استنساخ أوسلو

 

بقلم: أحمد عمرابي

صحيفة البيان الإماراتية 5/6/2003

 

لم يتغير شيء، حتى المكان لم يتغير: اجتماع قمة في منتجع شرم الشيخ يتصدره رئيس أميركي يخاطب قادة عرباً وجهًا لوجه فيطالبهم بمشاركة "إسرائيل" والولايات المتحدة في استئصال المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية تحت عنوان «مكافحة الإرهاب». وهكذا ما بين عام 1996 وعام 2003 لم يتغير شيء.

 

في عام 1996 جاء إلى شرم الشيخ بيل كلينتون وعام 2003 جاء جورج بوش. وأعاد الرئيس «الجمهوري». على المسامع العربية ما قاله سلفه «الديمقراطي»: أن يكبح القادة العرب أخوتهم الفلسطينيين بشتى الوسائل لكي تنعم الدولة الإسرائيلية بالأمن والاحتلال معاً.

 

وما كان لأي أحد يتمتع بأي حد أدنى من الوعي السياسي أن يتوقع تغييراً جوهرياً في الثوابت الأميركية تجاه الدولة اليهودية طالما أن دورات الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة التي تتوالى كل أربع سنين من تأليف وإخراج وتمويل «إيباك» الهيئة الصهيونية العليا التي تمثل السيطرة اليهودية شبه الاحتكارية على النظام المصرفي - العمود الفقري لكل القطاعات الصناعية والخدمية - والإمبراطورية الإعلامية. لكن أما آن الأوان على الطرف الآخر أن تستحدث قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية تغييراً جذرياً انقلابياً في استراتيجيتها؟

 

ما بين «أوسلو» في النصف الأول من التسعينيات و«خريطة الطريق» في بداية العقد الأول للألفية الثالثة ظلت القيادة التقليدية الفلسطينية تنتقل، كما أريد لها - من طريق مسدود إلى آخر أشد انسداداً. وأكاد أقسم أنه حتى طلاب السنة الأولى الجامعيين في أقسام علم «العلاقات الدولية» باتوا يدركون سر اللعبة الإسرائيلية الأميركية.. وهي الانتقال بقيادة السلطة الفلسطينية من «مبادرة» إلى أخرى ضمن مسلسل بالغ الطول موضوع مسبقاً من أجل منح الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ما تحتاج من وقت لتحويل الضفة الغربية لنهر الأردن إلى رقعة شطرنج من مستوطنات يهودية تتخللها طرق التفافية عليها نقاط عسكرية بهدف خلق أمر واقع.. فلا تعود الأرض المحتلة عملياً قابلة للتفاوض.

 

«أوسلو» هي «أم الأخطاء» التي تعجلت القيادة التقليدية لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى اقترافها. فما جرى ويجري بعد ذلك ليس سوى تداعيات متسلسلة لما تم التوقيع عليه عام 1993 في حديقة البيت الأبيض الأميركي بين عرفات ورابين بمشاركة كلينتون كشاهد زور. فهذا الاتفاق كان وليد مساومات سرية من وراء ظهر «المسارات» التفاوضية الأخرى في ذلك الحين.

 

ونعجب اليوم كما عجبنا حينئذٍ كيف تقبل القيادة الفلسطينية «خريطة طريق» تنطوي أيضاً على تأجيل قضايا المصير؟

ولم تكتف القيادة التقليدية الفلسطينية بارتضاء تأجيل التفاوض حول حق العودة والقدس والطبيعة السيادية لدولة فلسطينية مستقبلية بل سارعت إلى دفع ثمن السمك ولما يزل داخل البحر، فعمدت أولاً إلى تمزيق الميثاق الوطني الفلسطيني كناية عن نبذ أسلوب الكفاح المسلح إلى الأبد. بينما لا تزال السلطة الاحتلالية جاثمة على الأرض.. وعمدت ثانياً لتحويل نفسها إلى فرع لجهاز «شين بيت» الإسرائيلي.. ومن ثم دخلت فلسطين عهداً جديداً من الإرعاب المنهجي على يد قيادات وكوادر أمنية فلسطينية.

 

في مدى قياسي اكتظت معتقلات السلطة وسجونها بالمئات من المناضلين.. وكلما شنت الأجهزة الأمنية الفلسطينية حملة «ناجحة» من الاعتقالات كلما طالبها شيمون بيريز ومن بعده بنيامين نتانياهو وايهود باراك بالمزيد.

 

ولكن ما هي المكافأة؟

 

هنا أطلقت سلسلة «المبادرات» العقيمة.

 

جاء دينيس روس وانتهت مهمته إلى لاشيء. ومن بعده جاء السيناتور متشيل.. ثم تبعه جورج تينيت.. ومن بعده انتوني.. كلهم كان ينتهي إلى «خطة» أو «توصيات» محورها الأساسي كيفية القضاء المبرم على الانتفاضة المسلحة التي اندلعت في هذه الأثناء ابتداء من سبتمبر عام 2000.

 

ويأتي الآن مشروع «خريطة الطريق» كأحدث حلقة في مسلسل شراء الوقت. وسوف تكتشف قيادة السلطة الفلسطينية أنها - مثل سابقاتها - سوف تنتهي أيضاً إلى طريق مسدود.. وربما نسمع بعد ذلك عن حلقة جديدة باسم «طريق الخريطة»!

 

ومرة أخرى أتساءل: أما آن الأوان للقيادة التقليدية لإحداث تغيير جذري انقلابي في استراتيجيتها في التعامل مع القضية؟ وإذا كانت عاجزة عن هذا التحدي أفلا تفسح المجال لغيرها؟

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع