أنتم الفاسدون ..ونحن المارقون ؟!!



بقلم :د. حسين المناصرة
عضو تجمع الأدباء والكتاب الفلسطينيين

أي فخر هذا الذي ستعتز به عندما تجد نفسك مارقاً ، تكتب بحروف سوداء؟!
كنت وما زلت كاتباً .. لا نبياً !!وابن كلمة محاربة ..لا متصوفاً !!
لما كفر إبراهيم عليه السلام بدين آبائه .. وصفوه بالمارق ؟!
وما أن عصا موسى عليه السلام فر عون ..حتى وسمه بالمارق ؟!
وصلب المسيح .. لأنه مرق على الذين صلبوه ؟!
أما نبيّنا عليه الصلاة والسلام ..فكان مارقاً كبيراً في تصور عنجهية تجار قريش وسدنة كعبتها!!
أي فخر هذا الذي سيجعلك تشعر دوما بنشوة الحياة، وشعرية اللغة، وإنسانية الخرافة في عقول المساكين،وحتمية النصر المؤجل..عندما تجد نفسك تواجه الفساد التيسوني الموغل في امتطاء أحذية الورم الخبيث،و عيون خفافيش الليل،ولون غربان الكهوف ورمادها،ومكر الثعالب؟!
* * *
يتلاعب السيد تيسون إمبراطور إمبراطوريته التيسونية العجيبة بلغتنا ؛ فيتفصحن ببلاغتها، ويصدر بيانات تتقنع بلغة الفضيلة التي تصوغها مسبحته الأخيرة التي حملها ليقنع مقاومي الاحتلال أنه صار من أصحاب سجادة السماء والكرامات ؛ ويلحق نفاق القول بالفعل، فيتصدق ببعض المال العام المنهوب في جيبه الذي لا يئن من حسرات أيتام الشهداء وعوز الأرامل ؛ خاصة أنه قد لهف من هذا المال ما يقدر بالملايين، في خمسة أعوام تولى فيها بالتعيين "المفبرك" عرش إمبراطوريته العجيبة.
عليك عندما تقرر أن تكون كاتباً تنتمي إلى فلسطين أن تحسب مئة حساب وربما ألف حساب ؛ إذا أردت أن تكتب عن فساد فاسد بعينه ؛ فجماعة الفساد فيما بينهم تواد وتراحم وصلات مصلحة يصعب هدمها ؛ لذلك ستقع تحت طائلة قوانينهم القراقوشية الجائرة في اللحظة التي تنهشك أنيابهم الموغلة في السلطة والتسلط ، من هنا حتى تحذر تحالفهم الأوسلوي؛ عليك أن تتقنع بمئة قناع لتكتب مقالة تصور فيها الفساد والمفسدين ..وحتى بهذه الطريقة لن تسلم من عواقبها التأويلية إذا كنت من الضعفاء أو المنبوذين ، أو قصيري الحيط..
إذن ،كي تنجو من ملاحقاتهم المافياوية ؛ عليك أن تغير في أسمائهم ، وفي صفاتهم ، وفيما يشير إليهم ، ولا بأس من أن تكتب بلغة التهويم عن الفساد على وجه التعميم في "فلسطين المريخ" من بعيد إلى بعيد.. وحينها ستضمن أن يقفوا معك ، مؤيدين ، مرحبين ، هاشين وباشين ، ضاغطين بحميمية على يديك أو قلمك ..اكتب يا ابن الأصول ونحن معك ..و حينها لا بد أن تجد هؤلاء الفاسدين من أكثر المؤيدين على طريقة الذين يقتلون القتيل ويمشون في جنازاته!!
* * *
لا توجد أية مشكلة في أن يصدر الإمبراطور تيسون العظيم بياناته العجيبة ، تصف كتابتك بالسوداء ، وتسمك بالمارق ؛فهذا هو الواقع على أية حال !! ألا تكتب بحروف سوداء؛ لتكون لغتك أكثر وضوحاً في تعبيرها عن الحقيقة المنهوبة في مناقير الجوارح ؟! ثم ألست مارقاً عندما ثرت على دكتاتورية تيسون وفساده ، فطردك أو خلعك من إمبراطوريته غير الفاضلة ؟ إذن ، أنت مخلص لحرفك الأسود الناصع البياض ، ومخلص أيضاً لوضعك الثقافي الذي أدركته حرفة الأدب ؛ عندما مرقت على حبال الفاسدين ، وأعلنت الحرب شبه الخاسرة – في زمن الوباء - عليهم !!
أين المشكلة إذن ؟!
المشكلة _ أيها المتربصون بنا - في هذا الوضع المزري الذي غدونا نعيشه في لغة عشقنا لفلسطين، محاربين للفساد، ومؤشرين إليه بكل وضوح ومصداقية، هي أننا لا نجد – للأسف - الفاسدين الذين نضع – من وجهة نظر المسئولين - النقاط على الحروف في مسألة اثبات فسادهم، ومن ثم إسقاطهم ووضعهم تحت طائلة المسئولية ، ومن ثمّ إلى ما وراء القضبان !!
من المؤكد أن محاربي الفساد قد يشعرون في أية لحظة أنهم سيصيرون هم الفاسدين بفعل سرطانية المحسوبيات وتكاتف عنكبوتيات الظلام بعضهم مع بعض للاعتلاء بذواتهم فوق أية "شبهات" تسطرها الأقلام الشريفة!! أما أنت صاحب القلم المرهف والموقف الإنساني والرؤية العميقة، فقد تصبح في إطار التمرد على رؤى المشي بجانب الحيط ، أو وضع الراس بين الرووس ، أو شعار: أللهم نفسي ...بائساً ، مكتئباً ، مهدداً ..ومن ثم تنطبق عليك إشاعات الفاسدين بأنك مريض بانفصام الشخصية ، وأن حالك تدعو للشفقة ، وعليه لا مجال عندهم لملاحقتك ما دمت على هذا النحو من التضعضع والانهيار المودي بك – في تصورهم - إلى الجنون وسجن الاكتئاب الرهيب!!
* * *
إن شر البلية ما يضحك .. هيا نضحك حتى تتفجع مواجع ضحكاتنا !!
لأكثر من عشر سنوات ، ونحن نصرخ ..ونصرخ .. نكتب .. حاربوا الفساد.. اجتثوا المفسدين .. "وينكم يا ناس؟! " .. أين المسئولين..وهل يحاسب الفاسد فاسداً؟! الاحتلال أرحم؟! احتلال وعمالة وفساد ؟! الشعب المهزوم ؟! الوطن أولاً وأخيراً ولا تشغلونا بالهوامش؟! حماية الفاسدين أهم من حماية أطفال المدارس في الشتاء؟! ربطات أعناق العملاء والمشبوهين أهم من ثياب طفل ضال في المخيم ؟!! الخوف من " بحلقة " عيون مسئول فاسد أهم من الخشوع أمام عيني شهيد يضيء نور وجهه السماء ؟!! نفاق التفاعل مع خطاب حزبي مسكون بالرياء أولى من الإنصات لدعوات أم اليتامى على سجادة صلاة الصبح في المسلسل اليومي ؟! كتابة قصيدة حداثية غير مفهومة أو مهضومة أكثر ثقافة وفلسفة من كتابة حكاية سهلة عن موت سجين أنهكه المرض وبطش به الاحتلال ؟!!
كأننا ننفخ في قربة ممزقة ..بل صرنا نضحك من أشر شر البلية !!
هل نترك الجمل بما حمل .. ونبارك للفاسدين ما نهبوا ، وعاثوا ، وافتروا ، ونافقوا ، وتثيقفوا، وتذأبنوا ، وباعوا واشتروا ، وقتلوا ، وهتكوا، وأفسدوا ، وأكلوا ، وتغوطوا ، وتعنكبوا ، وانحلوا، وتعاملوا ، وتخاذلوا ، ولم يتوبوا ... ؟!
إن إمبراطورية تيسون العجيبة تأكل مهجها الصالحة ؛ وتزرع مكانها نفاق الخراب وكل الرذائل...فكيف ننقذ بقايا وجودنا الوطني من التشييع إلى مقبرة النهاية ؟!
سؤال مهم وجوهري ...يحتاج إلى أكثر من مقالة ؟ والأهم من السؤال أن الخنوع لهيمنة الفساد والتستر عليه والتبلد تجاهه يضعنا في مواجهة كارثة حقيقية غدت تقض مضاجع ثقافتنا ورؤانا إلى المستقبل الآمل،فهل أنتم معي – أيها الحالمون بأعياد ما بعد الرحيل- فيما أتصور ؟!
* * *
كم هزمنا ..وسنهزم .. في مواجهتنا للسيد تيسون إمبراطور إمبراطوريته العجيبة؟! ولكن سنصبر ؛ لننتصر!!
أيها الأصدقاء أينما كنتم ؛ هل تعتقدون أو تظنون بأنني اختلق الأوهام ، وأصرخ في زجاجة عمياء ، وأفتري على الإمبراطور تيسون العظيم ؟!
ليس السيد تيسون في حد ذاته مشكلة .. المشكلة أكبر منه، ومني، ومنكم، ومن كل الذين حاربوه، أو وقفوا بجانب خفيه..! المشكلة إذن ، في أننا صرنا في محاربتنا للفساد في " فلسطين أوسلو " مثل الذين يبحثون عن كنوزهم المدفونة في باطن الأرض بطرق الرقيا الشرعية ؟!
هل تعتقدون أن هؤلاء الفاسدين بمنتهى السذاجة أو الغباء حتى يقولوا لنا: خذوا هذه المستندات التي تديننا بصفتنا فاسدين ؟! إننا فعلا سذج في أزمنة الخبث ؟!
لنقل ما يلي : إذا كان هناك توجه ما من مجموعة ما من المخلصين في إدارة ما ، أو في مصلحة ما ، أو في إطار ما ، تتهم فلانا أو علانا بأنه فاسد ؛ فلا بد حينها أن يوضع هذا الفلان أو العلان في دائرة محاربة الفساد .. فما بالكم ممن يتصارخون لأكثر من عامين يدينون فساد السيد تيسون وبلطجيّته في إمبراطوريته العجيبة ..ولا يثير فيكم هذا حيث كنتم كوامن الرحمة على هؤلاء المحاربين لفساد إمبراطور إمبراطوريته العجيبة ؟!!
* * *
أنا الموقع أعلاه ، أعلن من بين حروف لغتي السوداء ناصعة البياض هذه ؛ أنني أعتز اعتزازاً كبيراً بكوني مارقاً في الوثائق التيسونية ، وأعتز كذلك بأية صفة أطلقها عليّ السيد تيسون ، وبأية تهمة لفقها لي من وراء ظهري ؛ انطلاقا من كوني قد حاربت فساده ، وأعلنته على الملأ ، وحققت نصراً خفياً هنا أو هناك .. ولن يهدأ لي بال يؤمن بحتمية النصر إلا عندما أجد محاكم التفتيش تنبش في خرائب الفاسدين حقيقية لا ادعاءً ؛ تتقصد التحقيق مع السيد تيسون في السرّ أو العلانية!!
هل تريدون مني أن أسفح دمي ؛ لتصدقوا أنه يمتلئ بحديد الحرب على فساد تيسون ؟!
هل تريدون مني أن أقسم لكم بالله ؛ أن يأسي المتناهي في الامتدادات كلها ينفعل في لحظة ما ليكتب مقالة أو قصيدة أو حكاية ... لا تجدون فيها غير ملامح فساد الإمبراطور تيسون العظيم ؟! ليس بإمكاني الآن أن أفعل أكثر من هذا ؟!!
منذ أن اعتلى الإمبراطور تيسون عرش إمبراطوريته العجيبة في بداية عام 2001 ؛ أمسكت قلمي الأسود الناصع البياض .. وكتبت لغتي المارقة ..التي أوجعت قلبي ؛ لأحارب فيها فساده ..وكأني في النهاية أقبض على السراب ... هكذا يقولون لي .. أنت تحارب السراب .. لا تختلف كثيرا عن "الدون كيشوت" ..!!ولكنني أومن بأن النصر آت لا محالة!!
أنا الموقع أعلاه ، أعلن من حروف لغتي السوداء ناصعة البياض هذه ، أن مواجهتي لفساد الإمبراطور تيسون إمبراطور إمبراطوريته العجيبة ... ستدوم، وتدووم ، وتدووووو........!!
11/6/2005

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع