صناعة نجم

محمد دحلان الرئيس الفلسطيني القادم


د. أحمد نوفل

اذكر أنه قبل أكثر من عشرين سنة، جاء طبيب صديق وبيده عدد من مجلة تايم (كما أذكر الآن)، وقال: أنت تعرف القيادة الفلسطينية فمن هو محمد دحلان؟ قلت: لا أعرف ولم أسمع به من قبل، فلماذا السؤال؟ ففتح المجلة وإذ على الغلاف عنوان ترجمته: "قيادات واعدة في كل أنحاء العالم". وفي الداخل في نصف صفحة عنوان: قطاع غزة: محمد دحلان، قيادة واعدة، فطفقنا نعجب: المجلة الأمريكية أعلم منا وأكثر خبرة بقياداتنا المستقبلية، وفي ذلك الوقت كان دحلان في العشرين، وكان طالباً فاشلاً)(بكل المقاييس) في الجامعة الإسلامية بغزة، وقد فصل منها، ليرشح من مجلة تايم الأمريكية قائداً واعداً للشعب الفلسطيني. هم أعلم بطبيعة الحال، وما يدرينا نحن بالمناضلين، وبالصالحين لقيادة الشعب الفلسطيني؟
ويروي بعض المجاهدين الذين حقق معهم المحققون اليهود أن أحدهم قال له: بعد ستة أشهر سيحقق معك في هذا المكان دحلان.

يقول هذا الرجل: وبعد ستة أشهر كانت السلطة قد استلمت غزة ودعيتُ للتحقيق، فدخلت على ضابط فلسطيني وإذ باسمه على طاولته: العقيد محمد دحلان.

وقد وقف دحلان في آخر أيام عرفات ضد عرفات مثله في ذلك مثل نبيل عمرو، وفي مؤتمر شرم الشيخ قرر المؤتمرون له راتباً شهرياً يبلغ عدة ملايين ليدفع لحوالي أربعة آلاف عنصر يتبعونه شخصياً، في الوقت الذي كان العالم كله يشكو من تعدد الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وهو أي هذا العالم ذاته يدعم جهازاً خاصاً لجبريل الرجوب وجهازاً خاصاً لدحلان.

ثم قضى دحلان عدة أشهر في لندن، يتدرب على التحدث بالانجليزية (هذا المعلن) والمخفي أعظم والله أعلم - أنه كان يتعلم كيف يقود، وكيف يتعامل مع المعارضة.

دحلان الذي يصرح بأنه لا يصلح للشعب الفلسطيني إلا العصا، وأنه هو شخصياً مستعد للتضحية بنصف الشعب الفلسطيني في سبيل أن يقوم سلام بين النصف الآخر و"إسرائيل".

وفي مقال في "الاندبندنت" بتاريخ 13/1/2006 بعنوان: "نجم الحرس الجديد الفلسطيني.." لترى كيف تتم صناعة نجم (منذ فترة وليس الآن!) وفي أول عبارة يقول الكاتب: محمد دحلان رجل غزة القوي الذي يقف هذا الشهر (وراء) الانتخابات التشريعية الفلسطينية. ويبدو دائماً هادئاً (بارداً: cool) تحت الضغوط. (إن كان من سوء ترجمة فمني ومن ضعف لغتي).

ويقول: إنه يتفوق بأكثر من 15% على منافسيه الإسلاميين التابعين لحماس. ثم قال: انه من الإصلاحيين الجدد الذين -حسب استطلاعات الرأي- يتفوقون على الإسلاميين. (هم أعلم من أهل البلد!(

ثم أشار كاتب المقال إلى (الكاريزما) التي يمتلكها، وذكر أن الرئيس بوش قال: "أحب ذلك الرجل الشاب أو الفتى..".

ثم أشار المقال إلى أنه أثناء تجوال دحلان في خانيونس وأزقتها الضيقة فإنه يتلقى الدعم من مئات من مؤيديه حيث تلقي النسوة والأطفال الحلو من البلكونات على موكبه..

ثم قال: من الواضح أنه ينظر إليه من قبل الجماهير على أنه النجم (Star) من بين سائر شخصيات فتح.

وفي نهاية أسبوع مرهق من حملته الانتخابية قال مستر دحلان: نسعى إلى إظهار نموذج يبرز "فتح" وقيادتها على أننا أفضل وأقوى من "حماس". (ليس عندنا قضية ولا عدو ولا احتلال. المشكلة هي حماس).

ونواصل مع الكاتب الذي يتعمد في رأس كل فقرة أن يعيد: (مستر دحلان) وفي مقابلة لعريقات - عافانا الله من المصائب- مع "لندن" تسأله عن "حماس" فما ذكرها بالاسم مرة واحدة.

أقول: نعود إلى الكاتب الذي يقول: دحلان من الحرس الجديد الذين انسحبوا من فتح في خطوة تكتيكية لإجبار عباس على اتخاذ خطوات في صالح الجيل الجديد. (جيل من وماذا؟) ويختم الكاتب المقال (واختصر) بأنه رغبة العديد من الفلسطينيين أن يكون هو القوة التي توقف الفلتان الأمني (وأتساءل، من وراء الفلتان؟!) وهو الذي يفاوض من أجل نقاط العبور، وينظر إليه العديد من الفلسطينيين على أنه مفاوض مقبول من أمريكا و"إسرائيل" وهذا جيد جداً للشعب الفلسطيني. (عجبي!)

هذه مقتطفات من المقال الذي نشرته "الاندبندنت" كما أسلفنا وفيه نرى عينة من صناعة النجوم في معامل "ستار أكاديمي". وأقول: هذه هي الديموقراطية الأمريكية المقبولة لمنطقتنا، تلك التي تبرز وتفرز من ترتضيهم أمريكا و"إسرائيل".

ومصيبة المصائب أن تكون أبرز مؤهلات المرشحين: رضا أمريكا و"إسرائيل" عنهم، وقبول أمريكا و"إسرائيل" لهم. "عويس في زمن العجائب!".

ولو كنت مثل المتنبئ التونسي لقلت: إني ومنذ أكثر من خمس سنوات كنت أقول: بعد عرفات عباس وبعد عباس دحلان. وفي هذا اليوم الذي اكتب فيه هذه الكلمات استمعت في لندن إلى أقوال الصحف العبرية، فينقل مقدم التقرير عن "هآرتس" إن دحلان صرخ في وجه عباس (كما صرخ في وجه عرفات من قبله): "أنت جننت، مثل عرفات من قبلك"!

ولا يجرؤ على مثل هذا الكلام في حضرة الخليفة العباسي إلا من يعلم الخليفة انه خليفته، وأن المعلم راض عنه أكثر منه. وسلام على الدنيا.. التي فيها عباس ودحلان، يقودان أخطر قضايا أمة العربان.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع