شيطان الاستفتاء
شاكر الجوهري
صحيفة الشرق القطرية 14/6/2006
لا يمكن لديمقراطي أن يرفض العودة للشعب.
نقول هذا الكلام لمناسبة رفض حركة "حماس" وأغلب الفصائل الفلسطينية استفتاء الشعب الفلسطيني على مشروع وثيقة الوفاق الوطني الذي أعده خمسة من كبار الأسرى الفلسطينيين في سجن هداريم الإسرائيلي، تراجع اثنان منهم عن هذه الوثيقة التي وقعت لتكون أرضية للحوار لا للاستفتاء عليها تحت اشراف وإدارة ياسر عبد ربه الذي أسقط حق العودة في وثيقة جنيف، دون مفاوضات..!
ولكن هذا الموقف المبدئي لا يمكن أن نطلقه هكذا دون الخوض في تفاصيل، لا يكمن فيها الشيطان وحسب، لكنه يعبث بها أيضاً..!
حتى يكون الاستفتاء مقبولاً ومطلوباً، يجب أن لا يطرح باعتباره جزءاً من معركة فصائلية، ويجب أن لا تسبقه محاصرة الشعب الفلسطيني وتجويعه لإرغامه على التصويت في الاتجاه الذي تفرضه ظروف طارئة ومؤقتة تتعارض ارهاصاتها مع مواقفه المبدئية والثابتة.
وإذا كان رئيس السلطة الفلسطينية يريد أن يؤكد التفاف الشعب الفلسطيني حوله، وحول برنامجه السياسي، كما قال أحمد قريع أثناء زيارته الأخيرة لدمشق، فلم لا يتم استفتاء الشعب الفلسطيني مباشرة على شخص رئيس السلطة وبرنامجه الذي يرى في المفاوضات حلاً وحيداً للقضية الفلسطينية، على نحو يجعله يرفض ويدين مقاومة شعبه للاحتلال، واعتداءات هذا الاحتلال المتواصلة على كل أبناء الشعب الفلسطيني دون تمييز..؟
وإذا كان الرئيس عباس يؤمن فعلاً بالشفافية، فلم لا يصارح شعبه بأنه هو من يحرض على فرض الحصار والتجويع عليه، تماماً كما فعلت المعارضة العراقية وصولاً الى احتلال العراق، والنعيم الذي يعيش فيه العراقيون تحت بساطير الأمريكان..؟!
بالطبع، عباس لم يسبق أن استفتى الشعب على اتفاق أوسلو، وهو الذي تعمد أن يجري المفاوضات السابقة لذلك الاتفاق المشؤوم في الخفاء، من وراء الشعب ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وفصائلها، والفصائل المقاومة خارج المنظمة.
إذا المسألة ليست مطالبة بالعودة للشعب، بل هي محاولة لـ"طعج" إرادة هذا الشعب، الذي تعتبر محاصرته وتجويعه استمراراً للحصار الذي فرض على ياسر عرفات قبل أن يتم تسميمه.
والآن المسألة أبعد ما تكون عن الشفافية، فإن عباس يرفض حتى الآن تشكيل أو تفعيل لجنة التحقيق في كيف اغتال الإسرائيليون عرفات، حتى لا يسأل أحد لماذا يطلب من الشعب الفلسطيني كله، وبكل فصائله الآن تقديم التنازلات التي رفض عرفات، على الرغم من كل ملاحظاتنا عليه، أن يقدمها.
عباس لا يبحث عن الإجماع الوطني الفلسطيني، وهو لا يريد الحفاظ على المشروع الوطني للشعب الفلسطيني، لأنه لو كان يريد ذلك لما فعل ما فعله، ولما عمل على قيادة الشعب الفلسطيني باتجاه القبول بالإملاءات الإسرائيلية، ولما تجاهل وثيقة الوفاق الوطني التنظيمية والسياسية التي توافقت عليها جميع الفصائل في حوارات دمشق، بما في ذلك "فتح" ممثلة في فاروق القدومي ومحمد أبو ميزر.. تلك الوثيقة التي تطالب بالفصل بين رئاستي اللجنة التنفيذية والسلطة الفلسطينية، كي لا تظل رئاسة منظمة التحرير مرجعية تقر تنازلات رئاسة السلطة، أو تبادر إليها.
لماذا يرفض عباس وثيقة الوفاق الوطني التي أجمعت عليها جميع الفصائل، ويريد أن يفرض على الشعب الفلسطيني وثيقة يتوافق عليها حتى الآن فقط ثلاثة أشخاص فاقدين لحريتهم في أسر الاحتلال..؟!
|