أيها الفلسطينيون .. غزة تكفيكم
إلياس سحّاب
صحيفة السفير اللبنانية 20/9/2005
ها هو المشهد الفلسطيني يمتد على كامل الكرة الأرضية، من
أرض غزة، إلى أرض الضفة الغربية، إلى القدس، إلى أروقة الأمم المتحدة، يحمل
كل دواعي القلق وكل مؤشرات الخطر.
والخلاصة المأساوية، كما تبدو من غزة إلى أروقة الأمم
المتحدة، مروراً بوزارات الخارجية، في الدول العربية والإسلامية، أن مصير
قضية فلسطين في هذه اللحظة التاريخية الراهنة، يحدده "بطل" صبرا وشاتيلا
آرييل شارون: عملياً على أرض فلسطين بكاملها، ونظريا، في أروقة الأمم
المتحدة، وفي الكواليس التي يتلقى فيها تهاني مختلف دول العالم (وبينها دول
عربية وإسلامية) باعتباره بطلاً للسلام، كما يتلقى عروض القبول بتطبيع
علاقاتها بـ"إسرائيل"، من هذه الدولة العربية أو تلك، وهذه الدولة
الإسلامية أو تلك.
بعض ملامح المشهد الفلسطيني واضحة في ما يجري على أراضي غزة
والضفة والقدس، وبعضها واضح في توبات الصراحة المتعالية والواثقة إلى درجة
الغرور الكامل، التي أدمنها شارون، وبعض هذه الملامح واضح في تحركات بعض
الدول العربية والإسلامية، التي تشبه حركة الزحف على البطن، في بعض
تجلياتها.
فإذا جمعنا كل هذه الملامح في إطار الصورة الواحدة للمشهد
الفلسطيني العام، كما يبدو لنا الآن، فإننا سنجد أمامنا ما يلي:
بالنسبة لقطاع غزة، أصبح واضحاً أن تفكيك المستعمرات هو
التقدم الوحيد في الموقف لصالح القضية الفلسطينية.
أما في ما عدا ذلك، فخروج جيش الاحتلال الإسرائيلي لا يعدو
كونه عملية إعادة انتشار، أما كل المفاصل العملية للسيادة الوطنية فما زالت
بيد الاحتلال الإسرائيلي، ليس فقط في البر والبحر والجو، بل حتى في الحدود
المصرية الفلسطينية. وقد أضيف إلى ذلك كله قبل أيام حاجز الكتروني يطوق غزة
من جهة حدودها الشمالية مع "إسرائيل"، والمبرر هو كالعادة أمن "إسرائيل".
في الضفة الغربية كل تصريحات المسؤولين الإسرائيليين
(المدنيين والعسكريين) وكل ما يجري أصلاً على الأرض منذ العام 1967، يشير
إلى استكمال عملية استعمار الضفة الغربية عسكرياً وبشرياً، مع الاستيلاء
الكامل على كل الموارد الطبيعية الفلسطينية. والمبرر الدائم، هو أمن
"إسرائيل".
في القدس، وفيما تستكمل على الأرض كل تفاصيل تهويد
القدس العربية، جغرافياً وبشرياً، يغلق شارون الدائرة السياسية لهذا
الموضوع من على منبر الأمم المتحدة، بتكريس المقولة الصهيونية بأن القدس
عاصمة أبدية لإسرائيل، ولا يرتفع صوت واحد بالاعتراض. والمبرر طبعاً هو أمن
"إسرائيل".
وأخيراً، وفي ما يتعلق بحكم محكمة العدل الدولية بلا
شرعية جدار الفصل، لأنه أقيم في أرض محتلة، يصرح شارون أيضاً في الأمم
المتحدة بشرعية الجدار. وذلك لضمان أمن "إسرائيل".
وبما أن الرياح العربية والدولية، مواتية كلها لإسرائيل،
بأكثر مما تحلم، فإن شارون لا يكتفي بكل ذلك، بل يندفع إلى تحديد الخطوة
التالية، فيقول إن على الفلسطينيين الآن أن يثبتوا رغبتهم بالسلام.
منطقياً، لا يعقل طبعاً أن يطلب إلى من احتلت أرضه إثبات
رغبته بالسلام، وأن يكون محتل الأرض، هو صاحب الطلب. لكن قضية فلسطين ليست
جديدة في أحداثها المأساوية التي تسير عكس المنطق.
وإذا كان تصرف "إسرائيل" في الأرض المحتلة، وفي الأمم
المتحدة، يبدو متجانساً مع مصالح "إسرائيل"، ومع ممارستها لما تتمتع به من
لا مبالاة دولية إزاء احتلال فلسطين، إلى درجة تشجيع هذا الاحتلال على
التحول إلى استعمار دائم، فإن نقطة الخطر الأكبر المندفعة حالياً باتجاه
تصفية القضية الفلسطينية، فيما لو استمرت الأمور على حالها، هو اندفاع
الدول العربية إلى تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" في ظل هذه الصورة المأساوية
للقضية الفلسطينية. وليس أخطر ما في هذا الموقف تشجيع "إسرائيل"، التي لا
تحتاج إلى مزيد من التشجيع، بل إقفال الطريق نهائياً، على احتمالات أي تحول
إيجابي في أوروبا أو آسيا أو أميركا اللاتينية، يمكن أن يتحرك للجم شهوة
"إسرائيل" الاستعمارية التي تتجه صراحة إلى إلغاء كامل لفلسطين، وللإرادة
السياسية لشعبها.
وحتى إشعار آخر، فإن "إسرائيل" (ومن ورائها العالم كله
بصمته ولا مبالاته) تقول للفلسطينيين، غزة تكفيكم، طبعاً غزة المنزوعة
السيادة الوطنية بالكامل: براً وبحراً وجواً، وحدوداً.
|