سارة .
لم أكن بالموقف الذي احسد عليه عندما اتصل بي مجموعة من أبناء تنظيم فتح
بالمنطقة الوسطى من قطاع غزة وطلبوا مني الترشح باسم فتح في انتخاباتها
التمهيدية ،وقد اعتذرت لهم لأنني لا انوي الترشح بالانتخابات العامة لا
باسم فتح ولا تحت أي عنوان آخر ،وسبق وأن اعتذرت لأخوة أعزاء من أطياف
سياسية أخري عن الترشح باسم جماعتهم كما رفضت ان أرشح نفسي كمستقل كما
نصحني الأصدقاء،لأنني أفهم بان الانتماء هو عطاء وليس أخذ ولا يمكنني أن
اكسب عضوية المجلس التشريعي واخسر حركة فتح بالرغم مما بها من عيوب.إلا
أن بعض أبناء التنظيم المخلصين كرروا الاتصال عدة مرات ملحين عليّ للترشح
ووعدتهم بان أفكر بالموضوع وارد عليهن صباح الأربعاء وهو آخر يوم للتقدم
بالترشيحات،وبالرغم من تصميمهم على عدم تأجيل الموضوع لأن آخرين من
المرشحين يشتغلون على الموضوع منذ أشهر بل سنوات وأنهم يعبئون ذاتيات
عضوية لحركة فتح لكل من هب ودب ويستغلون وظائفهم الرسمية وعلاقاتهم
العائلية لحشد اكبر عدد من الأصوات مطبقين سياسة الثواب والعقاب إلا أنني
أصررت على التفكير بالموضوع وتأجيل الرد ،وأخيرا قررت أن أدخل
الانتخابات الداخلية ،ويا ليتني ما دخلت.
لم أدخل الانتخابات سعيا لشهرة أو طلبا لوظيفة ولكن وفاء لحركة فتح
وإدراكا مني للتحديات المقبلة التي تواجه حركة فتح والقضية الفلسطينية
بمجملها ،كنت وما زلت اعتقد أن شرف الانتماء أهم من منافع وظيفية
مؤقتة،إلا أنني ذهلت مما رأيت وشعرت بحزن شديد لما جرى ،كنت أعلم بما
تعانيه حركة فتح من ترهل ولكن لم أكن أتوقع أن المواقع تغير المواقف وان
الوظيفة أهم من شرف الانتماء وأن صفة عضو المجلس التشريعي أسمى من صفة
مناضل،لم أكن أتوقع أن يلجأ أبناء التنظيم الواحد ورفاق درب النضال
وأبناء الزنزانة الواحدة إلى وسائل ليس فقط تتنافي مع أصول التنافس
الديمقراطي الشريف ،بل تتنافي أيضا مع قيم وأخلاقيات المناضلين الشرفاء.
بعد كل ما جرى أعتقد أن حركة فتح بحاجة إلى انتفاضة جديدة ليس ضد
الاحتلال ولكن انتفاضة ضد فسادها ومفسديها ،انتفاضة الشرفاء في الحركة
حتى وإن أدى الأمر لتأسيس حركة جديدة تجمع كل الشرفاء في حركة فتح مع
الشرفاء من غير المنخرطين في التنظيمات السياسية وهم غالبية أبناء الشعب
كما تدل استطلاعات الرأي .
ليست هذه دعوة للتمرد على فتح بل دعوة لإنقاذ فتح من فتحاويين غير مخلصين
وغير معنيين بمصير حركة فتح.إصلاح فتح شرط لإصلاح النظام السياسي
الفلسطيني والذي هو بدوره شرط لاستكمال المشروع الوطني التحرري.
|