من الحملات الصليبية وحتى موسى عرفات!

زهير أندراوس

رئيس تحرير جريدة كل العرب -الناصرة www.kul-alarab.com

zoheir_a@netvision.net.il

  9/18/2005

يحتاج الإنسان الطبيعي إلى كمية كبيرة من الهواء لكي يستطيع مواصلة التنفس بحرية، وعليه تجنيد اكبر قدر من الأعصاب الفولاذية لحماية جسمه من مضاعفات لا تحمد عقباها عندما يستمع إلى أقوال رئيس السلطة، محمود عباس (أبو مازن)، وهو يتحدث عن خطواته المستقبلية لقمع الظواهر السلبية في المجتمع الفلسطيني. على أية حال نجد انه من الضرورة بمكان التطرق إلى عدد من القضايا الهامة التي عصفت بالساحة الفلسطينية خلال الأيام الأخيرة:

أولا: وقعت السلطة المهزوزة والمأزومة في الشرك الذي نصبه لها السيد أرئيل شارون، عندما أعلن انه لن يهدم الكنس اليهودية التي أقامها لصوص الأرض والهواء في قطاع غزة، فقامت من حيث تدري بإطلاق العنان للجماهير الغاضبة بصب جام غضبها وإحراق الكنس، ولكن السلطة نفسها نسيت أو تناست أن هذه الجموع المقموعة، ستندفع في الفترة القريبة ضد السلطة وأركانها بسبب حالة الاحتقان الشديد التي تعيشها نتيجة تصرفات المتنفذين في السلطة التي تسعى إلى تقزيم الحركة الوطنية الفلسطينية.

ثانيا: كان حريا بالسلطة أن تتصرف بحكمة وحنكة وتفوت على شارون وحكومته الفرصة لتصويرنا أمام العالم بأننا شعب ليس حضاريا، ولا غضاضة بان نذكر السيد عباس بأننا كشعب يرزح تحت نير الاحتلال بحاجة ماسة إلى تأييد دولي لقضيتنا. وبالتالي نعتقد انه كان عليه التوجه بشكوى رسمية إلى مجلس الأمن والى الرباعية الدولية ضد تصرفات إسرائيل في قضية الكنس اليهودية، ومطالبتهما بالتدخل السريع لوقف هذه المهزلة، وكان على رئيس السلطة السفر إلى الأمم المتحدة لعرض القضية هناك لإحراج شارون الذي وصل إلى نيوروك على انه حمامة سلام. هذه الخطوة كانت ستساهم كثيرا في جمع النقاط لصالح الشعب الفلسطيني من جهة، وتمنع من السيدين شارون ووزير خارجيته سيلفان شالوم، من مواصلة الأعمال البهلوانية في "سيرك السلام"، الذي يشارك فيه عدد لا باس به من الزعماء العرب والمسلمين المهرولين للتطبيع مع الدولة العبرية.
ثالثا: من السهل جدا أن نجد التبريرات والتسويغات لحرق الكنس اليهودية التي أقامها الاحتلال في قطاع غزة، ولكن هذه التبريرات مرفوضة لأنها تضعف موقفنا في قضية المحافظة على المقدسات العربية في فلسطين التاريخية. فإسرائيل انتهكت منذ إقامتها في العام 1948 أكثر من ألف مسجد وهدمت 531 قرية فلسطينية، وبالتالي فإننا بهدمنا الكنس أصبحنا في نظر العالم مثل إسرائيل: هم يهدمون وانتم تهدمون، أي أن الجلاد تحول بسبب ضعف السلطة الفلسطينية إلى ضحية، أو في أحسن الأحوال أوجدنا مشهدا عبثيا يتساوى فيه الجلاد مع الضحية.

رابعا: الاحتلال هو أعلى درجات الإرهاب، وكل محتل قام باغتصاب الأرض والعرض خلف وراءه الكثير من الرموز الدينية والدنيوية، فعلى سبيل الذكر لا الحصر عندما قام الصليبيون باحتلال فلسطين، أقاموا العديد من القلاع التي ما زالت قائمة حتى اليوم، فإذا كان المنطق المعمول به والمتعارف عليه يقول بأنه يجب القضاء على أي رمز تركه المغتصب لأرض ليست له، فان النتيجة المنطقية تحتم هدم جميع مخلفات البرابرة الصليبيين في فلسطين، فلماذا لم تهدم عن بكرة أبيها، وقد يقول قائل بان الظروف تختلف، ونحن نوافق على هذا الطرح، ولكن من حيث المبدأ فالاحتلال هو احتلال منذ غابر الزمن.

خامسا: في الأسبوع الماضي قامت جهات فلسطينية "مجهولة" باغتيال اللواء موسى عرفات في بيته في غزة على بعد عشرات الأمتار من مقر جهاز الأمن الوقائي ومقر الرئاسة. عملية الاغتيال والتنكيل بالجثة استمرت قرابة النصف ساعة، فأين كانت قوات الأمن الفلسطينية التي تهدد رضوخا للاملاءات الإسرائيلية بنزع سلاح المقاومة؟ لماذا لم تتدخل؟ هل هذه السلطة الواحدة التي يتكلم عنها السيد عباس؟ وأكثر من ذلك، ما هو السبب الذي يمنع السلطة من نشر نتائج التحقيق في هذه القضية التي لا تشرف الشعب الفلسطيني، بل تنزع عنه الشرعية والإنسانية.

سادسا: إذا كان اللواء عرفات فاسدا، فلا يحق لأحد أن يعاقبه سوى السلطة، وعلينا أن نختار أي مجتمع نريد أن نبني: مجتمع قائم على شريعة الغاب أم مجتمع حضاري. لقد نشر الكثير عن موسى عرفات وتصرفاته غير الأخلاقية عندما كان قائدا للاستخبارات العسكرية، فلماذا لم يقدم إلى المحاكمة والمساءلة والمكاشفة؟ هل خشي قادة السلطة من أن تكون محاكمته ككرة الثلج تفضح ممارسات العديد من أركانها، وتؤدي إلى الكشف عن الفساد المستشري في السلطة ومؤسساتها.

سابعا: في الأسبوع الماضي نشر صحافيان إسرائيليان التقرير السري الذي أصدره المستشفى الفرنسي عن أسباب وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات. الصحافيان حصلا على التقرير من رموز في السلطة الفلسطينية. ونحن نسال لماذا لم يطالب احد بتشكيل لجنة تحقيق دولية كما حصل في قضية اغتيال رفيق الحريري في لبنان؟ لماذا لا يفعل السيد أبو مازن شيئا بهدف الكشف عن الجهات التي سممت الرئيس عرفات؟ بالإضافة إلى ذلك، نقولها بأعلى صوتنا: من قام بتسريب التقرير إلى الصحافيين الإسرائيليين لن يتورع عن تسليم أمور أخرى أكثر حساسية وخطورة إلى إسرائيل.

وهذا، سيداتي وسادتي، بيت القصيد ومربط الفرس.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع