اعتقال الديمقراطية الفلسطينية غباء إسرائيلي وخطأ استراتيجي

إبراهيم أبو الهيجاء

ولا يدل رد الفعل الإسرائيلي إلا عن تخطيط  مسبق عجلته عملية الأسر وإفرازات الحوار الوطني التي انتهت بتوافق كاد أن يؤدي إلى حكومة وحدة وطنية  البطولية  ،

فاقتحام قطاع غزة أعلن عنه مراراً  ، ومخطط اعتقال الوزراء والنواب ليس جديداً وكان هو الحلقة الأخيرة والمؤكدة في إجراءات حصار حماس وإجبارها على التنحي عن الحكم أو إعلانها الاستسلام لشروط الإذلال الدولية

 إذا ً فالمخطط الإسرائيلي  كان يهدف بالأساس تقويض حكم  " حماس " بعد أن يأس من طول صمودها وصبرها وتنامي التكيف الدولي والمحلي على وجودها ، واستطاعت حماس أن تفكك قليلا من الغاز الحصار عليها  ، فاستوعبت التهديد الداخلي  فأنجزت فقامت بتعديل وثيقة الوفاق الوطني بما لا يضر ثوابتها ، واستخدمت أوراق المقاومة  في صد العدوان الدموي ، وعمدت إلى إدخال الأموال عبر معبر رفح ، وحتى ما أتت به  آلية الرباعية من حلول مالية كان مؤشرا على تبيان الموقف الدولي إزائها  ، ولذا كان المخطط الإسرائيلي سريعا وتمثل بالتالي :

-         يستهدف قطع الطريق على  "حماس " فمن جهة هو  أراد  قطع الطريق على استثمار حمساوي  لوثيقة الوفاق وحكومة الوحدة وبالتالي شرعة المقاومة الفلسطينية

-         ربط  " حماس " بمنظومة الإرهاب  وخلط أوراقها السياسية بالأمنية ووضع أجهزتها السياسية بالعسكرية

-         دفع حماس لمقايضة الوزراء والنواب  ( الأسرى الجدد ) بالجندي المختطف  لإضعاف حماس حول الجندي وإبراز قدرة الردع الإسرائيلية التي تضررت كثيرا بفعل انسحابها من جنوب لبنان وقطاع غزة

-         إعادة رسم خارطة قطاع غزة بما يؤدي إلى تقسيمها وشل قدرة الفلسطينيين على تهديد المدن الإسرائيلي القريبة من الصواريخ التي لا تملك إسرائيل إزائها أي حل

كل ذلك يؤكد التخبط الإسرائيلي وقصر نظره السياسي ، وهذا يدلل على ضعف خبرة الحكومة الإسرائيلية الجديدة والتأكيد أن إسرائيل ليس لديها حلول سياسية باستثناء جرعات القوة المضطردة إذا اعتبر حلا فعلا ، فمن جهة ستؤدي هذه الإجراءات الإسرائيلية الجديدة إلى انهيار خدمات السلطة ولربما انهيارها-  وهذا ما لم تأسف عليه حماس -  ، وهو سيقطع الطريق على جدوى خطة اولمرت التجميعية  التي منحته أصلا  الثقة الانتخابية  ، وبالمقابل فان حماس ستزداد شعبيتها وسيعذرها شعبها أنها حاولت ولكنها أفشلت بالقوة ، والاعتقالات ضدها لن تضيرها لان معظم وزرائها ونوابها تعرضوا مسبقا ومررا لمثل هذه الظروف ، وهذا بالمناسبة سيعقد مسالة تفاوض حماس مع إسرائيل حول الجندي الأسير ، لان غياب قيادة الصف الأول  واجتياح قطاع غزة سيدفع بالجيل الثاني الشبابي  الذي ستكون شروطه أكثر تشدداً  ، ولن يدفع ذلك بحماس نحو مقايضة هزيلة في إطلاق الجندي قبالة إطلاق الوزراء والنواب ، لان حماس ستظهر امام الشعب الفلسطيني أنها حركة أنانية ومتكالبة على سلطة أصلا هزيلة .

الموقف الأميركي المنحاز بامتياز  لإسرائيل لم يبرر فقط  لإسرائيل ما تفعله من  عدوان جديد  واغتيال فاضح  للديمقراطية الفلسطينية ، بل انه سبق ذلك  بإصدار قانون تحت مسمى                                        " قانون حماس "  وقد كشف القرار القرار الأميركي الجديد هو الحسم الواضح لمشروع أميركي كان متردداً في داخل الأروقة الأميركية  بين تيار يستعجل إسقاط حكومة حماس وآخر يريد إنضاج الظروف الإقليمية والفلسطينية لفعل ذلك ، ولكن هذا الحسم يؤكد فقدان الولايات المتحدة صبرها على حكومة " حماس "... وهذا سيؤكد  للجميع أن لا فائدة من تغيير الحكومة في النظرة الأميركية لان المطلوب بنظرها هو إسقاط  الشرعية التي أتت بحركة " حماس " وليس فقط الاكتفاء بإفشالها من الداخل ووضعها  تحت مقصلة ضغوط مستمرة ، وهذا الجهد يتقاطع مع الضغط الإسرائيلي العسكري والأمني الجديد ، هذا التناغم الواضح يؤكد انتقال المعركة مابين حماس وأعداء نجاحها من محاولات الإسقاط بنقاط التراكم إلى محاولة إسقاطها بالضربة القاضية  .

العبرة الأخرى والمهمة من قانون حماس  الأميركي  هو إماطة اللثام الأميركي عن خطط (  الحرية والإصلاح ) التي برر باسمها احتلال العراق  ، ليكشف القانون الجديد أن الولايات المتحدة لا تقيم للحريات وزنا وهي لا تبغي إلا إصلاحا مفصلا على مقاسها  ، وهذه لطمة مهمة في وجهة العلمانيين المناصرين للنموذج الأميركي من العرب  ، فحتى لجنة الانتخابات الفلسطينية وحسب القانون الجديد يجب أن تكون خالية من أنصار " حماس " .

باختصار ما أتى به القانون الأميركي الجديد ليس جديدا على السياسية الأميركية ، وهذا يؤكد  للمراهنين على هذه السياسية من الفلسطينيين حتى في خفض سقف الانحياز هم سائرون إلى سراب  ، وعلى الشعب الفلسطيني أن يعتمد على خياراته وصموده والتمسك بشرعيته في كل الظروف  ومهما كانت الضغوط ، لان المعركة باتت مكشوفة وما يجري ضد حماس هو حرب على الحقوق الفلسطينية بالوجه الآخر ، لان المقصود هو ابعد من حماس والمستهدف هو الشعب والقضية برمتها .

موقف عربي رسمي أكثر من ساكت 

الموقف العربي الرسمي لا يكف ن التطوع لدور وسيط يكسبه بعض الود لدى الولايات المتحدة ، فمن جهة عمدت كل الوساطات العربية إلى الإفراج عن الجندي بدون ثمن ، بينما لم يتفوه أيا منهم بشيء إزاء الجرائم الإسرائيلية السابقة ، بل و الانكى أن  مصر عمدت إلى نشر 2500 جندي استجابة للطلب الإسرائيلي الخائف من نقل الجندي خارج قطاع غزة ، وهم بالطبع غير آسفين على اعتقال الديمقراطية الفلسطينية ، لان نجاح حكومة حماس كان سيكلفهم الكثير داخليا ، ولذا يجب السكوت لان المصالح متقاطعة ، وسقوط المراهنة الأميركية على إصلاح يؤدي إلى إسلام أميركي يسعدهم أيضا  ، وشراكتهم بالحصار ضد حكومة حماس كان معروفاً من قبل ، بل حتى تهديد سوريا بطائرات ألف 16 مجددا لم يفعلوا شيئا إزائه  ، مما يدل أن الفعل العربي وصل إلى الحضيض فهو من قبل ضحى بالعراق واليوم هو يجدد أن مضحي بفلسطين  ولن يفعل شيئا لو جرى احتلال الدول العربية واحدا تلو الأخرى  ، لذا لا مراهنة فلسطينية عليه .

عملية الوهم المبّدد  جرت بامتياز عسكري وسياسي  ويمكن أن تتوج بتسجيل نجاح استراتيجي للمقاومة الفلسطينية بالإفراج عن أسرى فلسطينيين إذا ما جرت إدارة الأزمة  امنيا وسياسيا بذكاء وضمن جغرافيا آمنة وشديدة السرية  واعتقد أن مؤشرات الإعلان عن اسر الجندي  ولاحقاً  المطالبة بأثمان حتى حول أي معلومات عنه تشكل نجاحا ً في إدارة هذه الأزمة ، وبرأيي أن إسرائيل تدرك من عمليات الأسر السابقة أن المقاومة لن تتردد  بقتل الجندي إذا تعرضت حياتها للخطر أو لم تلبي إسرائيل أيا مطالبها سواء الثمن السياسي حيث يستوجب فك الحصار أو الثمن الإنساني حيث يستوجب إطلاق سراح أسرى ولاسيما أصحاب المؤبدات وليس فقط النساء والأطفال  ؛ أما الرد الإسرائيلي المتوهم والفعل الأميركي الحليف والرد العربي المتقاطع مع مخطط تقويض حكم "  حماس  " لن يكسر إرادة الشعب ولا مقاومة " حماس " بل سيعزز هدم المعبد على الجميع فالتسوية بهذا المخطط تكون قد أسقطت بيد أبنائها ، وحصار حماس زادها قوة لأنها أفشلت ولم تفشل ، وجلاء مشروع المقاومة يخدم هدفها التحريري الدائم ولن يضيرها التضحية بهدف إصلاح السلطة المؤقت ، وهي بذلك تكون قد أكدت للجميع  أنهم لا يريدون الشعب الفلسطيني بمقاومته الايجابية حيث يريد حقوقه المغتصبة ولا بالمقاومة السلبية حيث يريد إصلاح الفساد الذي أنتجته معادلة التسوية من قبل .

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع