في الوقت الحرج ...غزة في بؤرة الاستهداف الإسرائيلي |
صالح النعامي
في الوقت الذي يتناحر فيه الفلسطينيون فيما بينهم، تتواتر الدلائل التي تؤكد أن دولة الاحتلال بصدد شن حملة عسكرية واسعة على حركات المقاومة في قطاع غزة لتحقيق جملة من الأهداف الإستراتيجية والتكتيكية. وتقدم القيادات العسكرية والسياسية في الدولة العبرية عدة مسوّغات لشن هذه الحملة على القطاع لتسويق العدوان القادم على أساس أنه بات خطوة ضرورية لضمان الأمن الإسرائيلي. ولعل التصريحات التي أدلى بها رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي (دان حالوتس) تؤكد التوجهات العدوانية لحكومة الاحتلال إزاء قطاع غزة؛ إذ اعتبر (حالوتس) مؤخراً -في مناسبات عدة- أن حملة عسكرية ضد حركات المقاومة في القطاع أصبحت أمراً محتماً في أعقاب تصاعد وتيرة عمليات إطلاق الصواريخ على المستوطنات المنتشرة في جنوب فلسطين المحتلة من قطاع غزة. أما وزير الأمن الداخلي الصهيوني (افي ديختر)، فقد قال: إنه يتوجب على الدولة العبرية شن حملة عسكرية على قطاع غزة وإجبار الفلسطينيين على دفع ثمن باهظ جراء مواصلتهم إطلاق الصواريخ على مستوطنات النقب. ولا يفوت رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود اولمرت فرصة دون أن يلمح إلى إمكانية شن مثل هذه الحملة، في الوقت الذي شرعت فيه وزارة الخارجية الصهيونية في شن حملة دعائية في أرجاء العالم لتهيئة الرأي العام العالمي لمثل هذه العملية العسكرية الكبيرة. (يوفال ديسكين) رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية الداخلية "الشاباك " حذر من أنه في حال لم تتحرك إسرائيل سريعاً فإن قطاع غزة سيتحول إلى جنوب لبنان، بحيث يتم تهريب صواريخ يصل مداها إلى المدن الإسرائيلية الكبيرة الواقعة في محيط القطاع. (ديسكين) حاول بعث الفزع في نفوس وزراء الحكومة الإسرائيلية عندما قال إن عناصر المقاومة الفلسطينية قاموا بتهريب جميع أنواع السلاح ما عدا الطائرات والدبابات. لكن المتتبع لمسار الأحداث في الدولة العبرية يدرك أنه بالإضافة إلى المسوغات التي يقدمها المسؤولون الصهاينة لتسويغ قيامهم بحملة عسكرية في قطاع غزة، فإن هناك أهدافاً أكبر تسعى النخب الحاكمة في الدولة العبرية إلى تحقيقها من خلال شن هذه الحملة؛ فدوائر صنع القرار تريد من خلال شن حملة عسكرية في قطاع غزة تحديداً إلى استعادة عامل الردع في مواجهة المقاومة الفلسطينية. فالعديد من الجنرالات في إسرائيل يرون أنه بالإمكان استعادة بعض من قوة الردع الإسرائيلية عن طريق قيام دولة الاحتلال باستعراض عضلاتها ضد حركات المقاومة في قطاع غزة مستغلة ميل موازين القوى لصالحها بشكل جارف. رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (عاموس يادلين) يقول إن شن حملة واسعة النطاق على قطاع غزة ضرورة لإقناع حركات المقاومة هناك بأنه لا يمكنها تحقيق أهداف سياسية عن طريق العمل العسكري. في نفس الوقت فإن الحكومة الإسرائيلية معنية بالتغطية على تراجعها في قضية الجندي الأسير (جلعاد شليط). فدوائر صنع القرار في الدولة العبرية باتت تدرك أن وضع حل لقضية الجندي (جلعاد شليط) يتمثل في التوصل لصفقة تبادل أسرى مع حركات المقاومة التي أسرته، وتعي هذه الدوائر أن مثل هذه الصفقة ستضفي صدقية كبيرة على خطاب حركات المقاومة الفلسطينية، لاسيما حركة حماس والحكومة الفلسطينية بقيادة إسماعيل هنية، من هنا فإن هذه الدوائر ترى أن شن
حملة عسكرية على حركات المقاومة سيعمل على التغطية على الإنجاز الذي حققته حركات المقاومة. فكبار المسؤولين الصهاينة باتوا يؤكدون أن الإفراج عن (شليط) يتطلب الإفراج عن عدد كبير من أسرى المقاومة الفلسطينية. من ناحية ثانية فإن الكثيرين في إسرائيل يرون أن شن الحملة في الوقت الذي تتواصل في الاتصالات حول صفقة تبادل الأسرى قد يساهم في تقليص سقف مطالب حركات المقاومة، وقد يجبرها على القبول بالإفراج عن عدد أقل من أسرى الحرية في سجون الاحتلال. وأولمرت يتحمس بشكل خاص لشن هذه الحملة على اعتبار أنها قد تساهم في إنقاذ مستقبله السياسي ومستقبل حزبه (كاديما) الذي يتهاوى كما تعكس ذلك استطلاعات الرأي العام. ومما لا شك فيه أن التوجه لتنفيذ عملية عسكرية في قطاع غزة يرى فيها أولمرت مناسبة لرفع شعبيته المتهاوية. الذي يزيد من ثقل الحسابات الداخلية في قرار شن الحملة العسكرية على قطاع غزة هو حقيقة الدعوات المتكررة التي يوجهها قادة المستوطنين في المستوطنات التي تحيط بقطاع غزة الذين يعتبرون أن حياتهم وحياة المستوطنين لم تعد تُطاق بفعل عمليات إطلاق الصواريخ على تلك المستوطنات انطلاقاً من قطاع غزة. أولمرت على -وجه الخصوص- يرى أنه مطالب أكثر من غيره لإبداء حساسية إزاء هذه الدعوات على أساس أنه يُتهم على نطاق واسع على أنه العقل المفكر وراء خطة "فك الارتباط"، التي يزعم المستوطنون أنها ساهمت في تدهور أوضاعهم الأمنية. في نفس الوقت فإن شن حملة عسكرية سيُوظّف من قبل أولمرت لمغازلة أحزاب اليمين المتطرف من أجل إقناعها بالانضمام إلى حكومته، لاسيما حزب (إسرائيل بيتنا) بقيادة (افيغدور ليبرمان)؛ إذ إن أولمرت يعي أنه بدون توسيع حكومته الحالية، فإنه سيجد نفسه مضطراً لخوض غمار انتخابات جديدة. ومن نافلة القول: إن أي عمل يساهم في إضعاف الحكومة الفلسطينية الحالية لا تتردد الدولة العبرية في القيام به؛ والكثير من دوائر صنع القرار في إسرائيل ترى في حملة عسكرية ضد المقاومة في القطاع يساهم في تحقيق ذلك.
قصارى القول: إنه لمن بواعث المرارة والأسى أن ينشغل البعض في الساحة الفلسطينية بحياكة المؤامرات والمخططات الكيدية لمكامن القوة في المجتمع الفلسطيني في الوقت الذي يتربص العدو الصهيوني بالجميع الدوائر!!
|