اكتمال عناصر المؤامرة

سوسن البرغوتي

كان لا بد أن يواجه الشعب الفلسطيني وحكومته المنتخبة هذا التحدي الصارخ من قبل السلطة الفلسطينية، خاصة أن حماس كمقاومة ترفض الاعتراف بـ"اسرائيل" وباتفاقية أوسلو التي مهدت للاعتراف بمغتصب أرض فلسطين على مستوى الوطن العربي. ولأن السلطة أتت على ظهر الدبابات "الاسرائيلية" لحماية أمنها من المقاومة، فإن مهندس وعبقري أوسلو، لم يقبل بهزيمة حزبه في الانتخابات التشريعية- رغم أنه ليس معنياً لا بفتح ولا بغيرها-، وأطلق العنان لشعارات طنانة رنانة. لكن لم تدم تلك الشعارات، خاصة أن المستفيد من السلطة ووضعها المخزي، هو نفسه الذي كرّس الفوضى الأمنية والفساد والإفساد،حماية لمشروع التسوية، وعلى مبدأ السلام مقابل التفريط!.

فمن الحصار واتباع سياسة تجويع الناس- لم نسمع قبل ان تشكل حماس الحكومة، أن هناك خزينة خاوية أو أصواتا تطالب بالاصلاح داخل فتح- إلى اعتقال النواب والوزراء،اكتملت عناصر المؤامرة. فالذي لم تقدر عليه السلطة أعانتها عليه "اسرائيل"، وبهذا شكلّ فرع الحكومة الفلسطينية/ سجن الاحتلال، الضربة الأقوى، بشلّ الحكومة نهائياً، فما المتوقع من الشعب الفلسطيني وهو يرزح تحت الجوع ؟!. الشعب يعي بلا شك أن اختياره هو
المستهدف، ولكن لأي مدى يمكن أن يحتمل الجوع وحصار البنوك والعالم؟، وهذا ما راهن عليه عباس مع تجنيد حاشيته لتصريحات نارية، الهدف منها واضح وجلي. ولعل ما ذكره النائب التشريعي - لا حمّد الله أفعاله وأقواله- أن تشكيل الحكومة الوطنية هي من مسؤوليات الرئاسة الفلسطينية، ليبقى الوضع يراوح بين الشخصيات التسووية وبين رؤوس الفساد!. فما الذي سيتغير حينها، إلا عودة نفس السلطة المتعفنة مجدداً لاستلام زمام الأمور، والتي أوصلت الشعب والقضية إلى الهاوية العباسية.

قال جمال نزال :" أنه إذا ما تبنت الحكومة الحالية برئاسة حماس برنامج م.ت.ف. وعملت على إنشاء دولة فلسطينية على أساس الشرعية الفلسطينية فإن ذلك سيحل مشكلة الشعب الفلسطيني مع دول العالم التي أوقفت الدعم منذ نصف عام". فالشرعية الفلسطينية التي ينادي بها السيد هي الاعتراف العلني، وهذا ما أصر على قوله، أن السلطة الفلسطينية المحلية لم تكتف بالاعتراف بل أيضاً بالتصهين، وهو الدفاع عن "اسرائيل" ووجودها، وهي توظف قصارى جهودها لمشروع الصهيونية في الوطن العربي بأكمله. فمشروع "خارطة الطريق" هو المدخل لمشروع "شرق أوسط جديد". كما أن منظمة التحرير الفلسطينية ليست بمنأى عن التورط بهذا المشروع، خاصة وأن المركزية في إصدار القرارات والديكتاتورية كانت وما زالت تحت تصرف فتح المفرطة مباشرة. كما اتضح بعد مصالحة عباس- القدومي، أن الأخير ليس له قرار ثابت مبني على الثوابت ، غير المعدلة ، وأن جلّ اهتمامه ينصب على من يمثل فلسطين "الجيفة" في المحافل العربية والدولية، متناسياً أن لا اعتراف بمنظمته، أو دكانه/ فرع الانصياع لقرارات دولية لا تنحاز لـ"اسرائيل" فحسب ، بل تتبناها وتلغي حق الفلسطينيين...

استطاع العدو بمساعدة وعون السلطة الفلسطينية أن يحول لعبة الانتخابات التشريعية التآمرية إلى خفض شعبية حماس كمقاومة في الشارع الفلسطيني والعربي، بقبولها بالمشاركة في سلطة تعتمد الاعتراف بالعدو، وأن يواجه الشعب وحكومته بعدها الحصار، ثم الاستخفاف باستقبال الوزراء في مصر، وباتهامهم زوراً في عمان بتهريب أسلحة، وبتضيق واضح. فأين تلك الشعارات ومقر الرئاسة يوطد حرسه من أجل الاطاحة بالحكومة وليس من أجل مواجهة العدو الحقيقي؟، لا تفسير آخر لما يحدث، إلا تواطؤ السلطة مع "اسرائيل"، وتمرير المخطط الداعي للاطاحة بالمقاومة .

طالما استخف واستهجن السيد دحلان بتكرار المطالبة بمحاكمة الفاسدين وأنها اسطوانة مشروخة، وتعقيبه عن ذلك ،" ماذا بعد؟" ولكن يجب أن يدرك أنه والآخرون، هم المعنيون بوصول القضية الفلسطينية إلى هذا المستوى المنحدر، وأنه لا يمكن استمرار المقاومة الموجهة للعدو، إن لم يتم كف يدهم وتآمرهم على تصفية القضية على هذا النحو، ولا يحق لأي منهم أن يمثل طموحات وتضحيات الشعب الفلسطيني. وأن المعني بالقضية من يواجه العدو وليس من يستجديه.

كل ما يحلو لهم ابتدعوه، وكل ما استطاعت الأجهزة "اللأمنية" قامت به، وما أطلقوه من أكاذيب وأضاليل لم يوفروا جهداً فيه، لكن يكفي رد المقاومة، بأنهم لن ينعموا حتى في أحلامهم، "وبعيد عن سعادتكم" أن تستمروا على هذا النهج الذي يحق لنا أن نصفه بـ"الحقير".لماذا!، لسبب بسيط أن فلسطين تلد كل يوم أحراراً لن يهونوا ولن يستسلموا، وأن حزب الله استطاع أن يبرهن أن الخيار الصحيح الناجع هو الجهاد، وليس الاستسلام لقرارات الهيمنة الاستعمارية الاستيطانية.

حان الوقت لأن يختار الشعب الجائع وفي كل الأحوال، وأن يثور لحقه بالملايين المهربة والمورّثة، وعلى من يتآمر ضد إرادته. وعلينا أن نستفيد من تجارب الثورات السابقة، وأن لعبة السلطة المحلية ما هي إلا لتسويق "اسرائيل" وليست بأي حال فعّالة إلا لصالح المشروع الصهيوني، وأن الحكومة المحاصرة، لم تستطع في ظل تقويض حقها في المشاركة بالقرار السياسي الذي بُنى على باطل المفاوضات، وما كان لحماس لتقبل به، رغم أنه طفح الكيل بالتغاضي عن ثلة لم تعد تعي إلا مصالحها. لهذا وذاك، فإن تشكيل حكومة ثورية مؤقتة تقر بها غالبية نواب المجلس التشريعي مستبعدين "نواب التسوية"، يمثل انقلابا ثوريا يقلب الطاولة على مؤامرة اكتملت جميع عناصرها...


 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع