فوز "كاديما" .. ومآل القضية الفلسطينية
!!
بقلم: د. سيد محمد الداعور
يواجه الشعب الفلسطيني في الوقت الراهن مخططا إسرائيليا مرسوما ومعلنا –
في ظل تواطؤ ودعم أمريكي وغياب دور عربي وإسلامي فاعل - يهدف بوضوح الى
إخضاعه وتبديده سياسيا وتصفية قضيته من خلال فرض تسوية أحادية الجانب
عليه تقضي على إمكانية تحقيق الحد الأدنى من حقوقه الوطنية وهو إقامة
الدولة المستقلة كاملة السيادة على الأراضي التي احتلتها اسرائيل في حرب
يونيو عام 1967 وهي الضفة الغربية وقطاع غزة والتي تشكل مساحتها حوالي
20% من أرض فلسطين التاريخية غرب نهر الأردن.
وقد تلقى الفلسطينيون نتائج الانتخابات الاسرائيلية بتشاؤم، رغم انهم لا
يكترثون عادة بما يحصل داخل النظام السياسي الاسرائيلي. ففي اعين
الفلسطينيين، تتبنى كل الاحزاب السياسية الاسرائيلية مشروعا صهيونيا
توسعيا كان السبب في عقود من الظلم والقهر والاحتلال العسكري. وينظرون
الى كاديما وحزب العمل وغيرهما على انها اسوأ من بعضها البعض، لكنهم هذه
المرة يعتقدون ان فوز كاديما سيضعهم امام مشكلة استثنائية. فزعيم الحزب،
ايهود اولمرت، يريد تنفيذ خطة شارون الكبرى وجوهرها الفصل الأحادي الجانب
واستكمال بناء جدار الفصل وتعزيز اهم البؤر الاستيطانية، واحكام القبضة
على القدس ووادي الاردن، حيث يجد الفلسطينيون انفسهم حبيسي معازل
(بانتستونات) ومناطق مغلقة، وسيحرمون من اجود اراضيهم ومواردهم المائية،
ولن تكون لهم اية سيطرة على حدودهم مع العالم الخارجي، ولن يتمكنوا ابدا
من اقامة دولة متصلة جغرافيا وقادرة على الحياة على فتات الارض التي
سيتركها لهم اولمرت.
خطة شارون الكبرى:
الخطوط العريضة للمخطط الاسرائيلي والذي وضعه وشرع في
تنفيذه رئيس الوزراء أرئيل شارون مبتدئا بالانسحاب الأحادي الجانب من
قطاع غزة، وردت في تقرير نشرته صحيفة معاريف الاسرائيلية في عددها الصادر
بتاريخ 2/1/2006 . ويبين التقرير أن شارون كان قبل مرضه يمهّد لتنفيذ
المرحلة الثانية من الخطة الكبرى بعد الانتخابات، تقوم بموجبها إسرائيل
بترسيم حدودها الشرقية، بالتشاور والتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية
وبمعزل عن الاتفاق مع الفلسطينيين. وتفاصيل هذه الخطة نشرت في صحيفة
«كومنتري» ، التي تعتبر المرشد لتيار «المحافظين الجدد» ولإدارة بوش
وللحزب الجمهوري، في شهر أكتوبر 2005.
وبحسب التقرير فإن الاتفاق الإسرائيلي-الأميركي يشتمل
أيضاً على استكمال سريع للجدار الفاصل، وإخلاء تدريجي للمستوطنات،
ومساعدة مالية سخية من واشنطن لتغطية تكاليف على نقل المستوطنين وإعادة
توطينهم داخل حدود الجدار، الذي سيصبح جداراً حدودياً حقيقياً، وستحصل
اسرائيل بالمقابل على تعهد أميركي برفض تام لحق العودة للاجئين
الفلسطينيين الى ديارهم، وإقرار السيادة الكاملة لها في القدس القديمة
كلها ، في حين تنتقل جميع الأحياء العربية في المدينة المقدسة إلى سيادة
السلطة الفلسطينية.
