بسم الله الرحمن الرحيم
مسائل في
التنمية الاقتصادية في فلسطين
د. سلمان محمد سلمان –
أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية - فلسطين
مقدمة:
تجربة الاقتصاد والتنمية
الفلسطينية في الضفة والقطاع خلال فترة وجود السلطة مثلت تجربة فاشلة
بمعظم المقاييس. واهم نتائج فشلها كانت الوضع المزري للمجتمع الفلسطيني
الحالي ونشوء طبقة طفيلية منتفعة وازدياد تأثير الاقتصاد الموجه للقرار
السياسي الفلسطيني وضبابية الرؤية الاقتصادية بحيث لا يوجد رأي عام يوجه
الموقف من التنمية الاقتصادية.
والتجارب أعلاه نتجت عن
أسباب بعضها خارج إرادة السلطة وبعضها تم لأسباب داخلية بحته. واهم
الأسباب الخارجية تمثلت في قيود اتفاقيات اوسلو واتفاقية باريس التي أسست
للتبعية للاقتصاد الإسرائيلي, والحصار الإسرائيلي المستمر, واعتماد
الحكومة على العون الخارجي آلي درجة كبيرة.
أما الأسباب الداخلية
فمثلت تفاعلا مع الأسباب الخارجية بالإضافة الى أسباب تتعلق بالبنية
الاجتماعية والنظريات الاقتصادية التي تم تجريبها واعتماد المال كموجه
أساسي لاكتساب الدعم الشعبي من خلال الهبات الموجهة وشراء الذمم.
وللخوض في تفاصيل البنود
أعلاه نحتاج الى دراسة متأنية ومطولة. وفي هذه المقالة نكتفي بسردها مع
التقدير ان معظم الخبراء يدركون محتوى هذه العناوين ويعترف معظمهم بصحة
الدعاوى المطروحة من الناحية الماكرواقتصادية.
محددات التنمية السياسية
والاجتماعية
وحيث ان هناك تغيرا
استراتيجيا في موازين الحكم وفي إدارة السلطة وما يحمل ذلك من تغيير لأسس
العلاقة مع الإسرائيلي أو الدول المانحة أو بالعرب والامتداد الشعبي
لحركة حماس وتحالفاتها الدولية بالإضافة الى إمكانية إعادة تفعيل دور
منظمة التحرير كمرجعية عامة للقرار الفلسطيني فان من المتوقع ان ينعكس
هذا التغيير سلبا أو إيجابا على مجريات الخطط التنموية القائمة وسيؤثر
على التصورات المقبلة لحكومة حماس.
ومع التقدير للخبرات
المميزة لبعض الكفاءات التي ستقود المرحلة القادمة إلا ان هناك حاجة
حقيقية للنظر الشمولي للموقف الفلسطيني عند طرح الحلول أو الخطط التنموية
اخذين بالاعتبار ضرورة الاعتماد الأكبر على وحدة الشعب الفلسطيني
والدعم الجماهيري الإسلامي والعربي والاستعداد الدولي لإعادة تعريف
الأدوار بالمردودين الايجابي والسلبي.
لكن هناك مواقف ذاتية
تتعلق بالشعب الفلسطيني والنظرة الاجتماعية للتنمية سوف تؤثر بشكل كبير
على مجال الخطط المطروحة مما يتطلب تحديد هذه العوامل وإبرازها تحث الضوء
لتقييم صحتها.
ولعل أهم العوامل الذاتية
تتمثل في دور راس المال الفلسطيني الكبير والاحتكاري مقارنة بدور راس
المال المتوسط والتعاوني. والنظرة للتنمية ضمن امتدادها القبلي والأسري.
وهل تتم التنمية على الأساس الطبقي الهرمي أم بالانتشار الأفقي نحو توزيع
الثروة. وهل يتم الاعتماد على الأسس الدينية كمرجعية حقيقية لجدوى
التنمية العادلة أم يتم احتواء التجربة والموقف من خلال الاستسلام لهيمنة
ونفوذ راس المال الكبير ضمن معادلات الانضواء شكلا بمعايير التنمية
القائمة على الأسس الإسلامية.
