أبو مازن عاد من واشنطن بخفي حنين ولكن

بقلم: هاني المصري*

انتهت القمة الفلسطينية-الاميركية دون ان تحدث اختراقاً على صعيد عملية السلام، ومن كان يعلق الآمال على هذه القمة كانت صدمته عميقة واكتشف ان اماله ليست أكثر من اوهام.

فالرئيس الاميركي اعاد التزامه بضرورة قيام دولة فلسطينية ولكنه رفض التعهد باقامة دولة فلسطينية قبل انتهاء ولايته. واذكر من نسي بأن خارطة الطريق حددت ان موعد قيام الدولة الفلسطينية هو عام 2005 ثم غير الرئيس الاميركي الموعد في وقت سابق، وحدد موعدا جديداً هو عام 2008. والآن يتدهور الموقف الاميركي مجدداً من خلال ترك موعد قيام الدولة الفلسطينية مفتوحاً، وهذا امر مزعج كثيرا للفلسطينيين ومريح كثيراً لاسرائيل. فدون التزام اميركي واضح وقاطع وعميق ولا رجعة عنه، ليس بموعد قيام الدولة الفلسطينية فقط وانما بشروط قيامها، من حيث مساحتها وعاصمتها ومقومات السيادة فيها، لا يمكن التقدم نحو تحقيق السلام واقامة دولة فلسطين الديمقراطية. عدم تجديد موعد قيام الدولة يعطي اسرائيل الوقت اللازم، لاستكمال خلق الوقائع الاستيطانية والاحتلالية والعنصرية على الارض، التي تقطع الطريق على امكانية قيام الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس.

وما يزيد الطين بله ان الرئيس الاميركي رغم تأكيده على تطبيق خارطة الطريق أكد ان الطريق الى الامام يجب ان يبدأ بمواجهة الخطر الذي تشكله العصابات المسلحة لفلسطين الديمقراطية، واعتبر ان هذه العصابات المسلحة تشكل تهديدا للسلام الشامل بين الاسرائيليين والفلسطينيين.

ومن خلال اشتراط مواجهة العصابات الفلسطينية اولا يدعم بوش الموقف الاسرائيلي الذي يختلف جوهرياً عما هو وارد في خارطة الطريق الدولية. فالحكومة الاسرائيلية عطلت خارطة الطريق الدولية، بل قتلتها وهي في المهد من خلال وضع تحفظات عليها تنسفها من اساسها وجذورها. وابرز هذه التحفظات الاصرار على تطبيق خارطة الطريق بصوره تتابعية وليست تبادلية كما تنص الخطة الدولية. وهذا يعني وضع شرط تعجيزي على الفلسطينيين ودفعهم للاقتتال والحرب الاهلية دون الزام اسرائيل بشيء مقابل يتم تنفيذه بشكل متزامن ومتبادل.

اما حديث بوش عن ازالة البؤر الاستيطانية ووقف الاستيطان وان يكون الجدار امنيا وليس سياسياً ورفض الخطوات الاحادية، فهو حديث جميل ولكنه مكرر وتقليدي ولم يترتب عليه في السابق اية استجابة من اسرائيل، بل وكأنه يأتي ضمن ترتيب اميركي-اسرائيلي متفق عليه.

اميركا تدلي بتصريحات وطنية للفلسطينيين ولكنها ليست أكثر من تطمينات في احسن الاحوال بينما الضمانات والدعم الكامل في كل المحاولات تقريبا، تحصل عليه اسرائيل.

طبعا لا اقلل على الاطلاق من اهمية الدعم الاقتصادي والمالي الذي تطرق إليه الرئيس الاميركي، من خلال تأكيده على مساعدة جيمس ولفنسون في تنفيذ القضايا التي يطرحها ويعتبرها الاكثر اهمية للاقتصاد الفلسطيني، والتي من ضمنها فتح معبر رفح، وربط الضفة وغزة، وتحسين قدرة الفلسطينيين على التنقل في الضفة. وبدء العمل في ميناء غزة. ولكن هذه الخطوات على أهميتها لا يمكن ان تتحقق، او لا يمكن ان تؤدي الى التحسن الكافي، ما لم تكن مرتبطة بأفق سياسي قادر على انهاء الاحتلال. ودون عملية سلام حقيقية مرجعيتها انهاء الاحتلال، ستؤدي الخطوات الاقتصادية المذكورة المترافقة مع العدوان والحصار العسكري الشامل وخطوات الفصل والانفصال التي تقوم بها اسرائيل، ضمن مخططها الشامل الذي يسمى الحل الانتقالي طويل الأمد متعدد المراحل، الى اقامة دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة في غزة، يمكن ان يلحق بها في وقت لاحق، بعد سنوات كثيرة لا يعلم عددها إلا الله، كانتونات الضفة التي تسعى اسرائيل لاقامتها في المناطق الآهلة بالسكان، بحيث يكون لدينا ثلاثة كانتونات في الضفة في الشمال والجنوب والوسط، تلحق بكانتون غزة، وذلك في موعد لاحق وعندما تنضج اسرائيل لخطة احادية الجانب مماثلة لخطة الانسحاب من غزة، ولكن لن تشمل الانسحاب من كل أو معظم الاراضي المحتلة، وخصوصا القدس، وانما من جزء من هذه الاراضي والخلاف بين الاسرائيليين الذين يوافقون على ذلك هو حول حجم المساحة من الضفة التي يريدون ضمها الى اسرائيل، فعوزي دايان يطالب بضم 30% وشارون يريد ضم 58% وهناك اراء اخرى أكثر او أقل، ولكن كلها تلتقي على عدم وجود امكانية في هذه المرحلة لتحقيق تسوية شاملة نهائية، وعلى عدم وجود شريك فلسطيني يرضى بما تعرضه اسرائيل، وهو اقل من الحد الادنى من الحقوق الفلسطينية.

ولا اتجاهل رغم كل ما سبق اهمية تأكيد الرئيس الاميركي على اجراء الانتخابات دون وصف الفصائل الفلسطينية بالارهابية، ودون الالتزام بموقف اسرائيل الرافض لمشاركة حماس ما لم تنزع سلاحها وتعترف باسرائيل. فهذا هو افضل ما حصل عليه ابو مازن من لقائه بوش.

وأخيراً، النقطة الاهم، هي عقد القمة بحد ذاتها، لانها مناسبة للرئيس الفلسطيني لعرض القضية الفلسطينية من مختلف جوانبها واذا لم يستجب الرئيس الاميركي للمطالب الفلسطينية في هذه المرة، فأن يسمع الرواية الفلسطينية مرة ومرتين في العام افضل بكثير من ان تحتكر اسرائيل وانصارها سمع الرئيس الاميركي.

وإذا استطاع الفلسطينيون إصلاح بيتهم الداخلي، وأقاموا بعد الانتخابات التشريعية القادمة، شرعية واحدة وطنية قوية تعددية تنافسية، سيكونون أقوى في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وهذا سيعطي فرصة أفضل للقمة الفلسطينية-الأميركية القادمة.

* كاتب ومحلل سياسي فلسطيني يقيم في مدينة نابلس.

22-10-2005

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع