دعوة وطنية للخرس الجماعي!
سوسن البرغوتي
فصل جديد لمسرحية قديمة طال عرضها، لم يحاول مخرجها أن ينتهج سياسة جديدة
من شأنها تطوير قدرات الممثلين، بل أبرز بمواصلة ممارسته مع سبق الإصرار
والترصّد شوفينية ممجوجة وعنيدة بإطلاق أوامر قديمة المضمون، لكنها مغلّفة
بشكل يجعلنا نضحك تارة ونبكي تارة أخرى من قبح حال المشهد.
عندما يصفعنا الحاخام الصهيوني"عوفيديا يوسيف" على وجناتنا اليمنى بقوله
الشهير (بأن العرب صراصير وأفاعي ويدعو إلى إبادتهم) وكما قال غيره وغيره
من جهابذة الفكر الصهيوني بأن كل الأجناس البشرية غير اليهود هم مطايا
"حمير" لليهود.! وإذا نفقت مطيّة "حمار" على اليهودي أن يمتطي حماراً
آخر..!؟ ونحن الموصوفون بالمطايا والحشرات الضارّة.! يأتي ردّ فعلنا بأن
ندير وجناتنا اليسرى فيزدادوا بالإساءة إلينا وإمطارنا بشتى وسائل
الإهانات والإذلال!.
وعندما
تنتهك حقوق أسرانا في سجون العدو، ويعلن وزير الأمن الصهيوني
شعار نظامه "الإضراب حتى الموت"،
ويمعنوا في ممارسة إبادة حقيقية للشعب الفلسطيني كوننا من فصائل الحشرات،
يبقى من السهل جدا أن نصف أقوالهم على أنها ممارسات ديموقراطية وحضارية
أيضاً.!
أمّا
أن يصرّح الرئيس المنتظر للسلطة الوطنية الفلسطينية بأن على الإعلام
الفلسطيني أن يتوقف عن التحريض ضدّ الساميّين "المتسامين"
فالمصيبة
أكبر.
وبالمفهوم
الصهيوني لدلائل التحريض نستطيع أن ندرج بأن النشيد الوطني الفلسطيني سلاح
تحريض.! وألوان العلم الفلسطيني شعارات عنف.!
وحجارة
فلسطين أدوات تخريب وإرهاب. فماذا ننتظر بعد..!؟
اخلعوا "قنابيزكم" وكوفياتكم يا شعب فلسطين فهي وسائل للتحريض.! وأحرقوا
قبور الشهداء فهي عناوين إرهاب.! وأحرقوا القصائد، وادفنوا كل مشاعركم،
فنحن ماضون بفضل قيادتنا الحكيمة إلى مصير لا يعلمه غير الله
سبحانه."قيادتنا" المباركة تدعونا إلى نبذ التحريض على العنف، والكفّ عن
المطالبة باسترداد حقوقنا المغتصبة، والرضوخ برضا وقبول إلى الصهاينة وما
يعلمونه لأولادهم في مدارسهم ليتجرعوا ويتعلموا منذ الصغر الحقد العنصري،
ليباشروا عبر ممارسة ديمقراطية نشر أفكار وقحة علناً ودون خجل بوسائل
إعلامهم وهم يعلنون سعادتهم برحيل عرفات.ألا يدعونا هذا السلوك إلى مراجعة
قراراتنا الوطنية بما يتوافق مع مصلحتنا المبدئية..؟
أيّ
تحريض يجب أن نكفّ عنه..؟ هل يمكن أن نفهم بأن قراءة القرآن أو حيازته
أصبحت بالعرف الديموقراطي وسيلة تحريضية.؟وماذا عن الكيان الذي يمارس بدم
بارد قتل الأطفال والحياة، ويعمل على تذويب هوية شعب كامل.؟
آه
يا وطن..اختلطت وتباينت فيك المفاهيم والمعايير والتصريحات، لنعيش مرحلة
فوضى الضمير الفلسطيني في معترك الضرب بيد من حديد على كل من يقول "فلسطيني
أنا!".
لكن ضمير هذا الشعب يعلنها مدوّية لن نتنازل عن حقنا في كل ذرّة من تراب
فلسطين ومهما طال الزمن، ولن نكفّ عن البحث عن قيادة شرعية شريفة تقود
ثورة نضالنا إلى النصر..
وليذهب شارون وحكومته ومن يدور في فلكهم إلى الجحيم، وسنغني لفلسطين،
ونكلّل جباه شهدائنا بشقائق النعمان التي أينعت من شلالات دمائهم.
وعندما نقيم ميزان العدل، ونعيد ترتيب الأمور ووضعها في نصابها نقول بأن
على من اغتصب الحق أن يحاسب، وأن يتوقف عن ممارسة العنف الأسود باجتياحه
المدن الفلسطينية التي من المفترض أن لها سيادة وطنية! وأن يعلّموا أطفالهم
سلوك العدل والحق وهذا أول الطريق لسلوك دروب الإنسانية، وليحترموا إرادة
شعب بحقه في تقرير مصيره.
يتحدثون عن ديموقراطيتهم على أنها الوحيدة في منطقتنا المتخلّفة، فهل حق
الاعتراض على ممارساتهم ضد أسرانا في سجونهم ضرب من ضروب التحريض.؟ وهل
التعبير عن المشاعر الوطنية جريمة لا يغفرها حتى الإعلام الرسمي
الفلسطيني!...وهل من العدل أن نراعي عدم خدش أحاسيس سفاح صبرا وشاتيلا.؟
والمجرم الذي لم يشهد له التاريخ مثيلاً البلدوزر البشري شارون.!؟
في هذا الوقت العصيب من تاريخ القضية الفلسطينية، لا يسعنا نحن فلسطينيو
الشتات إلا أن نعلن بأن لنا كل الحق في مخاطبة ومحاسبة المسؤولين عن
قضيتنا ومصيرنا..أم ترانا نعتمد الخرس الجماعي، ونكسر أقلامنا وهي سلاحنا
الباقي كي ننجو من الاتهام بأننا إرهابيون ومعادون للسامية..!
تساؤلات مريرة تقودنا إلى رؤية ضبابية للمرحلة القادمة، في ظل تصدّع الصف
الوطني، وانزلاق حاد تجاه خارطة من شأنها أن تدعو إلى تقسيم وتجزئة المنطقة
العربية إلى قبائل تعود بنا إلى ممارسة الاقتتال على مناطق كلأ لإشباع
أغنام العشيرة حتى يحين موسم ذبحها.
2/12/2004 |