نضع أدناه أهم محددات
التنمية الاقتصادية:
أولا: علينا تذكر ان تنمية
الاقتصاد في فلسطين مرتبطة ارتباطا وثيقا بالموقف السياسي:
وعلينا ألا نقبل المقولة
الاعتيادية والتقليدية لتجارب التنمية المتعلقة بتبعية السياسي للاقتصاد.
بل ان يكون الاقتصاد في خدمة السياسة والمبادئ. وهذا الموقف يتناسب
أساسا مع المفهوم الديني للتنمية في المجتمع العادي ومن الاولى ان يكون
أكثر وضوحا في حالة مجتمع يمر بمرحلة التحرر. ولعل تجربة مؤاخاة الأنصار
والمهاجرين في المدينة بعد الهجرة تمثل حالة واضحة في توجيه الاقتصاد
لخدمة الموقف السياسي والمبدأي.
ثانيا: المبدأ الثاني
يتعلق بدور الكفاءات المهنية والتكنوقراط في التنمية:
هل يمكن الركون للنمو الحر
للاقتصاد أم أن من الضروري تعميق بلورة خصوصية التجربة من خلال الخبراء
في مختلف قطاعات التنمية لدراسة تأثير أي خطط تنموية على القطاعات الأخرى
للمجتمع. كالتأثير الاجتماعي والبيئي والصحي والتعليمي بالإضافة للسياسي
طبعا.
ثالثا: المبدأ الثالث
يتعلق بالجهة المنفذة للتنمية الاقتصادية:
من السهل خلط الأوراق في
حالة الشعب الفلسطيني. فقد تم خلال السنوات العشر الماضية ان تحولت
السلطة لمؤسسة ضمان اجتماعي كبيرة ولكن لقطاع محدد من الشعب يعكس نوعيا
الموقف السياسي. ولكن هذه المؤسسة الاجتماعية الكبيرة سلمت معظم مقدرات
الإنتاج لمؤسسات احتكارية خاصة ولم يفتح المجال للمشاركة الواسعة لراس
المال المتوسط أو الصغير. وبذلك جمعت تجربة الاستسلام لراس المال
الاحتكاري مع تحولها لمؤسسة اجتماعية.
الحل المطلوب ان من ينفذ
التجربة هو اكبر قطاع ممكن من السكان وان تقوم الدولة بالرقابة والمشاركة
الديناميكية في المساعدة الإدارية والتقنية حيث تلزم.
رابعا: والمبدأ الرابع
يتعلق بمصادر التمويل:
هل يتم الاعتماد في
التنمية على المنح الدولية أم على المساعدة الفعالة لراس المال الوطني
بأوسع قواعده.
سنطرح لاحقا وجهة نظر
تتعلق بأفضل الإجابات على الأسئلة أعلاه لوضع تصور للتنمية يحقق أعلى
الأهداف السياسية وبأقل التأثير السلبي وأفضل التأثير الايجابي على
القطاعات الأخرى.
الاقتصاد الحر والتجربة
الفلسطينية:
مفهوم الاقتصاد الحر
فضفاض. وفي المرحلة الحالية من التطور البشري وبعد سقوط الاقتصاد
الشمولي والماركسي يميل اغلب الناس لطرح مقولة الاقتصاد الحر كخيار بديهي
للتنمية مثلما يتم طرح الديموقراطية حلا بديهيا للحكم: مع ان مثل هذه
المفاهيم غير محددة في اغلب الأحيان وتمارس بأشكال تتناقض في أهدافها.
المفهوم الأولي لمقولة
الاقتصاد الحر يقوم على ان تترك التنمية للسوق نفسه وان لا تتدخل الدولة
إلا بالحد الادني في مسيرة التطور الاقتصادي. ولكن هل هناك تجربة
موحدة لمثل هذه المفاهيم.
هل تتدخل الحكومة
الاميركية( قائدة السوق الحر) في السوق عندما تهدد مصالح الفقراء مثلما
تتدخل عندما يتم تهديد مصالح الأغنياء. وهل هناك تعريف محدد لشروط تدخل
الدولة. وهل يترك السوق فعلا لنفسه أم ان قوى اقتصادية دولية أو داخلية
موجهة الخطط والأهداف يمكن ان تلعب دورا رئيسيا في توجيه التنمية
والتطور.
الحقيقة ان الجميع يقوم
بدوره والتجربة الرأسمالية الاميركية خير مثال على الانحراف عن النظرية
حتى في مركز الطرح فكيف الحال في دوائر التبعية.
هل يعني التحفظ ان تطبيق
الاقتصاد الحر غير ممكن. وما هو البديل. هل نعود للاقتصاد الموجه
وملكية الدولة والا يكفي فشل التجارب السابقة. بالطبع لا يمكن طرح هذا
البديل.
لكن علينا الاعتراف ان
الاقتصاد الحر لا يعني اختفاء أجندة الدولة ذات العلاقة بخطط التنمية
وتوجيهها. ومثلما هو خطير ان تتملك الدولة وسائل الإنتاج خوفا من الفساد
والبيروقراطية علينا الحذر الأكبر من تمليك الاقتصاد لطبقة محدودة العدد
تمتلك الناس كحق ملكية خاصة. ان أفضل ما في تعريف الاقتصاد الحر ان تكون
ملكية المؤسسات لأكبر قطاع ممكن من الشعب.
والسؤال هل يتم التمليك
للشعب من خلال تعدد الشركات والمؤسسات المتخصصة أم نكتفي بإنشاء شركات
عامة مملوكة من الشعب نظريا بالأسهم. الملكية للشركات العامة لا تعني
شيئا لتجار الأسهم والقرار الفعلي فيها للهيئات الإدارية العليا. ومع
أنها لا تملك الأسهم بالضرورة ألا أنها تملك القرار. ويمكن لتحالفات ان
تمتلك القرار احتكاريا وتصبح دولة شمولية إذا تحكمت بنسب كبيرة من
الاقتصاد الوطني ومفاصله الاستراتيجية.
نجد مرة أخرى ان الحل
العدل والأفضل والأضمن تحت الاحتلال خصوصا هو توزيع الملكية الفعلية
لأكبر عدد من الشركات الصغيرة أو المتوسطة.
الاقتصاد الفلسطيني صغير
نسبيا. فالدخل القومي لا يزيد عن 5 مليار دولار والقطاع الصناعي
والإنتاجي لا يزيد عن 2 مليار ومن السهل على عدد محدود من كبار أصحاب راس
المال تملك الاقتصاد كله من خلال تحالفات وإنشاء شركات متعددة الأوجه
والنشاط. وهذا سوف يحول الاقتصاد الوطني رهينة بأيدي هذا العدد المحدود
الذي سيكون معرضا للضغط الدولي أو الاحتلالي ويمكن ان يوجه مواقف سياسية
كثيرة.
وفي حالة تطبيق التمليك
الموسع لأكبر عدد من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمؤطرة سياسيا لخدمة
الأهداف الوطنية سيكون مردود الاقتصاد موزعا والتنافس حرا بشكل أفضل
ولمصلحة المستهلك بالإضافة الى توفير حماية من الابتزاز السياسي.
الحل لإشكالية الاقتصاد
الحر تتم بمحددين. بان لا تزيد ملكية أي تجمع اقتصادي عن نسبة محددة من
راس المال الوطني العام. وان لا تزيد هيمنة أي مجموعة اقتصادية معينة عن
نسبة محددة من قطاع إنتاجي معين. بذلك فقط تتم الحماية
من الاحتكار الاقتصادي والابتزاز
السياسي.
في التجربة
الفلسطينية تم تمليك كثير من مؤسسات الإنتاج لمجموعة اقتصادية محددة بل
تم تشكيل صندوق الاستثمار الفلسطيني لجلب راس المال بهيمنة نفس المجموعة
الاقتصادية وبذلك فقد تم تمليك الاقتصاد والقرار معا لمجموعة احتكارية
محدودة العدد وهذه كانت أول خطيئة في التنمية.
فوق هذا
تحولت الدولة لمؤسسة خيرية للمساعدات الدولية وتحت شعارا الأمن والخدمات
تم تمويل كل الخدمات من قبل مؤسسات دولية تربط الدفع بالموقف السياسي.
وبذلك تم رهن الموقف السياسي بالدول المانحة.
وتحولت
فلسطين الثورة والمجتمع التحرري الى رهينة للدعم الدولي وللطبقة
الاحتكارية المتنفذة والنتيجة الحتمية لهذه التركيبة كانت الفساد الواسع
والتنازل والتفريط السياسي والاستزلام وتحول المنظمات لخدمة مصالح خاصة.
اقتصاد حر لخدمة الموقف السياسي والاجتماعي:
اخذين
بالاعتبار ما ورد أعلاه نضع مجموعة المبادئ والاستراتيجيات التالية:
المبادئ
العامة:
1-
توزيع الملكية بأكبر قدر ممكن وتقليل نفوذ
الاحتكارات وتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة ووضع سقف لملكية أية مجموعة
اقتصادية أو تحكمها بقطاع إنتاج.
2-
حماية الاستثمارات الاستراتيجية من خلال
ملكية وطنية وبإدارة مستقلة تخضع لنفس قوانين المؤسسات الخاصة.
3-
الاعتماد على تمويل الاستثمارات المشتركة
مع مستثمري الخارج من خلال شراكات مناصفة وبنظام الشركات الخاصة وليس
العامة قدر الامكان.
4-
تقييد أسواق المضاربة والأسهم وأية أسس
اقتصادية ربوية بحدها الادني.
5-
وضع الخطط لترشيد الصرف الحكومي بهدف
الاستغناء التام عن الدعم الخارجي لميزانية الحكومة وتحريرها من الارتباك
المرتبط بالمساعدات الدولية.
6-
تشجيع المؤسسات التنموية التي تقدم
المساعدات التطويرية للاقتصاد مع الالتزام بعدم ربط المساعدات بأي شروط
سياسية.
7-
وضع خطط لتنفيذ مشاريع الخدمات الأساسية من
إسكان وصحة وتعليم ضمن رؤيا وطنية شاملة ولكن بتنفيذ قطاع حر وتنافسي.
تنمية
القطاع الإنتاجي:
1-
تشجيع تأسيس الشركات المشتركة
مع مستثمري الخارج بملكية مناصفة من الداخل والخارج وبحماية حكومية لحصص
أبناء الخارج.
2-
وضع خطط الإعفاء الضريبي بما
يتناسب مع حاجة الوطن لقطاع المشاريع.
3-
وضع المحفزات والتشجيع لتأسيس
مشاريع مفقودة أو قليلة من خلال تمويل مميز.
4-
الاعتماد الأكبر على الشركات
الخاصة براس مال بين 100 ألف الى 10 مليون دولار كمحركات تنمية رئيسية
وعدم تشجيع نشوء الشركات العامة الكبيرة.
قطاع
خدمات التمويل:
1-
تأسيس شركات خدمة تمويل موازية
للبنوك وباليات تمويل أكثر ديناميكية بحيث لا تحتفظ بالأموال وإنما
تستثمرها – من المعيب مثلا ان تكون ودائع البنوك في فلسطين أكثر من 5
مليار بينما نسبة من تحت خط الفقر حوالي 50%.
2-
تقنين دور البنوك ورفع نسبة
استثماراتها الوطنية.
القطاعات الاستراتيجية والاحتكارية:
1-
إصلاح ومأسسة قطاع الاتصالات
والطاقة بشركات منافسة مع احتفاظ الحكومة بالسيطرة على البنية التحتية
والسلعة الاستراتيجية.
2-
تبني خطط إسكان استراتيجية مع
وضع آليات تنفيذ لها من خلال مساهمة القطاع الخاص ليس بشكل عطاءات وإنما
مساهمة فعلية استثمارية.
3-
تبني خطط استراتيجية بما يتعلق
بالأراضي واستصلاحها وحمايتها ومواجهة التمدد الاستيطاني من خلال مشاريع
تطوير.
4-
وضع خطط استراتيجية لتطوير
التعليم والقطاع الصحي والبيئة من خلال مساهمة القطاع الخاص.
|