إنجاز دحلان المزعوم ودوره المرسوم
د.إبراهيم حمّامي-19/11/2005
انتظرت ولأيام أن يفي دحلان بوعده، وهو واحد من عدة وعود
لم يتحقق منها شيء، وأعني هنا نشر نص الإتفاق الذي قال أنه أبرمه برعاية
أمريكية مع الإحتلال حول "المعابر"، بعد جهد جهيد، وقد جزم في مؤتمره
الصحفي يوم 15/11/2005 أنه سينشره على موقع وزارة الشؤون المدنية، وسيوزع
على الإعلام بكافة أشكاله، حتى لا يترك مبرراً "لمن يبحثون عن الآثام" في
كل ما يقوم به سيادته، وأعترف أنني تابعت ذلك المؤتمر الصحفي مرغماً لعل
وعسى أن يأتي دحلان بجديد يختلف عن قديمه، وأعترف أنني انتظرت أياماً
أملاً في أن يفي ولو مرة بوعد قطعه على نفسه وأمام الملايين، وأعترف أنني
كنت واهماً في تفاؤلي وانتظاري، فلا الإتفاق نُشر بصيغته الرسمية، ولا
إنجازات سيادة الوزير كانت إنجازات، ولا انتصاراته انتصارات، لكنه رغم
ذلك فهو "مرتاح الضمير" كما قال، وراضٍ عن إنجازاته العظيمة!
بداية وقبل كل شيء لابد من التأكيد أن أي خطوة لرفع
المعاناة عن شعبنا في الداخل هي أمر مرحب به، ولا يمكن إلا أن تكون خطوة
إيجابية، تساعد في صمود شعبنا ومقاومته عبر الحد من تلك المعاناة
اليومية، ورفع العوائق، وتحسين الإقتصاد، وتسهيل الحركة، هذا من الناحية
الإنسانية الحياتية البحتة، ومن الناحية العملية وبالمقارنة مع الوضع
المأساوي الحالي، لكن ذلك لا يبرر أبدأً تحويل الهزائم السياسية
لانتصارات، ولا يبرر التحول إلى موظفين لدى الإحتلال لتطبيق شروطه
وإملاءته، أو الظهور بمظهر المنقذ الفذ بينما الحقيقة هي عكس ذلك، حتى
وإن عقدت المؤتمرات الصحفية لتجميل وجه الهزيمة السياسية.
دون التطرق لتفاصيل المؤتمر الصحفي لدحلان، والذي كان
مضيعة حقيقية للوقت، سأتوقف عند بعض نقاط الإتفاق بحسب ما نُشر في الصحف،
وبالمناسبة النص المنشور هو ترجمة غير رسمية للنص الانجليزي، بعد أن بقي
النص الرسمي طي كتمان السيد دحلان، مركزاً على أخطر ما فيه، وهو التلاعب
بالألفاظ والتعبيرات، ووضع الاشتراطات غير المباشرة، وهو ما حاول دحلان
نفيه وإظهار نفسه بمظهر الواعي والمدرك لمماطلات الاحتلال وتلاعبه
بالاتفاقات فوضع حسب رأيه إتفاقاً غير مسبوق بكلمات لا لبس فيها، كما
يظن!
أشبع الكتاب والباحثون الإتفاق تحليلاً ونقداً، ولهذا لن
أتناوله بالبحث والتحليل مجدداً، لكن بعد سرد أخطر البنود، سأتناوله من
زاوية أخرى أشد خطورة، وهي دور دحلان، والسبب في تضخيم وتعظيم الإتفاق
الهزيل، والسبب في إعلانه عن راحة ضميره.
نصوص الإتفاقية تقول:
·
"ستسمح اسرائيل بتصدير المنتجات الزراعية من غزة وستعمل
على تسريع اخراجها مع المحافظة على جودتها وابقائها طازجة".
·
"بما يتماشى واحتياجات الأمن الاسرائيلي ولتسهيل
حركة الناس والبضائع عبر الضفة الغربية وللحد من معاناة الحياة
الفلسطينية سيتم تسريع العمل المتواصل بين اسرائيل والولايات المتحدة
لوضع قائمة بالعوائق التي تحد من الحركة ولتطوير خطة للتقليل من هذه
العوائق قدر المستطاع وبحيث تكون جاهزة بتاريخ 31 كانون الثاني".
·
يمكن البدء ببناء الميناء".
·
"تتفق الأطراف على أهمية المطار. سوف تستأنف
المباحثات حول قضايا الترتيبات الأمنية والبناء والعمل".
·
"إستخدام معبر رفح ينحصر في حاملي بطاقة الهوية
الفلسطينية ومع إستثناء لغيرهم ضمن الشرائح المتفق عليها، ومع
اشعار مسبق للحكومة الاسرائيلية وموافقة الجهات العليا في السلطة
الفلسطينية"
·
"تقوم السلطة الفلسطينية بإعلام الحكومة الاسرائيلية
حول عبور شخص من الشرائح المتوقعة - دبلوماسيين مستثمرين أجانب، ممثليين
أجانب لهيئات دولية معترف بها وحالات إنسانية- وذلك قبل 48 ساعة من
عبورهم"
·
تظل هذه الإجراءات سارية المفعول لمدة 12 شهر إلا إذا
تقدما الطرف الثالث بتقييم سلبي حول إدارة السلطة "الفلسطينية لمعبر
رفح. يتم إنجاز هذا التقييم بتنسيق كامل مع الجانبيين وسيعطي
إعتباراً كاملاً لرأى كل من الطرفين."
·
"يتم تركيب الكاميرات لمراقبة عملية التفتيش"
·
"تزود السلطة الفلسطينية الطرف الثالث بقائمة بأسماء
العاملين في معبر رفح والتي سيطلع عليها الاسرائيليون ايضا".
·
"تأخذ السلطة الفلسطينية بعين الاعتبار اي معلومات حول
اشخاص معينيين تزودها بهم الحكومة الاسرائيلية"
·
"يخول الطرف الثالث للتأكد من ان السلطة الفلسطينية
تمتثل بكافة الأحكام والقواعد الخاصة بمعبر رفح وبشروط هذه
الاتفاقية".
إضافة لتلك البنود أوضح دحلان نفسه تفاصيل أخرى منها أنه
ستنقل إلى غرفة العمليات المشتركة معطيات أخرى لم يحددها، لكن من الواضح
أنها تفاصيل الأفراد المستخدمين للمعبر، ومنها استخدام معبر "كيرم
شالوم"، ومنع الفلسطينيين من غير حملة الهوية من استخدام المعابر، تحت
مبررات واهية منها القدرة على الإستيعاب، وعدم الخلط بين المعابر
والقضايا الأخرى، رغم أن سيادته قبل الخلط بيم المعابر وإحتياجات
"إسرائيل" الأمنية!
لا يحتاج الأمر لكثير عناء لاكتشاف أن دحلان المفاوض
الفذ وافق وبالكامل على الشروط "الاسرائيلية"، دون نقصان لكن وبزيادة،
ليعلن أن ضميره مرتاح وليسوّق هذه الاتفاقية على أنها إنجاز وطني كبير
استدعى السهر طوال الليلة، وليشكر الوفد المفاوض لصموده في وجه الضغوطات،
بل لا أبالغ إذا قلت أن الجانب "الإسرائيلي حصل على أكثر مما طلب، وحتى
لا يكون الأمر مجرد اتهامات في الهواء، أو مبالغة غير مرغوب فيها، سأسرد
الشروط "الإسرائيلية" كما أوردتها الصحف الفلسطينية وليس العبرية قبل
أكثر من أسبوع من توقيع اتفاقية دحلان، وأحدد هنا صحيفة القدس المقدسية
بتاريخ 07/11/2005،
لنقرأ تلك الشروط المسبقة ونقارنها باتفاق دحلان، ونكتشف
صموده الأسطوري في مواجهتها وعدم الخضوع لها، وهذا نص حرفي لما نُشر
بتاريخ 07/11/2005:
الشروط
"الاسرائيلية"
لفتح معبر رفح
المصدر: القدس المقدسية -7/11/2005
علمت القدس ان الجانب الاسرائيلي وضع عدة شروط تعجيزية
خلال الاجتماع الفلسطيني - الاسرائيلي الذي عقد يوم الثلاثاء الماضي لبحث
قضية معبر رفح.
ويتلخص الموقف الاسرائيلي من فتح معبر رفح بالنقاط
التالية:
·
يتم فتح معبر رفح بعد استكمال التحضيرات بما في ذلك وجود
الطرف الثالث.
·
يتم تحديد الحركة للاشخاص حاملي الهويات الفلسطينية وبعد
21 شهرا يقوم الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي والطرف الثالث «الاوروبيون»
بتقييم الاداء على المعبر وتقييم الوضع الامني وذلك لاتخاذ قرار بالسماح
بالحركة لكل الاشخاص بغض النظر عن الجنسية. على ان يتم اتخاذ القرار
بالاجماع.
·
يسمح بشكل استثنائي بدخول بعض الافراد غير الحاملين
للهوية الفلسطينية مثل الشخصيات السياسية المهمة والدبلوماسيين ورجال
الاعمال المستثمرين.
·
يقوم باقي الافراد (اي غير حاملي الهويات او الاستثناءات»
بالدخول والخروج من غزة عن طريق معبر «كيرم شالوم».
·
اما بالنسبة للبضائع فقد وافق الجانب الاسرائيلي على خروج
البضائع من معبر رفح وكرر ان دخول البضائع لغزة يجب ان يكون من معبر
«كيرم شالوم».
·
لم يعلن الجانب الاسرائيلي ان معبر كيرم شالوم (للبضائع
القادمة) هو معبر مؤقت الى حين بناء القدرات الفلسطينية.
·
بالنسبة للطرف الثالث، يصر الجانب الاسرائيلي على ان يكون
الطرف الثالث اكثر من مجرد مراقب قوي بل يريد ان :
-
يتمتع بالصلاحية الكاملة للتدخل.
-
يلتزم بضمان تطبيق الاتفاقيات مع اسرائيل.
-
يلتزم بالتدخل في حال لاحظ خرقا للاتفاقيات بما في ذلك
منع الفلسطينيين "المشبوهين" من السفر واعتقالهم او تفتيش ومصادرة بضائع
تشكل خطرا امنيا.
·
يصر الجانب الاسرائيلي على ان المعبر فلسطيني مصري ولكن
يطالب بان يكون له دور كالآتي:
-
يتم ربط اجهزة الحاسوب في المعبر باجهزة الحاسوب
الاسرائيلي «بثا حيا ومباشرا».
-
يتم ارسال صور كاميرات الفيديو التي تراقب نقاط الدخول
والخروج ونقاط التفتيش ومكاتب الاستقبال واجهزة الفحص الى اسرائيل «بثا
حيا ومباشرا».
-
في حال لاحظت اسرائيل (من خلال شاشات الكاميرات التي
تراقبها او شاشات اجهزة الحاسوب الموصولة بها) اي «خطر» تقوم بابلاغ
الطرف الفلسطيني والطرف الثالث ليقوم بالمنع من السفر او الاعتقال او
المصادرة او غير ذلك.
-
تقوم اسرائيل بتقديم قائمة اسماء بمن تصفهم بـ «المشبوهين
الفلسطينيين» لمنعهم من السفر او اعتقالهم او غير ذلك في حال تواجدوا في
المعبر.
-
تريد اسرائيل قائمة باسماء العاملين بالمعبر من خلال
الطرف الثالث على ان تقوم بتقديم اي تحفظات لها على الاسماء ليتم اخذهم
بعين الاعتبار من قبل الجانب الفلسطيني.
