نداء لشعب فلسطين

 د.إبراهيم حمّامي- الثلاثاء 24/01/2006

إلى أبناء شعبنا الصابر الصامد المقاوم

يا شعب فلسطين الذي لم يبخل بغالٍ أو نفيس في سبيل الحرية والكرامة والتحرير والعودة

يوم غد أنتم على موعد مع انتفاضتكم الصامتة على الظلم والطغيان والفساد، يوم غد فرصتكم للإنتفاض ونفض الفاسدين واللصوص وأدعياء الاصلاح، يوم غد تلوح فرصة ربما لن تتكرر لسنوات للتخلص من الطغمة التي جثمت على صدوركم لتسرق عرق ودماء هذا الشعب وتنتفخ أوداجها قبل جيوبها، يوم غد هو يوم إظهار شعبنا بالمظهر الذي يليق به مثالاً لكل شعب يتوق ويعشق الحرية.

لقد صبرت أيها الشعب العظيم بنبل الأخلاق وحسن المعاملة وبالعض على النواجذ على سني الظلام العجاف، وصنت وحقنت الدماء الطاهرة الزكية، وتحملت ظلم ذوي القربى من أذناب الاحتلال، ورفضت الإنجرار وراء مخططاتهم التي وُضعت لهم ودُبرت بليل، لكن إن أنت اكرمت اللئيم تمردا، فزادوا في طغيانهم وافسادهم، وحق عليهم الحساب كما حق عليهم العقاب، وها هو يوم الحساب قد دنا وأزف.

أيها الشعب البطل

لم تكفهم سنوات السلب والنهب، ولم يكفهم ما أوصلونا إليه من فقر وفاقة وارتهان للآخر، ها هم يطالبون بمنحهم فرصة أخرى، فرصة لاستكمال برنامجهم في ايصال الشعب للهاوية بعد أن أوصلوه حافتها في زمن انجازاتهم الباهر، زمن نُهب فيه 18 مليار دولار من المساعدات لم ير من الشعب شيئا، زمن انجازاتهم التي عجزوا عن سردها أو عرضها، فاكتفوا باجترار الماضي، والعزف على أنغام أوهامهم التي صنعوها، وبطولاتهم الخفية، يطالبون بفرصة جديدة للدغنا مرة ومرات، وليمُنوا علينا بحقنا في الاختيار والقرار وكأن ذلك هبة وعطاء ممن لا يعرف سوى النهب والاستيلاء.

أباطرة الفساد أصبحوا قادة، ومثيرو الفتن انقلبوا مصلحين، ولبسوا ثوب الحمل بعد التنين، وجرّوا معهم شرفاء ومخلصين، وأطلقوا وعودهم في كل صوب وحين، سنفعل سنقوم سنبني سنعمر سنجعل منكم بشرا! هل نسينا وعودهم قبل سنين؟ يوم قالوا غزة ستصبح كالصين، والضفة ستنام في نعيم مقيم، فماذا فعلوا وما هو رصيدهم المتين؟ فوضى قتل تدمير سرقة نهب بلطجة زعرنة بذاءة تهجم اعتداء وكل ما يخطر ببال بشر، فهل سيكون الغد يوم لهم ليستكملوا انجازات وبطولات الفاسدين؟

شعب الغر الميامين ليس شحاذاً تُشترى ذممه، ولا يَسترزق من وراء البحار ليُهدد بقطع المعونات عنه إن قال كلمته، وشعبنا الحر الأبي ليس للبيع والمتاجرة، وليس رقيقاً يساق لسوق النخاسة، وليس لمزاودات موزعي بطاقات الهاتف أو مرسلي الرسائل عليها بدفع الفواتير كما حدث بالأمس في خان يونس،  والشعب الفلسطيني لم ولن يكون يوماً ألعوبة في يد الطامعين بالمجد الزائف.

لا تنصتوا لوعودهم، ولا لعروضهم، ولا إغراءاتهم، ولا تلقوا بالاً لتهديد أو وعيد بقطع رزق أو وقف معاش، فمن يرزق ليسوا حفنة المتسلطين بل الرزاق الكريم، فصوتكم أمانة ستسألون عنه، وستحاسبون عليه، ولن يُجد نفعاً صراخكم وأنينكم بعد حين، إن بعتم ضميركم وسلمتم عقولكم مقابل درهم أو دينار، أو شيكل أو دولار.

أيها الشعب المثال القدوة

أثبت للعالم أننا نستحق الحياة والحرية، وبأن الحضارة التي يهنأ بها العالم نبعت من أرضنا، وانتشرت على أيدي رسلنا، وخيّب أمل من أراد أن نكون فوضويين تائهين مبرمجين، يتحكم بنا قطاع الطرق واللصوص، واجبر العالم أن يقف اجلالاً لاختيارك وقرارك، برضا منه ام من غير اختيار، فالعالم لا يحترم الا الحر صاحب الارادة لا الخانع المستسلم اللاهث وراء سراب صنعه وجعله سقفاً له لا يحيد عنه.

في الوقت ذاته كن يقظاً حذراً، فقد اعتاد المنهزمون على التلاعب والتزوير، وتغيير القرار والمصير، فإن حدث وكان، فلا تعطي الدنية في قرارك ورأيك وصوتك ودينك، قف لهم بالمرصاد، فصوت الشعب وارادته يعلو ولا يعلا عليه، ولا تسمح بتزوير ارادتك مهما كانت الظروف، فقد قبلنا أن ننتفض بصمت، لكن ان أرادوها عارمة مدوية فلا تتردد يا شعب الأبطال.

أيها الشعب الفلسطيني المعطاء

صوتك أمانة، والانتخابات وان كانت تجري في ظل الاحتلال ويعارضها البعض، وله في ذلك رأي نقبله ونحترمه ونجله ونقدره، لكن يوم الغد هو يوم الاستحقاق، اجعلوه عرس كنس الفساد، بدون فئوية أو عصبية أو فصائلية أو عشائرية، وليكن اختياركم للمناسب النظيف الشريف العفيف، مهما كان الانتماء والآراء، وارفضوا كل نجس ولغ في دماء شعبنا وسقط في مستنقع الرذيلة والفساد وانعدام الأخلاق، ولا تغرنكم المساحيق الخارجية، ولا محاولات التلميع، ولا يبهرنكم من تمت تهيأتهم في دورات خاصة صرفت عليها الالاف المؤلفة، وأسئلوا وهذا حقكم، من أين لكم هذا؟ وكيف أصبحوا ملاكاً أصحاب ملايين وقد كانوا معدمين؟  ولا تستمعوا لنداءات الاستغاثة والاستكانة التي يطلقونها لمنحهم فرصة أخرى، فقد خبرتموهم وعرفتم الطيب من الخبيث، فلا تسقطوا فريسة لألاعيبهم وأكاذيبهم، بل اسقطوهم تمهيداً لمحاكمتهم أمام محاكم الشعب ليحاسبوا على كل كبيرة وصغيرة، وليلقوا ما يستحقونه من غضب العباد ورب العباد.

يا شعبنا الواحد

نحن امتدادكم في الشتات القسري، أخوتكم وأبناؤكم، نترقبكم ونحبس أنفاسنا، فلا تخذلوا الملايين، ولا تضيعوا فرصة الانتفاضة الصامتة، ولا تخيبوا آمالنا فيكم، فانتصار الشعب في الغد هو بداية النهاية للتفرقة المتعمدة بين شعبنا في الداخل والشتات، والخطوة الأولى في إعادة اللحمة بيننا من خلال تفعيل المؤسسات التي يلتف الشعب بأكمله حولها، والتي غيبت قصداً وعمداً، من خلال منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، فصوتكم غداً هو صوت لنا أيضاً، وكلنا ثقة بأنكم ستكونون على قدر المسؤولية.

ننظر اليكم ونعدكم باحترام ارادتكم طالما كانت دون تلاعب وتزوير، وهذه أخلاق الشعوب الحرة الرافضة للمهانة، المتعطشة للتحرير والعودة، نترقبكم وكلنا أمل في مستقبل أفضل يكون على مقدار التضحيات الجسام التي قدمها ويقدمها شعبنا.

إليكم يا من صنعتم وتصنعون التاريخ

 

فرصتكم في الغد لفرض إرادة الشعب الفلسطيني الخالصة، على إرادات العالم كله، بعيداً عن هيمنة الاحتلال واملاءاته، كما ارتضى ويرتضي ويروج البعض، وبعيداً عن برامج التفريط والتنازل المجاني الذي أثبت فشله المطلق خلال سنوات أوسلو الغابرة، وفرصتكم لتثبتوا أننا شعب نرفض أن نمد أيدينا لنبيع ارادتنا، فلا الملايين العابرة للقارات ولا الرشاوى ولا المنح المغلفة بذل شهادة الزور، ستثنينا عن فرض صوتنا وارادتنا مهما كان الثمن، فالحرية ليست للمقايضة، والانعتاق ليس للمزاودة، وقبل ذلك كله نحن لسنا شعب شحاذين نعتاش على فتات الآخرين.

 

غذا ليكون اختياركم للأصلح والأفضل والأقدر والأجدر، وليكن مقياسكم العمل ونظافة ذات اليد والسيرة الحسنة، والقدرة على العطاء، واطرحوا جانباً الولاءات البغيضة، فالوطن أكبر وأهم من أي ولاء لفصيل أو قائد أو حتى دعي، واضربوا مثلاً يحتذى للعزة والفخار، مفخرة لباقي الشعوب تستنير بها للإنتفاض على الظلم والطغيان.

 

آن أوان التغيير وآن أوان الحساب، وآن أوان سيادة الشعب، فكونوا على الموعد، وكونوا على قدر المسؤولية، فإن فشلتم لا قدر الله في هذا التحدي فعليكم وعلينا وعلى فلسطين السلام.

 

وفقكم الله وسدد خطاكم وأنار لكم دربكم وتذكروا قوله تعالى:

 

"وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ"

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع