فشل تجربة عشر سنوات من عمر السلطة
الفلسطينية
بقلم الأستاذ نو الدين حسن
محمد أبو عاصي
منذ قدوم السلطة الفلسطينية إلى أرض الوطن اعتقد الشعب
الفلسطيني أن ثمة عصرا جديدا قادما سيعيش فيه الفلسطينيون حياة تخلصهم من
كابوس وضغط الاحتلال في قطاع غزة والضفة الغربية ويقف أشقاؤهم القادمون
إليهم على هذا الجزء المحرر من فلسطين يقفون بجانبهم بحيث يكونون عونا
وسندا لهم يخففون من وقع قسوة الحياة ومرارة العيش وألم الاحتلال .
وكم كانت الفرحة كبيرة حيث خرجت مئات الألوف من الفلسطينيين
تستقبل الأبطال وتمد لهم يد العون والمساعدة بكل ما أوتوا من عزيمة فأغدقوا
عليهم من الأموال والهدايا والأثاث الفاخر والأطعمة والولائم شيئا كثيرا
وقد وفدوا إلى هنا لا يملكون إلا الندر الزهيد من المال كما صرّح بذلك
الشهيد المرحوم عبد المعطي السبعاوي قبل استشهاده بعام في لقاء له مع قناة
الجزيرة الفضائية حيث قال : جئنا إلى أرض الوطن وكنا إحدى عشر ضابطا بيننا
غازي ألجبالي ولا نملك غير ألفين من الدولارات ...!!!!!!!!!
ولكن الصدمة عند الفلسطينيين كانت أكبر وخيبة الأمل أعظم إذ
سرعان ما تبددت الآمال وتحولت الأمنيات إلى أوهام وسراب يحسبه الظمآن ماء .
لم يكن أحد يتوقع من الشعب الفلسطيني ولا أحد من المراقبين
أن تسوء الأمور
إلى هذا الحد الذي وصلت إليه على أيدي أشقائهم الذين
استقبلوهم بزغاريد النصر وباقات الورود والذين ظنوا بهم خيرا طوال الوقت
كحماة للعرض والوطن وعتاة في الذود والدفاع عن الشعب الذي انتفض انتفاضته
ذات السنين السبع !!!.
لقد ازدادت الأمور سوءا عما كانت عليه أيام الاحتلال
الإسرائيلي ولا أقول ذلك من باب تضخيم
الأمور بل إنها الحقائق الشاهدة التي تنطق معبرة عن نفسها بالأدلة
والبراهين والوقائع والأرقام ومن لا يريد التصديق فليعد إلى المراجع
الأساسية ليستقي منها الحقيقة كاملة والتي لا يمكن أن تخفى على أعين كل
مخلص غيور على شعبه يرفض أن يعيش منتفعا مغمضا عينيه .
الغلاء الفاحش ارتفعت وتيرته ولم يرحم أحدا وارتفعت نسبة
البطالة إلى درجة غير مسبوقة وتفشى الفقر وكثرت عمليات المافيا المنظمة
والتي قادها ضباط كبار محسوبون على السلطة كان آخرها عملية ضد عائلة ( ك )
حيث استدرجوا أحد أبنائها بحجة شراء وبيع أجهزة جوال وكروت اتصال ( فئة
المائة شيقلا ) وبعد أن سلبوا منه كل ما يملك من أموال وبضاعة زجوا به في
السجن ليدفع فدية قيمتها مئات آلاف الدولارات أو يقضي عمره داخل السجن
وهناك قضايا كثيرة جدا وخطيرة للغاية منها ما يتعلق في السيطرة على الأراضي
بالقوة وأمام أعين أصحابها مثل قضية ( ش ) حيث تدخل أحد الضبط الكبار( مدير
مكتب رئيس أحد الأجهزة ) وهدد صاحب الأرض إما بالسكوت عن حقه أو توجيه تهمة
العمالة له .
