بوش "الفلسطيني"... وعرفات "الخائن"!!
بقلم: ناصر السهلي *
هكذا اذا ما سيكون عليه الزمن القادم ... بوش, بكل ما يمثله في هذا الغرب,
أو السياسة الامريكية وذيولها في العواصم التابعة, يختار لنا من المسميات
ما يتوافق وقراءته لتخلفنا وعدم صوابية اختياراتنا... ليس في الامر من
جديد.. بالطبع لا جديد الا هذه الانغماس والحماس الذي يبديه من هم محسوبين
علينا للفكرة القائلة بأن العرب "بحاجة لمن يخلصهم"...
بعضنا يركن وفق اعتقادات معينة الى فكرة "المهدي المنتظر".. وهو في الحقيقة
يمارس اعتقاده ذاك يوميا, مؤجلا كل نواحي خلع ثياب القنوت والتسليم بالامر
الواقع الى أن يأتي المهدي متأبطا الحقيقة كلها ومحاربا "التزوير"..
هذا البعض, وبسذاجة المسلوب الارادة والمتخلف والتابع لأصحاب خطاب الركون,
إعتقد حقا بأن بوش وكل السياسة الغربية سخرهما الخالق لتعجيل الفرج.. ولأن
المهدي معصوم.. فهؤلاء لا يستطيعون الا القبول بكل ما يتمتم به وكلاء الغرب
بين ظهرانينا ليزداد مشهد التخلف تخلفا والتراجع تراجعا..
بعضنا الاخر, يتمنى لبوش أن يكون الرابح في إعتلاءه عقولهم ولو على سبيل
"المناكفة" و"رفع الحرج" والاصرار على "ألم نقل لكم".. وبعيدا عن ساحة
التعلق بأهداب المهدي حيث ساد التحالف مع الشيطان الاكبر في سبيل براءة
الخيانة والعمالة والتحرر "من ظلم 14 قرن" من الولاية الضائعة, رغم أن
المشهد بات أكثر افتضاحا مما تصوره هؤلاء.. يمكننا القول بأن الساحة
الفلسطينية فيها أعداد من هؤلاء الذين لا هم لهم الا الانتصار الوهمي على
الذات..
بوش الذي يصرخ في الامم المتحدة من "خيانة عرفات للقضية الفلسطينية ولشعبه"
يتكأ بكل تأكيد على عقلية من يرقص ويطبل لهذا الصراخ المتألم على الشعب
الفلسطيني! ناهيك عن الوهن الذي أصاب "الختيار" بفعل تفدم العمر وبفعل
السياسات والتكتيكات الغير صائبة التي مورست من هذا الختيار...
إن بوش الذي تقف بلاده, ديمقراطية أم جمهورية,على الحياد التام من آلام
ودماء الشعب الفلسطيني بدعوة سخيفة لضبط النفس أمام همجية الاحتلال وتنغمس
حتى أذنيها في الدفاع عن حكام تل أبيب ولو بضرب الشرعية الدولية يريدنا أن
نصدق وبدون مقدمات بأنه حريص على الضحية وأنه حريص على الشعب الفلسطيني
أكثر من حرص الاخير على قضيته.. لهذا تجد بوش يطلب من عرفات المحصور بين
جدران المقاطعة بأن يتحول إلى ساحر يجترع المعجزات "لتخليص" الاحتلال من
ورطته.. ويزيد الطلب من السلطة الفلسطينية أن تحارب "الارهاب", وهي التي
حولها الاحتلال وسياسة أمريكا مع العرب والفلسطينيين إلى سلطة ورقية لا
أكثر!
نعم هناك وبلا أدنى شك حلفاء لأمريكا على الساحة الفلسطينية, وبعبارة أخرى
وكلاء مباشرين وغير مباشرين في التقاء المصالح... وهؤلاء تراهم أشد حرصا من
أمريكا على الخوض في مسألة "الخيانة".. إذ يتحول مفهوم الخيانة الى تعبير
مبهم غير مفهومة مقاصده... فهل بنظر بوش يكون عرفات خائنا لقضية شعبه مثلا
لأنه لم يقبل ما أراده وكلاء بوش لهذه القضية على الساحتين الفلسطينية
والعربية؟
إن أي تأويل آخر للمقصد الامريكي, وقد قاله كلينتون سابقا, من طرح مفهوم
الخيانة لا يعني إلا جهلا كاملا بأهداف أمريكا في هذه المنطقة.. ومثلما كان
صدام حسين "خائنا" لقضايا العرب, حينمالم يتنازل عن سلطته, ومثلما الرئيس
السوري بشار الاسد "خائنا" لقضايا بلده, حين يُصر على الانسحاب الكامل,
يكون ابو عمار "خائنا" في القراءة السياسية الامريكية لما يجب أن تكون عليه
"الوطنية"...
ليس هناك من يستطيع أن يُنكر بأن الولايات المتحدة الامريكية تبحث عن ترسيخ
هيمنتها الاستراتيجية في منطقتنا عبر تسويق شعارات فارغة المحتوى وجوفاء
المعنى, عبر شبكة من الوكلاء السياسيين والاعلاميين, من خلال دس السم في
العسل على طبق الحرية والديمقراطية... فمن من العرب لا يريد الحرية؟
لكن السم الذي تدسه أمريكا باستعباد الشعوب وسرقة ثرواتها وحماية هذا
الكيان الصهيوني الغاصب بكل قوة, وهذه المهزلة التي شهدناها في عراق
"الحرية" مسائل لا يمكن إغفالها ونحن نتفحص خطابات من يوردون لنا شهد
الكلام ولغيرنا المدافع والدبابات والطائرات لتحصد أرواح أحبتنا في فلسطين!
لا يمكننا أن نغفل سياسة الكيل بمكيالين ولا ازدواجية المعايير التي غالبا
ما يكون العرب ضحيتها في زمن هيمنة أمريكا على السياسة الدولية...
وعليه يكون عرفات, وفق منهج بوش ومن لف لفه من الاعراب "خائنا".. وقد يبدو
أكثر وطنية من رهط اللاهثين وراء فتات موائد السياسة العرجاء التي تحددها
أمريكا لو أنه يقبل ما تريده له أن يقبل!
ولأن عرفات ليس المهدي المنتظر.. ولا وهو ولي الامر المعصوم فإن من يختلف
معه ومع تكتيكاته الخاطئة في العديد من المنعطفات التاريخية لا يمكنه تصديق
هذه الخزعبلات والترهات التي يأتي عليها أرعن قاتل لأطفال العراق مباشرة
ولأطفال فلسطين بشكل غير مباشر مثل بوش... ولأنه ليس كذلك فقد يرهق نفسه
كثيرا هذا البوش في بحثه عمن يشتري ,على الساحة الفلسطينية, صراخه من ألمه
في العراق...
ومثلما أوهمته "شلة" العمالة في العراق بأنه وجنوده سيكونوا مثل الفاتحين
عندما يخرج العراق عن بكرة أبيه ليرميه بالأزهار والورود... فإنه ثمة من
يوهمه ويوسوس له بأن في فلسطين من ينظر إليه "كوطني فلسطيني" إن هو كذب
كذبته عن الخيانة وعن الحقوق الفلسطينية ... وفي سوريا محررا... وفي لبنان
ديمقراطيا وحامي الارزة من خريف الزمن الاتي...
بوش الذي يعض على أصابعه, قبل سويعات من هروبه الكبير و القادم لا محالة,
في العراق الذي يلقنه أبهى ألوان الوطنية والحرية بات مدركا بأن ألاعيبه
وألاعيب الأقزام من حوله لن تنطلي على من رضعوا من حليب أمهاتهم عشقهم لله
والحرية والوطنية... وكما نسمع صدى صراخه في العراق سنسمعه في كل مكان لا
تقارب فيه أمريكا حرية الشعوب!
وليقل ما يشاء عن عرفات وغيره... لكن شعب فلسطين المتمرس في الكفاح والنضال
ومعمعة السياسة يعرف من هم العملاء ومن هم الذين خانوه... ولايزالوا!
*
كاتب
فلسطيني يقيم في الدانمارك
|