"فتح" على أبواب خلط الأوراق التنظيمية وصراع "المنابر" الشللية في ظل تغييب المؤتمر العام للحركة!

[11/15/2004]

لا نعرف الجهة التي سربت خبر "إجماع اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح- " على السيد محمود عباس أبو مازن ليكون مرشحها في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في التاسع من يناير كانون الثاني المقبل ..لكن ما أعرفه ان تلك الجهة أو الجهات سواء أكانت فلسطينية او غير فلسطينية تعرف جيداً معنى هذا "التسريب" عند قواعد حركة فتح التنظيمية كما تعلم جيداً النتيجة التي شاهدناها على شاشات التلفاز في غزة عندما كاد أبو مازن أن يلقى حتفه اغتيالاً في خيمة عزاء "الرئيس".

والمتابع لحركة فتح وأدبياتها يكتشف أن هذا التنظيم يعاني الآن من أزمة تنظيمية داخلية في ظل غياب العمل المؤسسي التنظيمي ، و"المؤسسة الفتحاوية" إن كانت موجوده ، فقد أضعفها الحكم المنفرد لرئيسها الراحل ، وأرهقها صراع "الأخوة الأعداء" داخل التنظيم نفسه وسط رغبة شبابية تطالب بالتغيير والإصلاح وإعادة الحياة للمؤتمر العام للحركة الذي وضعته قيادة "فتح" في عملية "تفريز" الى ما شاء الله.

صحيح أن المؤتمر العام ينتخب اللجنة المركزية لحركة فتح، التي يقال أنها أجمعت على محمود عباس مرشحاً رئاسياً، وصحيح ان المؤتمر العام ينتخب غالبية أعضاء المجلس الثوري لحركة فتح ، لكن الصحيح كذلك هو أن "مركزية فتح" تحولت الى "عواجيز" في السياسة و "هوامير" في التجارة من النوع الثقيل، وهذه المعلومة ليست سراً نفضحه ، بل هي حقيقة يدركها أبناء فتح أنفسهم من أبناء المخيمات والشتات .
لقد كان "الختيار" رحمه الله هو صمام "تنفيس" لأية محاولة من قواعد فتح تطالب بالتغيير والاصلاح ، وكان واضحاً حتى يوم مواراته الثرى على أرض فلسطين، أن كوادر الحركة تكن له التقدير والاحترام الذي يمنعها عن أي محاولة من شأنها أن تضعف الحركة من وجهة نظره هو. ولهذا السبب وغيره، شهدنا هذا الصراع المعلن الخفي بين قادة الأجهزة الأمنية ، وشهدنا بالصوت والصورة صراع دحلان – الرجوب، وتحالفات دحلان – أبو مازن، ومحاولات إضعاف مروان البرغوثي لصالح حسين الشيخ أحد نشطاء فتح البارزين في منطقة رام الله . وما يقال عن تحالف غير معلن بين البرغوثي والرجوب الذي كان يرى في نية عرفات تعيين حسين الشيخ بديلاً عنه محاوله لإقصائه سياسياً عن العمل السياسي.

وبالتالي ، فإن ما حدث في غزة يوم أمس هي عملية تحذير برأيي وليس اغتيال لمحمود عباس وحليفه محمد دحلان.. عملية تحذير من كوادر فتح وقواعدها التنظيمية التي وعلى ما يبدو لم يعجبها حتماً مسألة "الإجماع" على محمود عباس وإظهاره كمرشح اجماع لفتح في تغييب واضح لمؤتمر حركة فتح الذي يجب أن يتداعى لعقد مؤتمره المغيب منذ زمن طويل لإعادة رسم سياسة الحركة وبحث القضايا المالية وجدول الأعمال وانتخاب اللجنة المركزية للحركة وكامل اعضاء المجلس الثوري ، ومناقشة الانتخابات الرئاسية وفتح المجال لمن يرغب بالترشيح بعيداً عن "الخجل السياسي" الذي كان موجوداً في زمن الختيار ... ثم إجراء انتخابات داخلية لاختيار المرشح الذي سيقود فتح في الانتخابات المقبلة..

هذا هو التغيير الذي يتطلع اليه من دخل الى خيمة العزاء في غزة ، مع استنكارنا الشديد لأسلوب الرصاص في الحوار. وأعتقد من حق قواعد فتح وكوادرها في الداخل تحديداً أن ترى رئيساً "متجدداً " للحركة ، فلو فشل في الانتخابات مثلاً ، عليه أن يرحل ليحل مكانه من يقود الحركة ويبعث فيها الحياة من جديد.. أليس هذا ما يقوم به حزب العمل وتجمع ليكود في اسرائيل؟.. أليس هذا ما تقوم به الديمقراطيات الحديثة في أوروبا؟.. وصولاً الى دول أكثر فقراً في التعليم والبيئة الصحية والثقافية من الفلسطينيين كبعض دول آسيا الفقيرة ..

وما لم يفعل الفتحاويون ذلك... فهم حتماً سيبقون يراوحون مكانهم ولا يستحقون المكانة التي وصلت اليها فتح في قلوب الفلسطينيين منذ انطلاقتها عام 1965. 

ننصح قادة "الأبوات" الجدد.. أبو مازن .. أبو اللطف.. أبو العلاء.. أبو الأديب الى تأسيس جديد للعمل الفلسطيني وتحديداً داخل حركة فتح.. وكنا قد استبشرنا خيراً باحترام الدستور وتولي روحي فتوح رئيس المجلس التشريعي لمقاليد السلطة مؤقتاً ، رغم أن هناك تياراً كان يسعى لـ"مبايعة" أبي مازن مباشرة وفرض سياسة الأمر الواقع..وانتهاج "سياسة التخجيل" التي يجب أن تزول.

حتى  يكون محمود عباس أبو مازن محط اجماع أو لنقل تأييد  غالبية الفلسطينيين فعليه أن يحظى بتلك الغالبية من حركته فتح تحديداً ، وأن يعلن فاروق القدومي أبو اللطف وهو رئيس حركة فتح عن تنازله علناً لصالح أبي مازن .. أو يخوض الاثنان ومعهما البرغوثي ومن شاء انتخابات داخلية في حركة فتح لاختيار الشخص المناسب.

أبو مازن قد يكون مرغوباً من الخارج الفلسطيني .. ومن عواصم العرب والعجم ..لكنه عليه أن يثبت أنه رجل ديمقراطي وأن يحظى بقبول قواعده الفلسطينية أولاً ..

أما إسرائيل.. فسواء كان أبو مازن أو غيره .. فما يهمها هو أن يكون هذا الرئيس الفلسطيني المقبل بحجم "ثوبها" الذي طلبت من "الخياط الأمريكي" تفصيله .. وهو نفسه "الثوب" الذي جربه عرفات ورفض أن يرتديه في كامب ديفيد الثانية بعد أن بانت "عورته" السياسية ..وانتظر حتى قدوم خياط أمريكي جديد لكن الأخير رفض أن يعيد "تفصيل الثوب" بحجة أن "القماش" جاءه من إسرائيل بهذه الصورة فلا يستطيع زيادة فيه.. وبحجة أخرى مفادها أن "حجم" ياسر عرفات "لارج" كبير وربما رأوه "إكس لارج" فطلبوا منه أن يمارس قليلاً من "الرياضة السياسية" فلربما يناسبه!!!.
واليوم هم يستخدمون نفس القماش.. وينتظرون الشخص الفلسطيني المناسب المستعد لممارسة رياضة سياسية قاتلة حتى لو أهلكت صاحبها ليلائمه الثوب الاسرائيلي بـ"تفصيل أمريكي".
 
ما حدث في غزة عمل مدان ..والإحتكام للسلاح مسألة محرمة على "أمراء فتح" أن يدركوها جيداً ، لكن إذا انعدم الحوار فإن الأطراف المتخاصمة ستلجأ حتماً الى أحد أمرين: بلاط القضاء، او ساحات السلاح..وما نأمله هو أن يلجأ عقلاء فتح لإدراك هذه الحقيقة والإحتكام لصناديق الاقتراع الداخلية وبث الروح في المؤتمر العام للحركة وتجديد لجنتها المركزية ومجلسها الثوري.

عمر العزبي
صحافي أردني مقيم في الامارات
azabipress@yahoo.com

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع