حركة فتح والخيار الوطني الديمقراطي


09/03/2006
بقلم: د. محمد السعيد إدريس


إذا كان من الممكن فهم المواقف الدولية وعلى الأخص الأمريكية والأوروبية والروسية أيضاً، وعلى الأخص مطالبة حركة “حماس” بالاعتراف بالكيان الصهيوني، والتخلي عن نهج المقاومة الذي يصفونه ب”نهج الإرهاب” وإعلان التزامها الكامل بتعهدات السلطة السابقة بدءاً من اتفاق أوسلو وحتى خريطة الطريق فإن وضع قيادة حركة فتح هذه المطالب كشروط لقبولها المشاركة في حكومة ائتلافية (وحدة وطنية) مع حماس وغيرها من المنظمات الفلسطينية موقف يصعب فهمه إلا ضمن إطار واحد هو أن حركة فتح قررت أن تكون شريكاً في اختلاق أزمة سياسية هدفها إفشال حركة “حماس” والدفع بإجراء انتخابات برلمانية بديلة تكون مؤمنة لإعادة حركة فتح إلى السلطة.

هذا الإطار الذي يعتبر اتهاماً قاسياً لحركة فتح وإساءة لدورها الوطني التاريخي حرص ناصر القدوة وزير الخارجية الفلسطيني على نفيه في تصريحات صحافية على هامش مشاركته في اجتماعات وزراء الخارجية العرب بمقر جامعة الدول العربية في القاهرة، لكنه لم يقدم مبررات لوضع حركة فتح تلك المطالب كشرط لقبولها المشاركة في حكومة وحدة وطنية بقيادة حركة حماس.

كان الأجدر أن تقوم قيادة فتح بإعلان احترامها الكامل لإرادة الشعب الفلسطيني الذي أكد بانحيازه إلى برنامج حركة حماس أنه لم يفقد ذاكرته الوطنية بعد ولن يفقدها أياً كانت التحديات، وأنه لم يفقد إيمانه بحقوقه الوطنية التي لم تثبت حركة فتح جدارة في التمسك بها والدفاع عنها وهي في السلطة، فهي التي وقعت على اتفاقية أوسلو وظلت متمسكة بأوهامها، رغم أن شارون ضرب بها عرض الحائط وأعاد احتلال مناطق الحكم الذاتي، وهي التي ظلت تسابق رياح الوهم وراء خريطة الطريق التي تحدثت عن دولة، مجرد حديث بناء على وعد غير مؤكد الدلالة من الرئيس الأمريكي الذي سرعان ما تنكر لوعوده مع الشعب الفلسطيني في دولة، لأنه كان حريصاً على وعوده مع “الإسرائيليين” بجعلإسرائيل” دولة يهودية، بكل ما يعنيه هذا من مصير خطير يتهدد الفلسطينيين العرب المقيمين في مناطق 1948 “إسرائيل” ومصير خطير يتهدد من هم في الضفة وغزة في ظل اعتبارات “إسرائيلية” بأن فلسطين كلها هي دولة “إسرائيل”.

كان الأولى أن تدعم حركة فتح اختيارات الشعب الفلسطيني وأن تحترم وتقدر حرص حركة حماس على تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة قوية من حركة فتح، رغم أنها -أي حماس- تستطيع أن تشكل وحدها الحكومة من دون ائتلاف مع أي قوة سياسية أخرى، وأن تفرض برنامجها هي وليس صياغة برنامج وطني مشترك لهذه الحكومة يجعلها قادرة على مواجهة التحديات.

لم تحترم “إسرائيل” اتفاق أوسلو، كما لم تحترم خريطة الطريق التي وضع شارون 14 شرطاً لقبولها كانت كفيلة بإنهائها من الناحية العلمية وانسحاب شارون أحادي الجانب من قطاع غزة وإقامة السور العنصري كان ضمن خطته لإسقاط خريطة الطريق، والولايات المتحدة لم تخدم هي الأخرى هذه الخريطة، وذاقت قيادة حركة فتح الكؤوس المرة لسنوات وهي تكافح لفرض خريطة الطريق بكل مساوئها كإطار للتسوية التي تريدها ولم تفلح في هذا المسعى.

كان الأجدر أن تعتبر حركة فتح اختيار الشعب الفلسطيني لنهج سياسي جديد يعيد الاعتبار لخيار المقاومة وتقوية الصمود فرصة للمراجعة وأن تنخرط ضمن سياق وطني جديد يعيدها إلى سابق عهدها كقيادة وطنية لحركة شعب يسعى للحرية والاستقلال، وكان الأجدر بها الا تشارك في الضغط على حماس كي تعترف ب”إسرائيل” وتتوقف عن نهج المقاومة، رغم أنها هي أي فتح لم تتوقف عن نهج المقاومة وهي في السلطة ودور شهداء الأقصى لا يقل عن دور سرايا القدس أو كتائب عز الدين القسام. قيادة فتح تعرف أن القانون الدولي لا يفرض على حركة سياسية أو حركة مقاومة أن تعترف بدولة لكن الاعتراف يكون من دولة لدولة، وأن يكون اختيارياً وليس اجبارياً. كما أن اعتراف حماس ب”إسرائيل” يجب أن يكون اعترافاً بدولة لها حدود واضحة ومميزة، فما هي حدود “إسرائيل” التي يجب أن تعترف بها حماس، أم أن الاعتراف يجب أن يكون بأي حدود تضعها “إسرائيل” لنفسها حسب إرادتها هي حتى لو كانت هذه الحدود تمتد إلى كل أراضي الوطن الفلسطيني. هناك حدود دولية للكيان “الإسرائيلي” حددها قرار التقسيم فهل تقبل “إسرائيل” أن تعترف بها حماس وفقاً لهذه الحدود أم وفقاً للقرار 242 أي حدود ما قبل يونيو/حزيران 1967.

الإجابة عند “الإسرائيليين” وليست عند حماس، ان تعيد “إسرائيل” الاعتراف بقوانين الشرعية الدولية وتؤكد احترامها لها، بما فيها الانسحاب الكامل لحدود 1967 عندها يكون الحديث عن اعتراف متبادل بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة لها حدود واضحة يرضاها الشعب الفلسطيني وبدولة “إسرائيلية” وفق حدود أقرتها الشرعية الدولية.

تحقيق هذا كله مسؤولية وطنية فلسطينية مشتركة ومسؤولية حركة فتح قبل أن تكون مسؤولية حركة حماس، وعندما تفعل فتح ذلك فإنها ستكون بحق جديرة بأن تكون قيادة وطنية فلسطينية وأن تحدد الخطوط العامة للعمل الوطني ضمن إطار سياسي ديمقراطي يحترم مبدأ تداول السلطة وفق الإرادة الوطنية المستقلة للشعب الفلسطيني، أما نهج إفشال حركة حماس الآن برفض الانضمام إلى حكومة الوحدة الوطنية سيقود إلى مزيد من العزلة لحركة فتح، وقد يفتح أبواب الانشقاق واسعة لأن أغلبية قيادات فتح لن تقبل بديلاً للخيار الوطني الديمقراطي. –

الخليج الاماراتية 9/3/2006 -

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع