الفاشية الفلسطينية "الجديدة"

خالد بركات

http://www.kanaanonline.org/ebulletin.php

 لا بد لمراقب لتطورات الاحداث في فلسطين المحتلة أن يشفق على السيد محمود عباس وهو يلهث خلف انتصارا ما يحققه على عجل ، لا لصالح الشعب الفلسطيني، لا سمح الله ، بل لصالح العدو وحكومة شارون ، خاصة و"الرئيس"  الفلسطيني الجديد يعد نفسه وطواقمه "الجديدة " للقاء الرئيس الامريكي جورج بوش في مارس/اذار القادم، وهو في ذلك يشبه الطالب النجيب الذي يستعد لامتحانات المرحلة النهائية، ولا يريد ان "يخربش" عليه احدا ما زيارته للعاصمة واشنطن. انها مسالة حياة او موت!!

ويتمثل الانتصار الذي يبحث عنه السيد محمود عباس  في انتزاع  كل المبادرة الوطنية الفلسطينية من يد القوى الشعبية والمقاومة الفلسطينية بشقيها السلمي والعنيف واشكالها الشعبية - والمسلحة، ولاحقا سيتم البحث في سبل تطويعها وصهرها في الجسد الفلسطيني الفاسد: أي في شركات ومؤسسات السلطة الفلسطينية، هذه السلطة التي يعاد تاهليها الان وخاصة الاجهزة الامنية . وسوف تنشط السلطة الجديدة ليس في صهر قوى المقاومة سياسيا فحسب بل وحتى تذويب وصهر الصواريخ المتواضعة التي تملكها المقاومة  لتصبح  فيما بعد، أعواد المشانق الجاهزة لكل من يقاوم الاحتلال ويرفض مشروع التسوية على الطريقة الشارونية - او الجينيفية. وقد يحتفظ الفلسطيني السلطوي بالرموز والاسماء ، بما في ذلك، اسماء الصواريخ والقادة من "القسام" الى " المصطفى" الى  "عرفات واحد" لان تلك الاسماء  سوف تفيد لاحقا في تبرير القتل وصعود فاشية فلسطينية قد تكون العن من مافيات علاوي في العراق المحتل.

ان الشعب الفلسطيني ، صاحب قضية عادلة، وتاريخه حافلا بالبطولات الجماعية التي عادة ما تحسب لصالح افراد، وهو عرف وجرب كل ما هو ثوري واصيل ، وواصل مسيرته وكفاحه العادل لعقود، كل ذلك صحيح ويجب ان نفاخر به،  الا ان هذا الشعب الفلسطيني ليس خارج الطبيعة والاشياء وقوانين البشرية والجغرافية، وعلينا ان نعترف بوجود شرائح فلسطينية محسوبة على هذا الشعب ، بل وتعتبر نفسها " صفوة وطليعة الشعب " لكنها في الحقيقة أصبحت تقف على الضفة الاخرى من النهر، بل يجب ان تدان وتدرج  شعبيا في خانة من هو معادي للحقوق الوطنية والثابتة للشعب الفلسطيني وخاصة عدائها السافر لحق اللاجئين في العودة واستمرارها في تشويه كل معاني الاستقلال والسيادة الحقيقة . 

يوجد في الوطن والشتات رموز فلسطينية مؤهلة للحصول على تسمية  فاشي مع رتبة شرف ، بل ومرشحة لتقوم بدور جيش لحد فلسطيني ، في غزة اولا ، ثم لتكون النواة الاولى للفاشية الفلسطينية "الجديدة والعصرية"  هذه المرة، هؤلاء  ترعرعوا  وتدربوا في اطار تنظيم  فلسطيني ، تدافع قيادته عن حزب العمل اكثر من دفاعها عن العراق ، وترفع شعارات " فلسطينية " دفعت من هم اكثر وقاحة منهم لينظر علنا بوجود  "ايدلوجيا فلسطينية خالصة" ، ايدلوجيا تقف خارج كل الايدلوجيات والنظريات ، لان "الفدائي الفلسطيني"  هو القادر على كل شئ وعلى صنع المستحيل، ولان القائد المسؤول عن الفدائي والناطق ياسمه يعرف كل شئ  ويعلم بالغيب وفي كل العلوم لكنه لن يقاتل في غزة ، لانه يقاتل  في جنيف وواشنطن ومنتجعات البحر الميت. أيدلوجيا  فلسطينية تقول :لا حاجة لنا بالعرب، لكننا سوف نحافظ على علاقاتنا الطيبة مع الانظمة العربية "  ، خاصة االنفطية والتابعة منها، فهي لنظمة تدعمنا " اي تدعم القيادة الفلسطينية ، ويبرر كل ذلك  في اطار "التكتيك السياسي"  هذه الكلمة التي  تتحول الى كرّاس داخلي لتعليم المناضل وتدريبه على ممارسة الكذب والالتواء.

بدأت النواة الاولى للفاشية الفلسطينية الجديدة في التكون والتطور قبل توقيع اتفاق اوسلو بسنوات طويلة، وكذلك الفساد ايضا، وشراء الذمم ، والحرمنة وقلة الادب وشراء اصوات اعضاء المجلس الوطني الفلسطيني وصولا الى اصغر مسؤول طلابي في الاتحاد العام لطلبة فلسطين، فلتفسد الثورة والفصائل، لان الفساد يجب ان يعم وينتشر في كل الجسد الفلسطيني ويطال اليمين واليسار والوسط ، سياسة صاغها فلسطيني تقليدي يحفل بعقول المخاتير والتابعين، ويطرد  كل من يفكر ويمارس النقد الحقيقي ، لذلك احتضنت المؤسسة الفلسطينية الكبيرة الشاعر "الكبير" محمود درويش وطردت كل شاعر ومثقف اخر رفض أن  يرفع الزعيم الى مقام النبي - المعجزة ولم يقل له "حرية التكوين انت / وصانع الطرقات انت / وانت عكس المرحلة"!!

واذ يبدأ القمع بالاقصاء السلمي  في اطار الشرعية الفلسطينية التي لا شرعية سواها ، وضرورة الاختلاف الذي يجب ان لا يفسد للود قضية، ثم  تطور، في مراحل لاحقة، الى التهديد والضرب وصولا  للتصفية الجسدية والقتل بدم بارد.

لماذا ننسى؟

وبقدر ما سعت م. ت. ف. وفصائلها الى طرد الفكر النقدي من المؤسسة بقدر ما سعت الى الابقاء على من تحول منهم الى بوق للسلطة "الثورية" و"الوطنية" واخيرا الى بوق مشروخ لسلطة بدون ثورة او وطنية او حتى كرامة، نعم، العفن الفلسطيني  بدأ قبل اوسلو بكثير، ويجب ان لا ينسى الفلسطيني ذلك ويجب ان لا يغفر لمن قادوا قاربه الى هذا التيه ، فاوسلو سئ الصيت والسمعة، كان نتاجا طبيعيا لممارسات اكدتها القوى والمراكز المسيطرة في م. ت.  ف.، والعلم يقول: العفن لا ينتج عطرا لذلك جاءت سلطة اوسلو على شكل ديدان سامة وجراد ياكل الاخضر واليابس.

لم تكن الساعة التي سقط فيها الشهيد ناجي العلي على ارض منفاه اللندني، لم تكن ساعة الولادة للفاشية الفلسطينية الجديدة، لكنها كانت اللحظة التي كشفت حقدا مشتركا بين موساد الكيان الصهيوني ومافيا منظمة التحرير، حقدا لا حد له على كل من يحاول ان يكشف  عورة رموز الثورة المخصية، وعلى كل من يمارس النقد الداخلي "للمشروع الوطني الفلسطيني" ، لذلك فان الثار لناجي العلي يعني استمرار مشروعه  في التصدي لسياسات السلطة الفاسدة ، وهو نضال  يصب ضد المشروع الصهيوني  وادواته اولا وعاشرا.

 كان  ناجي العلي صيداً سهلاً  لان غيابه مصلحة مشتركة صهيونية – فلسطينية -عربية - أمريكية  وكل سلطة ظلامية، وكان صيدا سهلا لانه لاجئ فلسطيني فقير لا حزب له يحميه ويدافع عنه ويثأر له، لقد  صار النقد مجازفة خطيرة يمكن ان تقودك الى التصفية الجسدية ، خاصة ان لم ينفع معك الكلام ، والكلام في لغة التاجر، لا هوية له على الاطلاق، ذلك لان البضاعة اقدس من اللغة، فهل تبيع صوتك وتتحول الى بوق اخر ام ماذا تريد؟

قد يكون لكلمة فاشي وقع صاخب قد لا يعجب البعض، ولكن ليقول لنا هذا البعض ، ماذا تعني كلمة فاشي؟ نازي؟ صهيوني؟ جلاد عراقي او امريكي في ابو غريب؟  ماذا نسمي  ممارسات سلطة تقوم بالدرجة الاولى على الغاء الآخر ، وبناء السجون والاعتماد على الاجهزة الامنية، والدفاع عن مصالح من يملك ضد من لا يملك، وممارسة القتل والارهاب والاستغلال وتحقير المرأة وأعتقال البعض لمجرد اصدار بيان يقول لا للفساد والمفسدين ، واعتقال من قاموا بتصفية وزير صهيوني ؟؟

اذا كانت السلطة التي تقودها افكار من تحدثوا عن " ايدلوجيا فلسطينية خالصة"  تجد خلفها جيشا من المثقفين الماجورين وحفنة من الكومبرادور ( وهي كلمة تعني سافل) فهل من  الغريب في شئ ان تجد ما هو مشترك بين من اطلق النار على لوركا ومن اطلق النار على ناجي العلي؟ 

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع