كيف يفهم دحلان والرجوب ديمقراطية أمريكا؟
بقلم : موسى راغب عن محيط
السبت ١١ شباط (فبراير) ٢٠٠٦
الفوز الساحق الذي حققته حماس لم يعجب شريحة واسعة من
قادة
فتح والسلطة الفلسطينية ، وتحديداً محمد دحلان رئيس الأمن الوقائي السابق
في
غزه
ووزير الشئون المدنية ، وجبريل الرجوب المستشار الأمني لرئيس السلطة
الفلسطينية
ورئيس الأمن الوقائي السابق في الضفة الغربية
.
فقد أثار دحلان في تصريحاته التي ألقى بها عقب فوز
حماس
الساحق على حركة فتح في الانتخابات التشريعية التي جرت في الخامس
والعشرين من
يناير الماضي .. أثار عدة نقاط غاية في الخطورة : أولها أن فتح لن تشارك
مع اي
حكومة تشكلها حماس ، حتى أنه ذهب في هذا السياق إلى القول بأنه عار على
حركة فتح أن
تشترك في أي حكومة تقودها حماس ، وأنه آن الأوان لأن تتولى حماس
المسئولية كاملة ،
في
إشارة تنطوي على اتهام حماس بعدم قدرتها على تولي إدارة الصراع مع
إسرائيل
وتصريف الشئون الحياتية للشعب الفلسطيني ، وثانيها : أن فتح سوف تنتقل
إلى صفوف
المعارضة لتكون حارساً على ما حققته السلطة من إنجازات ودعم الجهاز
الرئاسي وعدم
المساس بالمؤسسات الأمنية التابعة له
.
ويبدو من الواضح أن مسحة من الغيظ كانت تسيطر على
دحلان حين اتهم حماس بأنها ترشو المواطنين لإقناعهم ببرنامجها الانتخابي
، وبقدرتها
على
إدارة الصراع بصورة أفضل من إدارة أي تنظيم آخر ، على عكس حركة فتح التي
لا
تحتاج - في نظره- للخروج إلى المواطنين بغية الحصول على تأييدهم ، وفي
السياق ذاته
،
صرح جبريل الرجوب بأن حركة فتح سوف تعمل على صيانة الإنجازات التي تحققت
على يد
السلطة ، وأن فتح لن تسمح بالمساس بالأجهزة الأمنية التابعة لجهاز
الرئاسة
الفلسطيني ، هكذا ودون مواربة أو لبس ، كشف هذان القياديان عن رفضهما
السماح بتبعية
الأجهزة الأمنية والعاملين فيها من قيادات وكوادر للحكومة التي سوف
تشكلها حماس ،
بدعوى أن مسئولية هذه الأجهزة سوف تؤول لوزير الداخلية في الحكومة
الجديدة التي
يتوقع تشكيلها
.
والسؤال الملح الآن : ماذا يعني هذا التصرف إذا ما تم
الأخذ به وفرضه على الحكومة المقبلة ، وما الدافع الحقيقي وراءه ، ومن
يدعمه ؟.
أولاً- ليس من شك أن أول نتيجة لهذا التصرف ، هو أن
تقوم
سلطتان تنفيذيتان : أحدهما بيد حماس وهي الحكومة التي ستشكلها لتتولى
إدارة
الصراع مع إسرائيل وتسيير الشئون الحياتية للشعب الفلسطيني ، والأخرى بيد
فتح ممثلة
في
المؤسسات الأمنية التي تتبع رئيس السلطة والذي بيده وحده صلاحيات اتخاذ
القرار
بشأن
هذه المؤسسات وقياداتها والعاملين فيها ، ما يعني أن السلطة الحقيقية
والقادرة
على
الفعل ستظل - في نهاية الأمر - بيد قادة فتح وقادة السلطة الحاليين وإن
تغيرت
المسميات والوجوه ، وأن الفساد المستشري في السلطة سيبقى على حاله . فتح
حاولت صرف
الشعب عن تأييد حماس
ثانياً- قادة السلطة الذين يفترض أنهم السبب في انصراف
الشارع الفلسطيني عن تأييد حركة فتح ، لن يتخلوا عن مناصبهم طواعية إذا
ما طلب منهم
وزير
الداخلية في الحكومة الجديدة ذلك ، وبالتالي سيبقون في مراكز تؤهلهم
"عملياً"
من
وقف أي إجراءات إصلاحية أو تغييرات في القيادات والكوادر العاملة في
المؤسسات
الأمنية تتخذها هذه الحكومة بدعوى الإصلاح ، والتي يتوقع أن تطال دحلان
والرجوب
.
ثالثا- إن فهم دحلان والرجوب والعديد من قادة فتح
للديمقراطية التي تدعو لها أمريكا
في المنطقة يدخل في نطاق اللامنطقي ، فهما يريان
أن
تأييد قادة فتح والسلطة الحاليين في كل توجهاتهم لحل القضية الفلسطينية
هو
التعبير الصادق عن الديمقراطية ، وما دون ذلك يعدّ تجاوزاً لها ويدخل في
نطاق
الانحراف عنها وتحريفها ، تماما كما تريد واشنطن للديمقراطية في هذه
المنطقة أن
تكون
.
فمن المعروف في الديمقراطيات الغربية وبخاصة في أمريكا
ودول
أوروبا ، أن الحزب الفائز في الانتخابات هو الذي يتولى آلياً تشكيل
الحكومة
التي
تتولى إدارة شئون البلاد الداخلية والخارجية ، لا أن تبقى المؤسسات
الأمنية أو
غيرها في يد الحزب المهزوم كما يريد دحلان والرجوب اللذان يناديان
بالإبقاء على
سيطرة فتح عليها ، بدعوى أن أنها العين الساهرة على المؤسسة الرئاسية
والمنجزات
التي
حققتها السلطة الفلسطينية من ناحية ، وأن الأجهزة الأمنية يجب - في
نظرهما
- أن
تتبع جهاز الرئاسة من ناحية ثانية ، وبالتالي فإن مسئوليات الحكومة تقتصر
على
إدارة الشئون الحياتية للشعب الفلسطيني كتأمين الميزانية وتوفير الماء
والكهربا ء
والتموين والخدمات الصحية والتعليمية وما إلى ذلك . وبهذا المعنى تبقى
إدارة الشئون
الخارجية والأمن الداخلي وغيرها من المهام الحساسة بيد فتح ، وليس بيد
الحكومة التي
تشكلها حماس
.
رابعاً- إن دعوة دحلان وغيره من قادة فتح والسلطة بعدم
المشاركة في أي حكومة تشكلها حماس ، ينطوي على توجه واضح لمعاقبة الشعب
الفلسطيني
الذي
انصرف عن تأييد حركة فتح في تلك الانتخابات . وهما في هذا الموقف مدعومان
بتأييد من أمريكا وإسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي التي أعلنت عن نيتها
وقف الدعم
المالي الذي تقدمه للسلطة ، ما لم تعلن حماس اعترافها بالكيان العبري ،
وتتخلى عن
أجندتها التي تدعو لتدمير إسرائيل ، وتنبذ المقاومة المسلحة في التعامل
مع قضية
الصراع بين الطرفين ، وتلتزم بالمفاوضات طريقاً وحيداً لحل القضايا
العالقة بينهما
.
خامساً- نبرة التشكيك التي يستخدمها قادة فتح في قدرة
حماس
على إدارة الصراع مع الكيان العبري وتولي شئون الأراضي الفلسطينية
المحتلة ،
والذين آلمهم كثيراً فوزها الذي ينطوي على تنحيتهم عن المناصب التي
يشغلونها في
أجهزة السلطة وبخاصة الأمنية منها . وهم في هذا التشكيك يستندون إلى عدم
تمتع كوادر
حماس
بالخبرة السياسية والدبلوماسية الكافية التي تؤهلهم للتعامل مع إسرائيل
وأمريكا والدول الأوروبية المعنية بالصراع في المنطقة
.
والغريب أن هذه الخبرة التي يفتقدونها في حماس هي التي
أطاحت - في نظر الشارع الفلسطيني والمراقبين والمحللين السياسيين - بحركة
فتح في
الانتخابات الأخيرة ، باعتبار أن قادة السلطة الذين جلهم محسوبين عليها
لم
يستطيعوا - رغم تحصنهم بهذه الخبرة !!!- أن يعيدوا للشعب الفلسطيني الحد
الأدنى من
حقوقه المسروقة ، كما درجوا منذ توليهم على إدارة الأزمة مع الكيان
العبري إلى
تقديم التنازل تلو الآخر للعدو دون أن يحصلوا على مكاسب تذكر ، وحاولوا -
في سياق
هذه
التنازلات - القضاء على آخر ورقة رابحة بقيت في يد الشعب الفلسطيني ونعني
بها
المقاومة المسلحة لكنهم لم ينجحوا ، ناهيك عما يشاع عن هؤلاء القادة من
تورطهم في
أعمال الابتزاز وسرقة الأموال واستغلال النفوذ ، حتى باتت رائحة الفساد
في دوائر
السلطة تزكم الأنوف
وحيال هذه الدعوات المشبوهة التي يدعو إليها دحلان
والرجوب ، بات الشعب الفلسطيني يخشى من أن تتحول
المؤسسات الأمنية التي يتمتعون
بنفوذ كبير فيها ،
عائقاً أمام أي إجراءات إصلاحية تقدم عليها الحكومة
القادمة ،
وبخاصة أن أمريكا لم تخف معارضتها الشديدة لتولي حماس إدارة الصراع
الفلسطيني
الإسرائيلي في هذه الفترة التي يواجه فيها الأمريكيون أزمات في سياستها
الخارجية
حيال
المنطقــة بعامة ، وفي العراق وأفغانستان وفلسطين بصورة خاصة . شعار حركة
فتح
والحقيقة أن دحلان والرجوب ليسوا ممن تخلوا صحائفهم من
الشوائب التي تذهب إلى حد اتهامهما بالتعاون مع
"إسرائيل"
وأمريكا على حساب الشعب
الفلسطيني وحساب قضيته . فقد ذهبت بعض التقارير الصحفية إلى القول بأن
محمد دحلان
الذي
سطع نجمه ووصف بالرجل
القوي في غزه ، يتمتع بقدر وافر من رضا الأمريكيين لدرجة
أن
الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون همس في أذنه أثناء وجود الوفد
الفلسطيني
المفاوض في واي بلانتيشن بأنه زعيم واعد لشعبه ، كما طلبه الرئيس بوش
بالاسم خلال
مؤتمر شرم الشيخ ليصافحه ويشد على يديه . كذلك أشارت صحيفة أمريكية إلى
أنه جرى
توظيف دحلان عميلاً للمخابرات الأمريكية
CIA
منذ كان في العشرين من عمره ، وأشارت
لتصريحاته بشأن استعداده التضحية بنصف الشعب الفلسطيني إذا ما تيقن أن
النصف الآخر
سيوقع اتفاق مصالحة مع الكيان العبري ، وأن سجله العامر بوقائع زج كوادر
فصائل
المقاومة الفلسطينية - سواء من حماس أو
غيرها
- في السجون وتعذيبهم ، قد دعم هذه
الاتهامات . (اقرأ المرفق عن سيرة حياة محمد دحلان)
( * ) .والشيء
ذاته يقال عن سجل جبريل الرجوب الذي لا يخفي
عداءه لحماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية التي تعتمد المقاومة المسلحة
أسلوبا
لمقاومة الاحتلال . فخلال العمليات التي كان الجيش الإسرائيلي يستهدف بها
إعادة
احتلال مدن الضفة الغربية ، قام الرجوب بتسليم العديد من عناصر المقاومة
المسلحة
التابعين لحركة حماس وغيرها من حركات المقاومة الذين احتموا بمقر الأمن
الوقائي في
بيتونيا قرب رام الله في الضفة للقوات الإسرائيلية ، كما أن هناك الكثير
مما يشاع
عن
قيامه بسجن وتعذيب أعداد كبيرة من هذه الكوادر في هذا المقر وغيره في
الضفة .
(اقرأ
التقرير الذي نشره موقع محيط وتناقله العديد من المواقع عن سيرة جبريل
الرجوب)
(**).والواقع
أن من السابق لأوانه القول بأن الرجوب ودحلان
وحدهما اللذان يهيمنان على صنع القرار في حركة فتح ، وأن كلمتهما هي
الفصل في كل
الأمور التي تتعلق بها ، فهناك داخل الحركة العديد من الفصائل الفرعية
التي تحمل
وجهات نظر مخالفة لمواقفهما نحو بعض القضايا ، مثل تأييد المقاومة
المسلحة ووجوب
تطبيق الديمقراطية في اتخاذ القرار داخل الحركة والقضاء على الفساد
المستشري في
السلطة .. وما إلى ذلك
.لكن
المؤرق في الأمر هو ما يقال عن أن هذين القياديين
يتمتعان بتأييد من أمريكا و"إسرائيل"
فيما يتعلق بتولي قيادة الشعب الفلسطيني
والتفاوض حول إيجاد حل للقضية الفلسطينية بعامة ، كما يتمتعان بقدر وافر
من
الإغراءات التي تمكنهما من جمع التأييد في صفوف الحركة ، وأن إصرارهما
على عدم
مشاركة حماس في اي وزارة تقوم بتشكيلها ليس إلا نوعاً من التواؤم مع
سياسة
الأمريكيين والإسرائيليين في إدارة الصراع في الأراضي المحتلة
.
فهما يريان في تولي حماس إدارة الشأن الفلسطيني
تعقيداً للمشكلة من شأنه أن يخرجها إلى نطاق أوسع من
الرهانات حول أفضل الحلول المطروحة لحل النزاع
الفلسطيني الإسرائيلي ، وأول هذه الرهانات التي يرفضها
الإسرائيليون والأمريكان يدور حول الآمال التي يعقدها
الفلسطينيون على حماس في
التخلص من الفساد الذي استشرى في قيادات
السلطة ومؤسساتها ، ومن البطالة والفقر
الذي
يهدد حياة الفلسطينيين بمختلف شرائحهم ، بسبب النهب المبرمج للأموال
الممنوحة
للشعب الفلسطيني وتشتيتها في غير مصارفها الصحيحة
.
فإذا صدق ما يقال في تبعية دحلان والرجوب لسياسات
إسرائيل وأمريكا حيال القضية الفلسطينية بعامة ، فإن الواجب على كوادر
فتح المخلصة
وبتأييد من الشارع الفلسطيني أن تعمل على الانضمام لحماس في تشكيل جبهة
موحدة طالما
أصبح
ذلك ممكناً ، حتى وإن كانت تحت مسمى حكومة تحت الاحتلال ، فإذا ما تم ذلك
،
فإن
ورقتين محوريتين سوف تتوفران للمفاوض الفلسطيني أولهما : إن الحق
الفلسطيني في
أرضه
يبدأ من التمسك بكامل أرض فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر وهذا
الاتجاه
تمثله حماس ، وثانيتهما : وجود قدر كاف من المرونة التي تبرر إيجاد حلول
مرحلية
للوضع المتفجر القائم حاليا ، والذي قد يصل بالمفاوض الفلسطيني للحصول
على حق إقامة
دولة
فلسطينية على كامل الضفة الغربية وقطاع غزه مع إيجاد رابط جغرافي يصل
بينهما ،
وهذا
ما تمثله حركة فتح وتقبل به حماس الآن
.
لقد راهن الكثير من قادة فتح على أن حماس سوف تغير من
برنامجها الانتخابي الذي طرحته في الانتخابات ، ولكن بعد
أن أعلن قادة حماس أنهم يرفضون الاعتراف بالكيان
العبري ، ويقبلون - في المقابل - بقيام هدنة طويلة الأجل
بعد انسحاب كامل قوات الاحتلال من الضفة
وغزه وقيام الدولة الفلسطينية عليهما
.. تصبح حجة قادة حركة فتح واهية .. الأمر
الذي يتعين معه على المخلصين في هذه الحركة
أن ينحّوا هؤلاء القادة جانباً ويستمعوا لنداء العقل
ومصلحة الشعب وصرخات الشهداء ، فيتوحّدوا مع
إخوانهم في حماس وغيرها من فصائل المقاومة الفلسطينية والشارع
الفلسطيني في جبهة موحدة ، حتى لو أطلق عليها اسم حكومة
قائمة في ظل الاحتلال
|