ويشير التقرير الى أن "إسرائيل" والولايات المتحدة
ستبرران هذه الخطوة بغياب شريك فلسطيني فاعل ومؤهّل للسير في المفاوضات
مع "إسرائيل"، وانعدام فرص نجاح المراحل الأخرى من خطة «خريطة الطريق»،
و«أن الفلسطينيين لا يستطيعون إدارة أمورهم بأنفسهم». ولا شك بأن فوز
حماس في الانتخابات الفلسطينية وتشكيلها الحكومة بمفردها دون مشاركة
التنظيمات الاخرى، والفوضى التي تشهدها الأراضي الفلسطينية، وضعف قدرة
السلطة على الإمساك بزمام الأوضاع سياسياً ميدانياً، تساهم في تبرير هذه
الادعاءات.
وقد سبق أن حصلت اسرائيل على الدعم العلني للإدارة
الأمريكية لضم أراض عليها وجود يهودي كثيف في الضفة الغربية عندما أعلن
الرئيس جورج بوش في عام 2004 إن العودة إلى حدود ما قبل 1967 أمر "غير
واقعي" ، وهو ما سمى في حينه بوعد بوش على غرار وعد بلفور المشؤوم. وقد
نشرت صحيفة هارتس الاسرائيلية في عددها الصادر بتاريخ 31/3/2006 خبرا
مفاده ان أولمرت أرسل مستشاره دوف ويسجلاس الى الادارة الامريكية حاملا
تفاصيل الخطة التي سيقوم بتنفيذها من جانب واحد في الضفة الغربية وذلك
قبل عرضها على الجمهور الاسرائيلي أوائل شهر مارس 2006.
أولمرت ينفذ الخطة:
وبعد فوز كاديما في الانتخابات الاسرائيلية سيواصل إيهود
أولمرت، بعد تشكيله الحكومة، الدور الشاروني ويعمل على إنجاز خطته، لأن
قادة كاديما يتقدمهم اولمرت عازمون على مواصلة مشروع شارون السياسي،
فسياسة كاديما ترتكز على اتخاذ الإجراءات بشكل احادي مثلما حدث مع شارون
الذي انسحب من غزة بشكل أحادي الجانب ومن دون توقيع اتفاق مع السلطة
الفلسطينية، فيعتزم الحزب القيام بانسحاب احادي الجانب من مناطق في الضفة
مع تجميع المستوطنات الرئيسة والاحتفاظ بالشريط الحدودي على نهر الأردن
وعدم تقسيم القدس، ويستند مفهوم الفصل الأحادي الجانب على مفهوم السور
الذي تمت إقامته في الضفة مما سيضمن تقسيم الضفة وابتلاع الجزء الأكبر من
أراضيها وضمها للقدس الكبرى. وكشر أولمرت عن أنيابه وأظهر تشدده قبل
الانتخابات باقتحام سجن أريحا وتدميره واعتقال أمين عام الجبهة الشعبية
لتحرير فلسطين أحمد سعدات ورفاقه، في إشارة صارخة إلى تحدي حركة حماس
الفائزة بالانتخابات وللتأكيد على أنه لا ينوي التساهل ولا حتى التفاوض
مع الحركة، وإيقاف التعامل مع السلطة الفلسطينية بعد أن جرى إضعافها
وعزلها.
الحفاظ على يهودية إسرائيل:
لقد قام حزب كاديما على أساس أن بقاء إسرائيل على المدى
الطويل يعتمد على ضمان أغلبيتها اليهودية والحيلولة دون أن يصبح
الفلسطينيون أغلبية في المستقبل القريب، حيث كانت العوامل الديمغرافية
(السكانية) هي الدافع الرئيسي لسحب أرييل شارون للجنود والمستوطنين من
قطاع غزة العام الماضي، وتعهد حزب كاديما خلال الحملة الانتخابية بتقديم
"تنازلات تتعلق بالأرض" في المستقبل في الضفة الغربية.
وفي خطاب ألقاه أولمرت أمام انصار كاديما ونقله التلفزيون
ليلة الفوز بالانتخابات، قال رئيس الوزراء بالإنابة "في الفترة القادمة
سنتحرك لوضع الحدود النهائية لدولة إسرائيل، دولة يهودية ذات أغلبية
يهودية". وأضاف قائلا "سنسعى لتحقيق ذلك بالوصول إلى اتفاق مع
الفلسطينيين.. وإلا، فإن إسرائيل ستمسك مصيرها بيديها، وسنتحرك بالاتفاق
مع شعبنا ومع أصدقائنا في العالم، خاصة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش".
وقال مكررا "آن الأوان للتحرك"، وقد تحدث أولمرت أيضا عن الانتهاء من
ترسيم حدود إسرائيل قبل عام 2010.
حماس: خطة أولمرت "اعلان حرب":
وقد رفضت حركة المقاومة الاسلامية (حماس) ، التي شكلت
لتوها الحكومة الفلسطينية، خطط اولمرت بشدة. حيث أدان رئيس المكتب
السياسي للحركة خالد مشعل، الاجماع الاسرائيلي على رفض الانسحاب من الضفة
الغربية والقدس الشرقية، وانكار حق الفلسطينيين في العودة الى ديارهم.
واعتبر مشعل في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية خطة الحكومة الاسرائيلية
وضع حدود نهائية لاسرائيل "بشكل تعسفي" هو بمثابة إعلان حرب.
عباس: لا للانسحاب الاحادي :
في غضون ذلك، وجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس دعوة الى
اولمرت للتخلي عن خطة الانسحاب الاحادي الجانب من الضفة الغربية. وقال
عباس "النتيجة كانت متوقعة لكن الاكثر اهمية ان يغير اولمرت خطته ويتخلى
عن عزمه ترسيم الحدود من جانب واحد".
أما كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات فقال للقسم
العربي في الـ(بي بي سي) إن أية حكومة إسرائيلية قادمة يجب أن تعي أن
الإجراءات الأحادية الجانب والإملاءات والمستوطنات ولغة الاحتلال لن تؤدي
إلى نتائج فيما يتعلق بالسلام، وستزيد دائرة العنف والفوضى. وأضاف
عريقات: "إذا أراد (أيهود) أولمرت (رئيس حزب كاديما) السلام فهو يعرف
تماما أن عليه استئناف مفاوضات الوضع النهائي وصولا إلى تنفيذ كلي لخارطة
الطريق بما في ذلك إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ في عام 1967".
هنية: لا نقبل خطط كاديما:
وقال رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية للـ (بي بي سي)
أن حكومته ليست "متفائلة بشأن فوز حزب كاديما بالانتخابات الإسرائيلية
لأن الخطط المعلنة لكاديما وللأحزاب الإسرائيلية قائمة على ترسيخ
الاحتلال والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني". واوضح هنية ان "خطة الفصل
احادي الجانب التي يتبناها حزب كاديما غير مقبولة من الشعب الفلسطيني او
الحكومة الفلسطينية". واضاف هنية "الواقع أن هناك مستقبل صعب، لكن نحن
أمام هذا المستقبل ليس أمامنا من خيار إلا التمسك أيضا بحقوقنا، وليس
عندنا مزيد من التنازلات لنقدمها للاحتلال الإسرائيلي".
شلل العملية السلمية:
وفي ظل هذه المشاهد والأحداث تدخل العملية السلمية إطار
التجميد والشلل خصوصاً أن الساحة الفلسطينية تعيش تحولات فوز حماس
وتشكيلها الحكومة وضعف السلطة الفلسطينية وتراجع دور منظمة التحرير
الفلسطينية ورئيس الدولة محمود عباس.. ففي ضوء هذه الأجواء لا يبدو أن
هناك أي فرصة للتقدم في عملية تسوية سياسية بل على العكس فإن الأجواء
مهيأة لتوتر وانفجار آخر قادم في إيران، علاوة على استمرار التورط
الأمريكي في العراق واقتراب هذا البلد الجريح من اندلاع حرب أهلية على
نطاق واسع، إضافة إلى إمكانية انفجار الوضع في لبنان في ضوء تطورات
الحوار الداخلي المتأزم، وإمكانية أخرى لانفجار الأوضاع في دارفور
بالإصرار على إرسال قوات دولية هناك، وكلما نجح العرب في نزع أزمة انفجرت
أزمات أخرى..
على أية حال فإن القضية الفلسطينية تشهد في هذه المرحلة
تحولات في غاية الخطورة، والطامة الكبرى أن الفلسطينيين وقعوا في الشرك
الذي نصب لهم في أوسلو ونسجت خيوطه في المراحل التي تلتها، ونراهم
مشغولين ومنهمكين بمشكلاتهم وخلافاتهم وتنافساتهم وصراعاتهم الداخلية
وبمصالحهم الضيقة، أكثر بكثير من انشغالهم بالمآل الذي ينتظر قضيتهم!
|