بقلم: رائد عواشرة*
بالرغم من حالة الإجماع الفلسطيني على ضرورة إجراء الانتخابات التشريعية
في موعدها وباستثناء موقف حركة الجهاد الإسلامي تبرز معارضة حركة "فتح"
من خلال موقفها الدفين وغير المعلن
لإجرائها والمطالبة بتأجيلها للعديد من الأسباب الخاصة والتي تخص داخليا
الحركة.
وتفاعل موضوع الانتخابات التشريعية مع مجمل الساحة الفلسطينية بحيث أصبحت
في حالة من الغليان، فكلما اقترب موعد الانتخابات كلما تأزمت الساحة
الفلسطينية. إن هذا التصعيد والذي بات يعرف بالفلتان الأمني اخذ منحى
خطيرا وبرز بشكل مؤسسي في إحدى التنظيمات بل تعداه ليصبح شكلا رسميا
بواقعة إغلاق معبر رفح من قبل الشرطة الفلسطينية (عشرات من أفراد الشرطة
وصلت المائة فرد) احتجاجا على مقتل وميل لهم في مشكلة خارج المعبر وطرد
بعثة المراقبة الأوروبية.
إنني حالة الفلتان والفوضى الأمنية التي نعيشها هي نتاج ومن صنع تيارات –
قبائل سياسية -- داخل حركة "فتح" ومتصلة بالسلطة والأجهزة الأمنية،
فالخطف والقتل والاقتحام واحتلال المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية
ومصادرة الأجهزة وتحطيم الأثاث ليس بالعمل العبثي هدفه "العنف والتخريب"
بل أن لهذا الفلتان أهدافه وأدواته لغاية تحقيق مكاسب ومطالب ما.
إن المطلب الأساسي لحالة الفلتان والفوضى الأمنية تتركز في محاولة تعطيل
الانتخابات التشريعية ومحاولة (طموحة) لإعلان حالة من "الطورائ" في
المناطق الفلسطينية. ولغايات فهم أسباب رفض الانتخابات التشريعية ومحاولة
تعطيلها، فانه من المهم التعرف على المستفيدين ومن لهم مصلحة في
تعطيل/تأجيل الانتخابات؟ إن من لهم مصلحة كثر وهم :-
أولا: حركة "فتح" نفسها لها مصلحة بالتأجيل لكونها تراجعت جماهيريا
وشعبيا بسبب كافة الممارسات والظواهر السلبية التي صنعها مسؤوليها
وأعضائها منذ عام 1994 (وقبل ذلك) ولغاية الآن، وأجراء الانتخابات في
موعدها وكما تشير استطلاعات الرأي ليس في صالح حركة "فتح" والتي يتوقع
حصولها على حوالي ثلث المقاعد المجلس التشريعي.
ثانيا: تأجيل الانتخابات مصلحة سياسية مشتركة للسلطة الفلسطينية والحكومة
الإسرائيلية. فهذه المصلحة المشتركة تقف صفا في وجه وصول قوى المعارضة
الوطنية والإسلامية إلى التشريعي.
ثالثا: المستفيدون من حالة الفساد والترهل الداخلي (وهم كثر) سواء كان
جهات فلسطينية في تنظيمات أو مؤسسات ودوائر حكومية أمنية ومدنية إضافة
إلى أطراف عربية وإسرائيلية وأجنبية.
رابعا: فالانتخابات القادمة هي ضد مصلحة أعضاء المجلس التشريعي الحاليين
والذي سيودع معظهم المجلس والى الأبد.
خامسا: وإجراء الانتخابات في موعدها ضد مصلحة الأمريكان والاوروبين وخاصة
بان الطرفان يسعيان لانتزاع مطالب إسرائيلية وهي تنازلات من قبل المقاومة
الفلسطينية وبالأخص من حركة "حماس". ولعل موضوعة التهدئة/الهدنة والتحول
إلى النضال السلمي (السلبي) العلني والابتعاد عن العمل المقاوم المسلح
والاعتراف بشرعية وجود الاحتلال ودولته تقف في مقدمة المطالب الأمريكية
والأوروبية وأوراق المساومة.
سادسا: والانتخابات ضد قبائل والتيارات العديدة داخل حركة "فتح"، فهذه
القبيلة لم تحصل على تمثيلا في القوائم، وثانية تريد رواتب نضير مقاومتها
للاحتلال، وثالثة تريد وظائف لإفرادها، ورابعة تريد مساعدات مالية....
والانتخابات فرصة أمامهم لطرح المطالب وخاصة لحملة السلاح.
أما طرق التأجيل فهي كثيرة:
* التأجيل بسبب الفوضى الأمنية وخلق ذرائع ذات صلة بأمن الانتخابات
لغايات ضمان نزاهة العملية الانتخابية وخاصة يوم الاقتراع. فتواجد
المراقبين الدوليين مهم جدا لإضفاء الشرعية على الانتخابات الفلسطينية
وغيابهم بذريعة سلامتهم وأمنهم يدفع الجهة المشرفة على الانتخابات ورئيس
السلطة لتأجيلها ضمانا لنزاهتها. وإذن كيف يمكن تفسير خطف الأجانب
والتهديد بخطف المراقبين الدوليين على الانتخابات في حالة حدوثها
والاعتداء وتحطيم مقر نادي موظفي الأمم المتحدة في قطاع غزة.
وكذلك فان حالة الفلتان الأمني قد يدفع باللجنة الرباعية أو جهة/جهات
فاعلة للضغط على السلطة الفلسطينية ورئيسها لغايات تأجيل الانتخابات
متذرعة بأمن الانتخابات من جهة ورفضها لمشاركة حركة حماس بمواقفها
الحالية من إسرائيل من الجهة الأخرى.
* ولكون تأجيل الانتخابات مصلحة سياسية مشتركة للسلطة الفلسطينية
والحكومة الإسرائيلية ... فان ذريعة القدس والتصريحات الإسرائيلية
ومضمونها منع إجراء الانتخابات في القدس (العاصمة الموحدة لإسرائيل) ورد
الكثيرين من الساسة الفلسطينيين بأنه لا انتخابات دون القدس يمثل طريقة
لتأجيل الانتخابات وخاصة وأن الحكومة الإسرائيلية لم تتراجع رسميا عن
موقفها
* التأجيل من خلال إجراءات إسرائيلية تتعلق بتصعيد ضد الفلسطينيين من
خلال جملة من الإجراءات التعسفية وعمليات القتل والاغتيالات والإغلاق
والقصف والهدم...
من المؤكد أن هذه العقبات بحاجة لتذييل وفي حالة تذيليها فانه يبرز سؤال
أخر وهو: هل ستكون الانتخابات القادمة نزيهة فيما لو جرت في موعدها؟ لا
احد يستطيع الإجابة بنعم... لماذا؟ لأنه من الصعوبة ضمان نزاهة
الانتخابات؟ والسبب تعدد إطراف العملية الانتخابية. فلجنة الانتخابات
المركزية وإجراءاتها ومهما كانت واضحة ليست ضمانا للنزاهة. فيكفي القول
أنه تم تسجيل الكثير من المخالفات والخروقات في انتخابات رئاسة السلطة
الفلسطينية العام الماضي. كما وان رضوخ اللجنة تحت تهديد وضغط احد
التيارات السياسية مرة يعني إمكانية كبيرة للرضوخ مستقبلا ولأكثر من مرة،
ناهيكم على أن أصحاب النفوذ في الطواقم التنفيذية للجنة الانتخابات
المركزية مصالحهم تتقاطع مع جهة سياسية ما وهم أيضا محسوبين على نفس هذه
الجهة.
وفيما يتعلق بالقضاء، فقرار القضاة تمديد باب تسجيل القوائم الانتخابية
والترشح وفتح المجال لحركة "فتح" لدمج قائمتيها بعد انتهاء المدة
القانونية يعكس أن القضاة المعينون من قبل رئيس السلطة (فتح) يعطون
الأولوية لمصالح حركة "فتح" ... فاستقلالية القضاء يجب أن تكون بعيدة عن
أي اعتبارات ومصالح سياسية
وفيما يتعلق بالرقابة، فلنتذكر تقارير اللجنة الدولية بقيادة كارتر
المشرفة على الرقابة على انتخابات عام 1996 والتي وصفت بها العملية
الانتخابية التي جرت بأنها نزيهة وحرة وبعيدة عن التلاعب فيما خالفتها
تقارير المؤسسات الأهلية الفلسطينية. وهذا يعني أن الرقابة الدولية كانت
هشة وان التقارير التي ستصدر عنها منها قد ترتبط سياسيا بنتائج
الانتخابات وتتم تسييسها لصالح الطرف المفضل غربيا والمرغوب به.
وما العمل فيما لو سيطر المسلحون على صناديق الاقتراع سواء في المراكز /
الدوائر أو أبان نقلها في وسائط النقل واجبروا السيارات الناقلة والعناصر
البشرية التي فيها من على تغيير هذه الصناديق؟
وعليه، فإذا كانت مدخلات العملية الانتخابية وهي: قانون وقضاء ومنفذ
ومراقب يقفون في نفس خندق مصلحة الجهة السياسية، بالإضافة إلى أن التشويش
الذي قد يحدث سواء كان فلسطينيا أو إسرائيليا يصب في مصلحة نفس الجهة
السياسية، فمن المؤكد أن التلاعب وعدم النزاهة هي نتيجة يمكن التوقع
بحدوثها.
فهل يريد ويستطيع رئيس السلطة الفلسطينية المضي قدما في إجراء الانتخابات
وضمان الأجواء الملائمة لها... وتبقى الخشية من أن تتحول "دعوة الأمن"
و"الأمن قبل الانتخابات" إلى التعويم والمطالبة بتفكيك المقاومة
الفلسطينية وبدلا من ضبط "قبائل" السلطة وحركة "فتح" والعناصر المسلحة
يتم فتح معارك ضد المقاومة والمطالبة بنزع سلاحها.
* الكاتب أستاذ في العلوم الإدارية والتنموية.