وقد قام الجانب الفلسطيني بالتعبير عن استيائه لما سمعه
من العرض الاسرائيلي موضحا ما يلي:
-
لا تستطيع السلطة الموافقة على استمرار اسرائيل بالسيطرة
على المعبر. ولذلك لا تستطيع القبول بالبث الحي والمباشر للصور والشاشات،
او تقييد حركة حاملي الهويات.
-
لا تستطيع السلطة الفلسطينية منع حاملي الهويات من السفر
لمجرد تقديم اسرائيل قائمة باسماء «المشتبهين».
-
لكي يحصل الطرف الثالث (الاتحاد الاوروبي) على الموافقة
من الدول الاوروبية للقيام بالدور الذي وصفته اسرائيل سيحتاج الى بضعة
اشهر ما سيؤخر فتح المعبر".
تجدر الإشارة هنا أن تلك الشروط نشرت في عشرات الصحف
والمواقع بمختلف اللغات،وعبر نشرات الأخبار والمراسلات والتقارير، وكان
يعلمها القاصي والداني بمن فيهم دحلان نفسه، ولنراجع ما قاله
دحلان قبل حوالي شهر من الإتفاق المذكور في مؤتمر صحفي
بمدينة غزة بتاريخ 22/08/2005 حيث أكد على رفض السلطة
وجود أي جندي إسرائيلي على
المعابر الفلسطيني، مشيراً إلى موقف السلطة
الواضح من هذا الموضوع الذي يقابله موقف إسرائيلي غير
واضح لعدم تحديدهم لمستقبل
المعابر رغم تقديمهم عدة طروحات تم رفضها جميعاً من قبل
السلطة موضحاً أن الحكومة
الإسرائيلية تريد ضمانات أمنية لتسليمها المعبر للجانب
الفلسطيني،
مشيراً إلى أن السلطة
ستباشر
بناء المطار و الميناء في اليوم التالي للانسحاب.
في اليوم التالي للكشف عن هذه الشروط، أي يوم الإثنين
08/11/2005، وفي مؤتمر صحفي آخر خلال جولة قام بها دحلان مع الموفد
الاوروبي للشرق الاوسط
مارك اوتي لمعبر رفح، قال حرفياً:
·
نريد طلبا واحدا ونأمل ان نحققه خلال الايام القريبة
القادمة
وهو حرية حركة الافراد من والى قطاع غزة وحرية حركة
البضائع الخارجة من قطاع غزة
الى مصر
·
نريد ان يكون هناك طرف يعطي ضمانة بأن الاجراءات التى
نقوم بها
اجراءات كافية بحسب قواعد العمل الدولي وليس بحسب قواعد
العمل الاسرائيلي
·
معبر
رفح
على الحدود بين مصر وقطاع
غزة أصبح فلسطينيا منذ الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي
الفلسطينية في شهر سبتمبر
الماضي
·
إسرائيل تريد أن يكون لها دور سواء ظاهرا أو غير
ظاهر على
معبر
رفح
·
إسرائيل لن تستطيع منع أحد من السفر ولن تكون هناك قوائم
سوداء
·
استطيع ان اجزم واطمئن الجميع
اننا لن نوافق على
الشروط
الاسرائيلية
واسرائيل بدأت
تتراجع عن هذه
الشروط
التى
تتسم بصلف وعقلية الاحتلال
·
رفض اي دور لاسرائيل في المعبر ولذلك تم الاتفاق على أن
يكون هناك طرف
ثالث.
هذا بالضبط وحرفياً ما ذكره دحلان قبل أسبوع واحد بالتمام
والكمال من توقيع اتفاقية المعابر، قيا ترى هل حقق ما أراد كما قال،
ليعلن عن راحة ضميره؟، وهل استطاع المفاوض الفلسطيني بقيادة دحلان إسقاط
ولو شرط واحد من شروط الإحتلال كما أُعلن عنها؟
الطامة الكبرى أن هناك من يعيش في عالم آخر ويحاول جاهداً
استغباء واستغفال الشعب الفلسطيني فهاهو وزير الإعلام ونائب رئيس وزراء
السلطة الفلسطينية نبيل شعث وفي اليوم التالي لتوقيع الإتفاقية يوم
16/11/2005 يمتدح
"الجهود الأمريكية والأوربية التي أدت الى
توقيع
هذا الاتفاق الذي كانت اسرائيل تحاول المماطلة فى تنفيذه
لكن الضغوط عليها أجبرتها
علي توقيعه "وفق الشروط الفلسطينية"،
أية شروط فلسطينية أيها الوزير، أية شروط تلك تتحدث عنها؟
سليم أبو صفية مدير عام
امن المعابر والحدود وبدوره يوم 16/11/2005 يؤكد
"انه لن يكون هناك أي بث مباشر عبر الكاميرات للجانب
الإسرائيلي
او حتى لغرفة المراقبة المشتركة من معبر رفح الحدودي
موضحا ان غرفة المراقبة ستنشأ
فقط من اجل تواجد الطرف الثالث الذى سيشغل دور المراقب
علي المعبر"،
معذرة ولكن لا توجد طريقة أخرى للتساؤل: من يكذب هنا
سيادة الوزير أم مدير أمن المعابر والحدود؟
رداً على كل هؤلاء، وحتى ينكشف المستور في إتفاقية دحلان،
ذكرت صحيفة يديعوت احرونوت العبرية اليومية في عددها الصادر بتاريخ
16/11/2005، أن الاتفاق يسمح "للإسرائيليين" بالاعتراض على دخول أي
شخص تعتبره "إسرائيل" مشبوها واعتقاله في حالة اقتناع المراقبين
الأوروربيين بالمعلومات الاستخبارية المقدمة مشيرة إلى أن (إسرائيل)
ستقدم قائمة بالأشخاص الممنوع دخولهم وخروجهم من غزة . وقالت الصحيفة إن
أي شخص تعترض عليه (إسرائيل) يحاول الدخول إلى غزة سيتم اعتقاله لمدة
ساعات إلى أن تقدم (إسرائيل) معلومات استخبارية إلى الأوروبيين الذين
سيقررون بعدها اعتقاله أم لا حسب مدى خطورته دون اعتبار للموقف الفلسطيني
و"الإسرائيلي" من القضية .
وأشارت الصحيفة إلى أن الاتفاق يسمح لـ"إسرائيل" بتقديم
قائمة من الأسماء المطلوبين وأن الجانبين اتفقا على أن أي شخص يظهر اسمه
في تلك القائمة التي ستوضع حسب معايير دولية سيتم اعتقاله فور وصوله
إلى معبر رفح.
ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية صهيونية قولها إن "إسرائيل"
حققت أقصى ما يمكنها أن تحققه في ظل عدم وجودها
المادي في معبر رفح.
وقبل أن أُتهم بالنقل عن مصادر عبرية، فقد أكد عريقات
وغيره من رموز أوسلو أن التوقيف المذكور أعلاه لن يتجاوز 4 ساعات حتى
النظر في أمر الموقوف!
رغم أن استرتيجية الإحتلال التفاوضية لم تتغير معتمدة على
تبديد الوقت، والمماطلة، والإغراق في تفاصيل التفاصيل، والتلاعب
بالكلمات، والتملص من الإتفاقيات السابقة، وتجزأة المسائل، إلا أن الطرف
الفلسطيني المفاوض يُصر وبغباء منقطع النظير على أسلوب الإستجداء والخضوع
لشروط واملاءات الطرف الآخر، ليعلن في نهاية المطاف الإنتصار بتحقيق شروط
الإحتلال، وعدم التنازل مباشرة، لكن بعد صمود وعناد!!
الإتفاق المهزلة والذي يحاول دحلان تسويقه على أنه إنجاز
شخصي كبير، وإنقاذ لأهالي غزة من وضع مأساوي لا ينكره عاقل، ليس صدفة أو
وليد ساعته، بل هو ضمن مخطط واضح سابق الإعداد، أشرت إليه قبل أكثر من
شهرين في كتاب "صفقة شارون"، حيث ذكرت في الفصل الخامس
ما بعد خطة شارون الصفحة 26 ما يلي:
"هذا السيناريو يتطلب أيضاً إعادة تأهيل بعض الشخصيات
للقيام بأدوار محددة تضمن نجاحه، ولعل أهم هذه الشخصيات وزير الشؤون
المدنية الحالي محمد دحلان، وحول هذا الموضوع وفي صحيفة
هآرتس 17/2/2004 يقول عضو الكنيست أفشالوم فيلان ": يجب البدء في التفاوض
مع محمد دحلان على تسليم قطاع غزة كله له. ولقاء ذلك سيلتزم دحلان، الذي
يتولى السيادة اليوم أيضا على القوة العسكرية ذات الشأن في القطاع،
بتحقيق هدوءا تاما على طول الحدود. يستطيع دحلان أن يكون الشخص الذي يقيم
إدارة منظمة في غزة وفي ضمن هذا أيضا يحفظ الأمن. هذا البديل أفضل
لإسرائيل من كل وضع خلاء ممكن".
لتمرير دحلان على أنه رجل غزة القوي، القادر على ضبط
الأمور والسيطرة، عليها لابد من:
-
زيادة حالة الفلتان الأمني من اطلاق نار واختطاف واغتيال
(موسى عرفات) وغيرها، وبشكل مرسوم ومدبر وتصاعدي، ليأتي المنقذ بعد ذلك
-
حل بعض المشاكل العالقة رغم عدم أهميتها نظرياً بعد تنفيذ
خطة شارون، وعلى سبيل المثال مشكلة 55000 زائر للقطاع ممن أقاموا فيه دون
إذن، وهو ما لن يحتاجوه بعد اخلاء القطاع، ليظهر الوزير بدور المنقذ
الحريص على المواطنين
-
تعقيد أمور محددة لها تأثير مباشر على حياة الغزيين،
وبشكل إعلامي كبير، كقضية معبر رفح، ثم حلها فجأة على يدي المنقذ مرة
أخرى".
لم يكن ما ذكرته من باب التنجيم أو العلم بالغيب، لكن
دراسة لواقع وأدوار بانت ملامحها منذ فترة طويلة، وبدأ تنفيذها الآن.
هذا ما يفسر راحة ضمير دحلان بعد هذا الإتفاق الهزيل، فهو
في طريقه لتنفيذ السيناريو المحكم الإعداد، ولا يهم في سبيل ذلك إن
أُطلقت وعود جديدة، أو استغلت حاجة الناس للتنفس عبر المعبر وبأية شروط
مهما كانت مجحفة، وإن كرّست الإحتلال وثبتته، وحولت قطاع غزة لسجن كبير
يتحكم فيه المحتل.
دون أن يدري فقد أثبت دحلان في مؤتمره الصحفي بتاريخ
15/11/2005 ما حاول أن ينفيه وكأنه يطبق المثل القائل " اللي على راسه
بطحة" عندما ذكر أن الإتفاق ليس "إحتلالاً مدفوع الأجر" أو "إحتلال
بالريموت كونترول"، هو كذلك ولا شيء غيره، وعلى سيادة المفاوض الكبير
والوزير ذو العلم المستنير أن يراجع ما وقع عليه بنفسه ليتأكد من ذلك، مع
يقيني التام أنه يعرفه ويعلمه علم اليقين.
بقي أن نقول أن كافة التنظيمات الفلسطينية والمؤسسات
الأهلية والحقوقية والأفراد أعلنوا رفضهم للإتفاق واعتباره تكريس للسيطرة
"الإسرائيلية" على قطاع غزة.
لننتظر الإنجازات العظيمة "الكارثية" القادمة! |