وازدادت نسبة التسرب في المدارس من أجل البحث عن لقمة
العيش خاصة لدى الأطفال أقل من 12 سنة وارتفع عدد المرضى ارتفاعا ملحوظا
خاصة المرضى النفسيين ومرضى الأعصاب واستشرى الفساد العلني والمقنع لينخر
في جسد هذا المجتمع الخارج من انتفاضة أثخنته جروحها فسيطروا على الأراضي
والأملاك واعتبروها إرثا شخصيا لهم ولأبنائهم واحتكروا الوظائف وأغدقوا
المناصب والأموال على بعضهم بعضا ووفق أمزجتهم وانتشرت المحسوبية والرشوة
ونهبوا الأموال العامة والخاصة واحتكروا السلع الرئيسية مثل الأسمنت
والحديد المسلح والحصمة وتجارة الماشية والأجهزة الكهربائية وغيرها كثير
واستغلوا مواقعهم أسوأ استغلال بما يعود عليهم بالنفع الشخصي حيث بنوا
الفلل الفاخرة والشقق الفارهه ولم يرحموا أسرة شهيد ولا جريح ، والأسرى
المحررون يتسولون مستحقاتهم على أبواب وزارة الأسرى حتى أولئك الذين خرجوا
من الأسر قبل قدوم السلطة إلى أرض الوطن أو يبحثون عن فرص عمل قد تم
توزيعها مسبقا على من يريدون ليحرم بذلك الكثيرين من الأسرى الشرفاء وحجبوا
الوظائف عن مناضلين حماس والجهاد واحتكروا القرار السياسي وقمعوا المناضلين
الشرفاء وزجوا بهم في السجون وقد أذاقوهم صنوف العذاب في زنازين وأقبية
التحقيق وعملوا بهم فتكا وتقتيلا وما أحداث مسجد فلسطين عنا ببعيدة حيث سقط
فيها العشرات من القتلى والجرحى في مدة لم يتجاوز عمر السلطة على أرض الوطن
الأشهر الثلاث وشاعوا بين الناس أن السكان الفلسطينيين الذين أشعلت دماؤهم
وعذاباتهم نيران الانتفاضة هم من مخلفات الاحتلال ينبغي التخلص منهم
وأنهم ( أي إخوتنا القادمون الأشاوس ) إنما جاؤا ليعلموا السكان درسا كيف
تكون الحرية وفقا لرؤيتهم وهي حرية الشاليهات والخمارات والتبرج والسفور
وهتك الأعراض وقضاء السهرات الراقصة الماجنة في الأماكن التي أعدوها لذلك
خصيصا على امتداد شاطئ بحر غزة .
ولقد وقعت صدامات كثيرة بين الضباط القادمين وبين المقاتلين
المقيمين الذين أشعلوا نار الانتفاضة بسبب تعامل الضباط القادمين تعاملا
فوقيا واستفزازيا للأبطال الذين كانوا مطاردين لجنود الاحتلال مما زاد من
حجم الهوة بين ما عُرف ظلما بالداخل والخارج . ولم يتمكن الإخوة في السلطة
من تبديل العقلية الثورية بعقلية بناء الدولة بل استبدلوها بعقلية الغطرسة
والقمع والفساد والإفساد والسرقة والبطش والتنكيل .
لقد فشلت السلطة فشلا ذريعا على جميع الأصعدة ولم تستثن
صعيدا واحدا حتى على الصعيد التنظيمي الداخلي لحركة فتح باعتبارها حركة
سياسية رائدة وحزبا حاكما ولا يمكن لأحد أن ينكر ذلك وشواهده أكثر من أن
تعد وتحصى مع أننا كم تمنينا أن تعود فتح البندقية فتح المقاومة فتح معركة
الكرامة فتح ال 65 وال 67 فتح الشرفاء .
لم تستطع السلطة من توفير الحد الأدنى من الحياة الطيبة
للمواطن الفلسطيني التي كان ينتظرها على أيدي إخوانه القادمين إلى أرض
الوطن ولم يتوقع أحد أبدا أن تصل الأمور إلى هذا المنحدر الخطير في الفساد
الأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي والأمني والمالي والسياسي حتى أن بعض قادة
السلطة ألقى القبض على من شارك في هذه الانتفاضة الأخيرة وحلق شعورهم
وأرغمهم على دفع غرامات مالية بعد أن زجوا بهم في الزنازين ولولا تدخل
القادة الميدانيين للانتفاضة وتصعيد احتجاجاتهم لتحولت الانتفاضة إلى
انتفاضة خمسة نجوم ولأفل نجمها منذ زمن !!! .
كان الإسرائيليون في الفترة التي سبقت اندلاع الانتفاضة
الأخيرة ( انتفاضة الأقصى أي قبل 29/ 9 يخططون ويبتكرون أرقى أدوات القتل
و محاولات الإسقاط وكانت السلطة الحاكمة تعيش فترة استرخاء تبتكر فيها كيف
تضعف من هيمنة القوى والتنظيمات المجاهدة .
عشر سنوات من عمر السلطة على أرض الوطن النازف فهل نجحت في تحيق الأمن
الاجتماعي ؟ وهل نجحت في الدفاع عن المواطن وتوفير الأمن الحياتي له ؟ وهل
نجحت في مشروعها السياسي ؟ وهل وفرت فرص عمل لإطعام الجياع من أبناء شعبها
بدلا من تهريب الأموال لبنوك الخارج !!! ؟
أصبح المواطن الفلسطيني على أرض وطنه لا يشعر بالأمن على نفسه وبيته وأهله
فكيف يمكنه أن يثق بالسلطة ؟ فلتان أمني وتغييب للقانون واقتتال اجتماعي
قبائلي داخلي يقع وبشكل شبه يومي كان منها ما وقع في بيت حانون حيث سقط
قرابة العشرين جريحا من عائلتين فلسطينيتين لهما تاريخهما النضالي المشرف .
لقد صرّح الدكتور سفيان أبو زايدة وزير الأسرى في ورشة عمل عقدها مركز
الحقوق والقانون في 20 / 8 / 2005 في قاعة لجنة زكاة جباليا قائلا : أنه
وخلال الخمس سنوات الماضية كان هناك تراجعا كبيرا في تطبيق القانون .
وبدوري من حقي أن أسأل : أليس تراجع القانون من الأدلة الواضحة على ضعف
وعجز السلطة بل على فشلها ؟ ثم من الذي يعمل على تراجع القانون ؟ أليسوا هم
أولئك الحامين له !!! ؟
عندما يعترف مسئولون كبار يعملون في السلطة الفلسطينية مثل حسن خريشة عضو
المجلس التشريعي الفلسطيني وسفيان أبو زايده وغيرهم كان آخرهم الدكتور كمال
الشرافي وزير الصحة السابق ورئيس لجان المساندة والحماية الأهلية حيث قال
في اللقاء الأسبوعي لجمعية أساتذة الجامعات في غزة في 29 /8 / 2005 أن
هناك مخاوف حقيقية لا يمكن إلغائها وأن ثمة خطر يحدق بنا وأن الناس لا
يثقون في القضاء الفلسطيني وأن الفلسطيني يتعرض للذبح يوميا وأنه لا مجال
لمجاملة السلطة طالما يتعرض مواطنوها للذبح وطالما أنها عاجزة عن فعل شيء
بل إن السلطة عاجزة عن حماية عناصرها الأمنية .
واليوم نسمع أصواتا تعلو بين الفينة والأخرى لجمع سلاح المقاتلين الذين
يذودون عن شرف الأمة بأسرها تحت شعار ( لا سلاح غير سلاح السلطة الشرعي
والوحيد ) كنت أتمنى لو كان هناك سلطة وطنية واحدة لها حق وصلاحية السيادة
على أرضها وبحرها وجوها ومعابرها حينئذ لا أعتقد أن يكون هناك سلاحان ولكن
أن توجد سلطة فلسطينية لا تملك الحق ولا السيادة ولا الاستقلال وتهيمن
عليها السلطة الإسرائيلية هيمنة كاملة حتى رغيف الخبز ونقطة المياه فعن أي
سلطة حينئذ يتكلمون ؟
لم تنجح السلطة في بناء أسس المجتمع المدني الحديث وحتى ولا توفير شربة ماء
تصلح للبهائم فكيف بمصير شعب وقضية وهوية ووجود .
وزارة التعليم حدث عنها ولا حرج عليك ووزارة الصحة حالها يدمي القلوب وهما
من أهم الوزارات في كل كيان موجود على ظهر الأرض فما بالك بباقي الوزارات
والتي لا تعدو أن تكون أشكالا كرتونية لا قيمة ولا جدوى منها ألم تسمع أخي
القارئ بأن الوزارة تنوي إيقاف مستحقات أسر الشهداء أو أوقفتها !!!!!!! .
إن الجاهل المتننفذ هو الذي يعلق كل أخطائنا على شماعة الاحتلال ليلغي
الفعل والوعي الوطني الفلسطيني وكأنه لا فعل ولا وعي لشعب عريق متثبت راسخ
على أرضه أو لستر عورات الفساد وإخفاء الضعف والعجز والإفلاس السياسي .
إنها المؤامرة التي تستهدف فقط الفلسطيني على أرضه لكسر مقومات صموده ودفعه
للإستسلام واليأس من خلال التضييق عليه وخنقه إن أمكن ذلك ولكنه خنقا
محذورا لأنهم يعرفون تماما المقولة العسكرية التي يجري تدريسها في جميع
الكليات العسكرية في العالم والتي تقول : إذا حاصرت عدوك من أربع جهات
فاترك له جهة ينفذ منها .
عشر سنوات من عمر السلطة حاولوا خلالها كسر مقومات صمودنا ولكنهم خسئوا ولن
يفلحوا . |