الفلتان الأمني عمل منظم ومدروس
د. فايز صلاح أبو شمالة
إنما هي يد خفية ذكية تسعى بكل ما أوتيت من خفة إلى تحريك الجمر الراكد في
نفوس المجتمع المقهور بحكم الواقع السياسي والاقتصادي الصعب.
ولا يصدق عاقل، يراقب الأحداث أن ما يجري على الأرض من فلتان ما هو إلا
استجابة طبيعية للمرحة التي سلفت من مقاومة، وتمهيداً للمرحلة التي ستأتي،
ولا يصدق عاقل أن الفالتين أمنياً يتحركون بقواهم الذاتية، دون ربط ذلك مع
جهات تحركهم، وإن كان يجهل الفالتون أمنياً دوافع الفلتان، ونتائجه على
القضية الفلسطينية، ومستقبل شعبنا، فإن المحرك للفلتان، والمغذي له يعرف ما
سيحقق من وراء ذلك.
إن المسعى من وراء كل ما يجري على الأرض هو تحقيق الهدف المرحلي لتطلعات
بعض المحسوبين على القوى السياسية الفلسطينية، المعززة بطموح شخصي لمن يفكر
باستغلال كل حاله فلتان لما يخدم مآربه، وذلك من خلال إيصال المجتمع العربي
الفلسطيني إلى وضع من التمزق، والتفرقة، والصراع، والخلل، تتوه معه
الحقيقة، وتختفي دونه الآمال، ومن ثم تنامي رغبة وتشوق المجتمع للخلاص مما
هو فيه بأي ثمن، والاستغاثة، والاستعانة بأي قوة مهما كانت لكي تضبط الأمن
الذي بات مهدداً.
أما الهدف الاستراتيجي من ذلك فهو استثمار حالة الضعف والتمزق في تمرير أي
اتفاق سياسي انتقالي، أو بعيد المدى يخدم ذوي ميول التسوية مع إسرائيل.
ما سبق يمكن الاستدلال عليه من خلال المشابهة بين ما جرى على الأرض في
السنوات الأخيرة للانتفاضة الأولى، عندما انتفض الشعب رافضاً للواقع، وبات
في آخر الآمر متلهفاً إلى أي حل ما ظن يوماً أنه سيرضى به، لقد تحول حلم
الفلسطيني بالتدريج وبفضل الفلتان من عودة كامل فلسطين إلى أهلها إلى
العودة إلى فلسطين تحت حكم الإسرائيليين، ومن ثم صار حلم الفلسطينيين مع
تواصل الفلتان هو العودة إلى العمل في إسرائيل، وبعد ذلك صارت الأمنية هي
العودة إلى حالة الاتزان الاجتماعي القائم على احترام النفس البشرية فقط،
لقد كانت نتائج تلك الحالة هي ضعف التلاحم الذي أوصل إلى تمرير اتفاقية
أوسلو.
بين الانتفاضتين مفارقة تقوم على أن هنالك قوى جديدة ميدانية صاعدة داخل
مجتمعنا العربي الفلسطيني، يجب أن يكون لها دور رئيسي في ضبط الأمور، وأن
تتحمل المسئولية، ولكي لا يفهم من كلامي هذا على أنه دعوة إلى مزيد من
الاستعراضات العسكرية في الميدان، ولاسيما في ظل الغياب الرسمي للسلطة
الفلسطينية التي لا تقدم ولا تؤخر في هذا المجال ـ بفعل فاعل ـ فأنني أناشد
القوى السياسية، والدينية، والاجتماعية، والشخصيات الوطنية، وكافة الفصائل
الفلسطينية، التي أخذت على عاتقها ضرب المحتلين، وتهديد الغاصبين، أن تضطلع
بواجبها الوطني والديني، وأن تتداعى إلى عقد مؤتمر شعبي في كل منطقة على
حدة من مناطق النفوذ الفلسطيني، من الشمال إلى الجنوب، يتم من خلاله دعوة
كل الشخصيات المؤثرة في المنطقة، وكل التنظيمات، والمؤسسات، والمرجعيات
الشعبية، والمنظمات الأهلية، والقوى الاجتماعية، إلى لقاء شعبي، ويعلن من
خلاله عن التوصل إلى وثيقة شرف، أقرب ما تكون إلى حلف الفضول، وتوقع من
جميع الحضور، وتعلن في المساجد كصيغة تفاهم، وإجماع شعبي تحول دون المساس
بأمن المواطن، وماله، وأرضه، وعرضه، ينبثق عنها لجنة متابعة ميدانية وطنية
إسلامية اجتماعية، لها قوة ضاربة على الأرض، تتحرك مدعومة بموقف جماهيري،
تضرب على يد الظالم الفالت دون رحمة، حتى لو وصل الأمر إلى أن تبعثر دمه
الفالت بين التنظيمات والعائلات والتجمعات السكانية.
لكم نحن في حاجة إلى هذه القوة الوطنية الإسلامية التي تأخذ أوامرها من
لجنة متابعة ميدانية عليا، تشارك فيها كل القوى والفعاليات، تفرض هيبة
القانون، وتحترم حقوق المواطن، وتكون معززة، ومقدرة قيمة بسط نفوذ السلطة
الفلسطينية على الأرض.
|